«راجع يعتمر لبنان» هذه ليست مطلع الأغنية الشهيرة لفيروز فقط، وإنما هى واقع بدأ يتجسد فعليا على الأراضى اللبنانية، بداية من بيروت إلى جميع قرى الجنوب التى مرت أكثر من ثلاث سنوات على نهاية حرب تموز الأخيرة فيها ومازالت تستعد لإعادة الإعمار.
هذا الاستنتاج تتوصل إليه بمجرد الدخول إلى العاصمة اللبنانية بيروت، التى كانت محطة «اليوم السابع» الأساسية، على هامش إعلان شركة فايزر للأدوية نتائج مسحها الأول عن التدخين فى الشرق الأوسط، فى لبنان رغم انتشار تدخين الشيشة والسجائر فيها بشكل لافت، حتى بين البنات والسيدات ودون أى ملاحظات اجتماعية، مثلما يحدث فى مصر.
استثمارات حقيقية بدأت النمو على الأراضى اللبنانية، مما يؤكد استقرار الوضع الذى جذب العديد من الاستثمارات العقارية والفندقية والبنكية تقدر بمليارات الدولارات.
وعلى بعد كيلو مترات معدودة من مكان انعقاد المؤتمر بفندق حبتور المملوك لأحد مستثمرى الخليج، تقع الضاحية الجنوبية التى تعتبر معقل حزب الله، وتمثل التناقض الحقيقى ما بين حى الحمراء وحى بير العبد، فكل منهما يعبر عن شريحة مختلفة فى المجتمع اللبنانى بطوائفه ودياناته المختلفة.
ففى الضاحية الجنوبية تنتشر العمامات السوداء والعبايات الفضفاضة المميزة للشيعة المسلمين، أما فى وسط بيروت فترى المسلمين السنة فى ملابسهم الشرعية، أما الأحياء المسيحية فتتميز بصلبانها المعلقة على مداخل المنازل وعلى واجهات السيارات حتى التى يملكها مسلمون.
هنا الملابس والمظهر الخارجى ليس الدليل الوحيد على طائفة المواطن اللبنانى، فسكان بيروت فى ملابسهم المميزة بآخر الصيحات فى الموضة، يختلفون كثيرا عن مواطنى الجنوب، لدرجة أنك غالبا ما تستطيع تحديد انتماء الفتاة اللبنانية من طول تنورتها.
الضاحية الجنوبية دولة داخل الدولة، يسكنها شيعة لبنان المؤيدون لحزب الله، الذى يفرض سلطته عليها، بما يطلقون عليه شرطة الانضباط، التى تعتبر الشرطة الأساسية داخل الضاحية التى يتطلب دخولها تصريحا أمنيا من مكتب حزب الله الأمنى والإعلامى، لتتمكن من التقاط بعض الصور عن بدء عملية الإعمار لمعظم المواقع التى اعتبرتها إسرائيل مواقع عسكرية استهدفتها فى حربها الأخيرة.
معظم أشكال الإعمار مدعومة من الشعب الإيرانى والشركات العالمية، وبعض المساهمات من الأمم المتحدة والوكالة الأمريكية للتنمية، والتى يعتبر وجودها علامة استفهام كبرى فى الضاحية، بداية من إقبال الوكالة على هذه الخطوة مرورا بموافقة حزب الله على هذا.
الحواجز تمتد عبر الطريق من بيروت حتى آخر قرى الجنوب، حتى تصبح بعد عدة كيلومترات مألوفة لزائر الجنوب المار بحاجز نهر الليطانى، أصعب الحواجز تشددا فى الفحص والتفتيش الأمنى.
قوات الأمم المتحدة التى يطلق عليها قوات «اليونيفيل» المنتشرة فى الجنوب أيضا من أهم السمات المميزة للطابع الأمنى هناك، ومهمتها حفظ السلام على الحدود بين لبنان وأولى مناطق الاحتلال الإسرائيلى.
المعارك التى قادها الجنوب منذ بداية الاحتلال مرورا بالتحرير وصولا إلى حرب تموز الأخيرة، خير دليل على تحول هذه البلدات الصغيرة إلى قلاع مقاومة فى وجه العدو الصهيونى، لكن هل مازال السلاح فقط هو ما يحتاجه لبنان الآن؟ أم أنها الاستثمارات المالية فقط؟ هذا السؤال لن يجيب عنه إلا اللبنانيون أنفسهم فى ظل استقرار الوضع وبداية التنمية.