أسوأ مهزلة يمكن أن تخرج بها الانتخابات.. أى انتخابات.. هو هذا الرقم المخيف السخيف 99.9%.. الرقم الذى يمثل ماركة مسجلة للتزوير الفج.. وللديكتاتوريات الغبية التى تفترض الغباء فى الناس.. كل الناس.. ولا تهتم حتى بتقديم الكذبة المزورة بشكل محترم.. أصلاً لا يجوز أن يفوز أى كائن بشرى فى انتخابات شريفة نظيفة بنسبة 90%.. ولا حتى 80%.. تخيلوا مثلاً.. أقول مثلاً – وليغفر لى الله هذا المثال - لو كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قد دخل فى انتخابات فى مجتمع المدينة المثالى.. هل كان يمكن أن يحصل على تسعين فى المائة.. طبعاً الفرضية جدلية ولكن إذا خصمنا المنافقين واليهود من مواطنى مجتمع المدينة، فلن يصل مؤيدو الرسول الكريم إلى التسعين فى المائة.. ولعلكم لو تذكرون مثلاً فى غزوة أحد خرج الرسول من المدينة على رأس ألف مقاتل تقريباً.. ولكن عندما جد الجد ودقت ساعة القتال نجح المنافقون فى العودة بثلاثمائة مقاتل.. أى أن من أيدوا الرسول من جيشه فى قرار مصيرى وهو القتال كانوا 70% فقط من الجيش.. ونحن نتحدث هنا عن جيش يفترض فيه أن يطيع أمر القائد فى جميع الأحوال.. ونحن نتحدث هنا عن مثال غير قابل للقياس.. رسول كريم فى مجتمع من الصحابة المؤمنين.. فما بالك عندما نتحدث عن كائن بشرى عادى فى مجتمع من البنى آدمين العاديين.
فى مصر.. نمتلك الريادة إقليمياً وربما عالمياً فى تزوير الانتخابات بهذه الفجاجة "نحن الذين اخترعنا نسبة الـ 99.9% أيام جمال عبد الناصر فى أول استفتاء على رئاسة الجمهورية عام 1956" ومع هذا التراث الطويل العريض فى التلاعب بنتائج الانتخابات بدأ المزورون مع مرور الزمن يستحون قليلاً.. فلم نعد نرى نسبة 99.9 المعيبة.. أصبحوا يؤلفون نسباً أخرى تقترب منها دون أن تحمل نفس تأثيرها.. يعنى 92% ماشى.. 82% ما يضرش.. حتى لو منحوا المعارضة فى البرلمان حاجة وعشرين فى المية ما فيش مشاكل.. ففى النهاية سوف يكون ذلك أكثر ملائمة للديكور الديمقراطى ولن تؤثر هذه المظاهر الشكلية على صميم السيطرة الحكومية التامة والمزورة على مقاليد السلطة.
ولكن يبدو أن تغييراً ما يحدث فى مزاج الحزب الحاكم سوف يكون له تأثير كبير على مسار الانتخابات القادمة.. بعد أن نجحوا فى إفراغ الانتخابات من آخر مشكلة شكلية كانت تعوق سيطرتهم المطلقة على صناديق الاقتراع.. بفضل التعديلات الدستورية المعيبة التى أنهت الإشراف القضائى الكامل على العملية الانتخابية.. وفى أول انتخابات جرت بعد هذه التعديلات الدستورية عادت نسبة الـ99.9% لترفرف فوق رؤوس الجميع.. ففى العام المضى جرت انتخابات مؤجلة لمجلس الشعب فى دائرة القناطر الخيرية ووجدنا مرشح الحزب الوطنى يفوز بـ41806 صوتا من إجمالياً 42081 صوتاً صحيحاً "يعنى بنسبة 99.3%" والطريف أن أقرب منافسى مرشح الحزب الوطنى فى الانتخابات قد فاز بـ405 أصوات.. يعنى بنسبة واحد فى الألف تقريباً من أصوات مرشح الوطنى.. إنها لمعجزة!!
وفى العام الحالى.. وفى انتخابات تكميلية جرت فى دائرة الظاهر وجدنا نفس المعجزة تتكرر، حيث فاز مرشح الحزب الوطنى بـ20646 صوتاً من إجمالى 21 ألف صوت.. بينما حصل أقرب منافسيه على 327 صوتاً فقط.. يعنى برضه نسبة تقترب من واحد فى الألف.. إنها لمعجزة أخرى!! فقد حقق مرشحو الحزب الوطنى ما لم يحققه نبى فى مجتمع من الصحابة والمؤمنين.
كيف ستجرى الانتخابات البرلمانية القادمة فى مصر.. ومن بعدها الانتخابات الرئاسية.. إذا ظلت العملية الانتخابية تجرى فى ظل عدم وجود رقابة دولية أو حتى إشراف قضائى كامل وهل ستجرى أصلاً انتخابات أم أنها ستكون مجرد مسرحية هزلية.. مسرحية لا تعترف بالرقابة رغم أن الخروج عن النص فيها مستحيل.. يوزع فيها المخرج الأدوار على الممثلين ويكتفى الشعب بالفرجة من بعيد.. فهو أصلا ليس على قائمة المدعوين.. لا أحد يعرف بالضبط كيف ستجرى الانتخابات ولكن بناء على البروفات التى جرت من قبل من المؤكد أنها ستكون مسرحية تنتمى للكوميديا السوداء.. الضحك للركب.. والدم والدموع أيضاً.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة