رحم الله د. محمد سيد طنطاوى، الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر السابق، فقد كان كلما تعرض لنقد عنيف أو مؤاخذة حادة، خرج من المأزق كالشعرة من العجين قائلاً: أنا يا جماعة مجرد موظف فى الدولة.. وملتزم بالسياسة العامة للبلد! وحين رحل فضيلة د. طنطاوى، وخلفه فضيلة د.أحمد الطيب ، كان أول ما صدر عنه من كلمات هو توجهه بالشكر للرئيس مبارك مؤكداً لسيادته – ما معناه – أنه سيكون عند حسن ظنه وعلى قدر المسئولية؛ ليثبت للقيادة السياسية أنه الرجل المناسب فى المكان المناسب.
ولم يكتف فضيلة د.الطيب بذلك ، بل أضاف مؤكداً أنه لا يرى تعارضاً فى توليه مشيخة الأزهر وبين عضويته فى أمانة الحزب الوطنى، وما أدراك ما الحزب الوطنى!
ورغم أننى شعرت بالارتياح لاختيار فضيلة د. النجار باعتباره رجلاً مستنيراً درس فى فرنسا ويتقن الفرنسية وترجم عنها العديد من المؤلفات، إلا أن آلية الاختيار أو "التعيين" نفسها هى التى تبدو العار بعينه والتجسيد الواقعى لفقهاء السلطان الذين لا يرون لهم مهمة سوى تطويع الدين فى خدمة أصحاب النفوذ على طريقة حسن البارودى فى فيلم "الزوجة الثانية"!
شيخ الأزهر الجديد يمثل الحلقة السادسة والأربعين فى سلسلة مشايخ هذه المؤسسة العالمية الفريدة، ولابد أن يكون آخر من يأتى بهذه الطريقة، نريد مجلساً إسلامياً عالمياً حراً ومستقلاً يتم اختيار شيخ الأزهر من بين أعضائه، فلا يتقاضى راتبه من خزانة الدولة ولا تأتى مواقفه بناء على "تعليمات عليا" علماً بأن استقلالية أهم مؤسسة تاريخية للمسلمين السنة حول العالم لا تعنى بالضرورة الدخول فى صدام مع نظام الحكم، لكنها تعنى أن يكون ولاء الإمام الأكبر لكتاب الله وسنة رسوله وليس لرئيس الجمهورية!
والسؤال الآن: هل أرى المشهد حالك السواد؟ والإجابة قطعاً بالنفى، فهناك ضوء- حتى لو كان شاحباً- فى نهاية النفق ويتمثل فى تصريح فضيلة شيخ الأزهر حول اتخاذه من قضية الوحدة الوطنية بين مسلمى مصر وأقباطها أولوية مطلقة فى المرحلة القادمة، فضلاً عن ترحيبه بعودة الطلبة الإيرانيين للدراسة فى الأزهر على غرار ما كان يحدث فى السابق!
الأقباط- إذن- والشيعة يمثلان طوق نجاة يمكن أن يعيد للأزهر شيئاً من مصداقيته ورسالته، فضلاً عن أطواق نجاة أخرى كثيرة، وتلك على أية حال قصة أخرى.
* كاتب صحفى بالأهرام
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة