منذ أن قرأت أن وزير الصحة المليونير د.حاتم الجبلى، الذى يملك مستشفى دار الفؤاد، يعالج زوجته فى الخارج على نفقة الدولة بتكلفة حتى الآن بلغت 290 ألف يورو وأنا فى حيرة من أمرى..
أريد أن أكتب مشفقًا على مصر، وفى الوقت نفسه مشفقًا على زوجة الوزير لأننى أقسم بالله العظيم متعاطف معها وأدعو لها بالشفاء وبالصحة، وأتمنى أن يدعو لها الجميع لأن المريض أضعف كائن حى يتعلق بقشة لكى ينجو من المرض ويتعلق برحمة الله لكى يتم شفاؤه..
والتردد فى الكتابة مبعثه أن مجال اهتمامى رياضى فى المقام الأول والوزير ليس له فى الرياضة، ومبعثه أيضًا كما ذكرت فى المقدمة أن الأهم عندى أن ينعم الله على زوجة الوزير بالشفاء وتعم نعمته على كل المرضى والأصحاء.. لكن يؤلمنا جميعًا أن نرى مرضى لا يجدون العلاج حتى فى بلدهم، وأن فرصة العلاج بالخارج لا ينعم بها إلا الأغنياء، وهى مفارقة عجيبة لا نراها إلا فى بلاد العجائب..
مرضى قادرون ماليًا تعالجهم الدولة، ومرضى فقراء لا يجدون أصلاً الطعام، فكيف يجدون العلاج ولا يهزون شعرة من ضمير الدولة؟.. وهى أخلاق عامة نلمسها ونشعر بها فى كل مجالات الحياة.. ومنها الرياضة التى يتمتع بها القادرون المسيطرون أصحاب النفوذ.. فإذا «عطس» الأهلى والزمالك هبت الدنيا لتشخص العطسة وتضع لها الحلول، وإذا ماتت أندية أخرى واندثرت انتهت الدنيا بالنسبة لها، فلا حس ولا خبر..
كنا بلد شهادات ولم يعجبنا ذلك.. وكنا بلد النخبة الثقافية والعلمية ولم يعجبنا.. فأصبحنا نخبة الفتوات والأثرياء والنخبة المالية التى لا تعرف مصادر ثرائها.. وأمامها لم نعد نملك حتى مجرد العجب أو الرفض أو الاستفسار.. ونحن الآن نقف إجلالاً وتبجيلاً أمام المنتخب الوطنى وهو يتاجر بألقابه ويجمع الغنائم بالملايين وبالأوسمة، فى وقت لا نعرف ما إذا كان أبطال حرب أكتوبر وهم بمئات الألوف حصدوا شيئًا مما زرعوه للوطن بالدم من كرامة وعزة وتضحية.. بل بعد 37 سنة ما زلنا نسمع ونرى أبطالًا يحكون عن بطولاتهم وهم يعيشون حياة قاسية..
لا أعرف لماذا أسسنا قانونًا يفرض علينا أن ندفع المقابل لأى اسم مشهور، بينما هو أخذ المقابل تلقائيًا من نفسه ومن عمله ونشاطه بعائد مادى أو معنوى أو أدبى، ولا يجب أن ينتظر عائدًا رسميًا من الشعب والدولة وهو لا يحتاجه.. حتى بلغ بنا الأمر أن نمنح لاعبى المنتخب مكافآت مقابل خروجهم من تصفيات كأس العالم..
هل اللاعب هو الوحيد الذى يتعب ويعرق ويضحى؟.. أليس الموظف المخلص المتفانى فى عمله المحافظ على ضميره الحى هو الآخر يتعب ويعرق ويضحى بوقته مقابل مائتى جنيه؟.. ألا يستحق هذا الموظف أن يكون بطلاً؟.. ألا يستحق جائزة نوبل فى التحمل وهو يعيش مع أسرته حتى ولو بألف جنيه؟.. والفلاح الذى تشققت قدماه وتغير لونه وشكله من الكفاح فى أرضه وعاش متطفلاً على جاموسة أو بقرة يربيها ويتاجر بلبنها ألا يستحق أن يكون بطلاً؟.. ألا يستحق أن يكون مواطنًا ترعاه الدولة على الأقل صحيًا مثلما ترعى أبوتريكة وشيكابالا.. أليس كفاح الشرفاء فى الحياة القاسية نوعًا من أنواع البطولة؟..
أين ضمير من أعطى اللاعب «جدو» شقتين، بينما رياضيون أبطال من ألعاب أخرى يعيشون فى عشش؟.. أين ضمير من صرف 8 ملايين جنيه على استعارة أحمد حسام «ميدو»، بينما لاعبو أندية أخرى يذهبون إلى التدريبات بالميكروباص والتكتك؟
نحن لا نحتاج تغييرًا فى الأولويات.. بل نحتاج تغييرًا فى الأخلاق والضمائر..
نحن نملك القوانين واللوائح والنصوص المثالية على الورق ونحب أن نقرأها ويسمعها منا الناس لكن نكره أن نطبقها.. نحن نتحدث كثيرًا عن الأخلاق والضمائر فى التليفزيون والصحف والمساجد ثم ننساها أو نرميها بمجرد أن ننزل إلى الشارع.. نحن مصابون بازدواج فى الشخصية، فالمساجد ممتلئة والمقاهى ممتلئة والملاهى الليلية ممتلئة..نحن نصوم ونصلى ونزكى ونحج ونعتمر، وأيضًا نرتشى ونكذب ونضلل ونسرق ونظلم..
نحن نعترف بأن الرزق على الله، وفى الوقت نفسه نجرى جرى الوحوش لانتزاعه من غيرنا.. هذه أخلاقنا، فلا عجب إذن أن يطلب اتحاد الكرة من الأندية الانضباط فى الملاعب وهو غير منضبط.. وأن يطلب الإعلام الشفافية وهو غير شفاف.. وأن يطلب المدرب من لاعبيه التركيز والإخلاص وهو يوميًا فى الفضائيات.. أرجوكم اتقوا الله يجعل لكم مخرجًا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة