منذ نحو 15 عاما شرعت أوروبا فى التخلص من عدد من الصناعات، لأنها تلوث البيئة، وتستهلك طاقة كبيرة، وتحتاج لعمالة وفيرة، وشرعت بمصانع السيراميك، ثم الأسمنت والأسمدة، وكان طبيعيا أن تنتقل تلك المصانع إلى دول الجنوب، لذلك ازدهرت هذه الصناعات فى مصر، ويحدث تنافس أوروبى وغربى على إقاماتها أو شراء المصانع القائمة بالفعل فى مصر.
وحسب خبراء فى الاقتصاد فنحن على أبواب دورة جديدة من إخلاء أوروبا من الصناعة، وتحويلها إلى الجنوب أيضا أى فى أفريقيا وآسيا، فبعد أن وصل الأوروبيون إلى أقصى درجات الرفاهية، لم يعودوا بحاجة لصناعات عديدة على أراضيهم، لأنها مرهقة، وتلوث البيئة، بينما يفضلون امتلاك الصناعة خارج أوروبا والتحكم فى حركة رؤوس الأموال عبر الأسهم والسندات، والاستثمار أكثر فى التكنولوجيا المتقدمة وصناعة الاتصالات والمعلومات، والتجارة الإكترونية.
ولا أدعى الفهم الواسع فى الاقتصاد، لكن ما تشهده مصر من ازدهار فى صناعة الأسمنت والسيراميك والأسمدة هو نوع من الاستثمار الأسود، لأن تلك الصناعات تلوث البيئة المحيطة بها، كما تؤثر أيضا على صحة السكان المحيطين بها ومن يعملون بها.
وإذا كنا قد هللنا وأقمنا الأفراح بسبب تدفق الاستثمارات الأجنبية فى هذه الصناعات على أراضينا دون التنبه لأخطارها البيئية، ولا لأنها صناعات غير مرغوبة فى أوروبا، فإن علينا التنبه بالتأكيد، لاستثمارات ما بعد الأزمة المالية العالمية، فحين تبدأ الموجة الجديدة من نقل الصناعات الغربية إلى العالم الثالث، لا نريد أن نصبح المكان المثالى الذى يتخلص فيه الغرب من كل مخلفاته الضارة سواء للبيئة أو للإنسان.
وأعتقد أنه إذا كانت لدينا إدارة اقتصادية واضحة، فإنها يمكن من الآن الاطلاع على الخطط الأوروبية، وتحدد الصناعات التى يمكن قبولها على أراضينا، وهناك صناعات كثيفة العمالة وغير ملوثة للبيئة، ولا تحتاج لكميات كبيرة من الطاقة مثل صناعة الملابس الجاهزة.
وبينما تفتح معظم الماركات العالمية مصانعها فى الصين وشرق آسيا، يمكن أن تكون مصر مكانا مناسبا للمنافسة فى استقبال هذه الصناعات، خاصة أننا لدينا تاريخ عريض فى هذه الصناعة.. المهم أن ننتبه لما يدور حولنا، ولا نكتفى فقط باستقبال الصناعة السوداء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة