عم محمد هو حالة رضا قديمة، عمرها تسعون سنة، لا يعرف الحزن أو الألم، وجلبابه العتيق لا يفرق بين زمهرير الشتاء وقيظ الصيف، ولا يعرف غير الابتسامة التى تذيب دهشة كل من يراه فى نفس المكان على مدار أكثر من خمسين عاماً حتى أصبح من معالم المنطقة.
«النبق والدوم والحرنكش.. وحب العزيز»، «يا حرنكوشة يا عسل».. هكذا ينادى عم محمد بياع الحرنكش بلهجته الصعيدية القناوية على المارة من الطلبه والطالبات فى المنطقة المعروفة باسم مكتبات جامعة عين شمس بمنشية الصدر، واقفا على رجليه من مطلع الفجر حتى مغرب الشمس، لا يمل ولا يكل.
يقول عم محمد بلكنته القناوية: «ماليش شغلانه غيرها دا بقالى خمسين سنه أقف أبيع الحرنكش والدوم بالعسل والنبق، أولادى كل واحد فى حاله، هما خمسة، بنتين واحدة متجوزة واوحدة لسه وتلت ولاد، ومحدش بيساعدنى أصل ربنا هوه اللى بيساعد».
عم محمد هو «صديق» البلدية، تماما كما هو صديق لكل شىء هنا، يقول: «هما بيحبونى وقالوا لى خليك هنا قاعد يا عم الحج، وكلهم آخر أدب، وبحبهم، أصلهم ولادى، وأنا مابعرفش أكره حد واصل».
وعن الأماكن التى يشترى منها عم محمد بضائعه: «بلف كتير من الفجر كل ما يسهل ربنا عشان أجيب الحرنكش من البحيرة، والدوم من أسوان، والعسل من نجع حمادى»، وأكمل: «العيال بتوع الجامعة دول بيجولى أدعيلهم، ربنا ينجحهم يارب وياخد بيدهم أصل كفاية عليا مجيتهم دى، كتير منهم بيجولى ياخدوا خلطة الحرنكش بتاعتى اللى ملهاش زى، يعنى تشكيله كده على مزاجى».
ويواصل عم محمد حديثاً خاصاً عن بنات الجامعة التى يقف بجوارها قائلاً: «البنات هنا بيسمونى عم حرنكش، وأنا مبزعلش، أنا أصلا بحب أبيع الحرنكش للبنات، وكلهم زى العسل، أصل البنات دى نعمة الدنيا، والبنتة اللى بتدرس هنا وبتكون جاية من عندينا فى الصعيد، باعرفها من أول نظرة، وبسألها دايما لو عايزة حاجة متتكسفش، تقول لى ما أنا زى جدها، بس اسمى حرنكش»!