كشفت الدراسة التى أعدها الدكتور أحمد السيد النجار الخبير الاقتصادى بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام والتى تضمنت دراسة تحليلية للمرتبات فى مصر منذ يوليو 1952 وحتى الآن، وعند النظر إلى تطور الحد الأدنى للأجر الاسمى والحقيقى سنجد أنه فى عام 1952 وبعد الانقلاب الثورى الذى تحول لثورة اجتماعية شاملة بعد ذلك، تم وضع حد أدنى للأجر 18 قرشا فى اليوم، وكانت تشترى نحو 1.5 كيلوجرام من اللحم فى الريف ونحو 1.2 كيلوجرام من اللحم فى المدن، وبفرض أن العامل يعمل 25 يوما فى الشهر، فإن الأجر الشهرى الحقيقى للعامل فى عام 1952 يعادل فى المتوسط، نحو 34 كيلوجراما من اللحم أى نحو 1700 جنيه من جنيهات الوقت الراهن إذا قيس بسلعة واحدة هى اللحم على سبيل التجريد.
وقد ارتفع الحد الأدنى للأجر الأساسى الاسمى للعامل فى القانون 47، 48 لسنة 1978، إلى 16 جنيها (دون إضافة ما فى حكم الأجر من حوافز وعمولات وبدلات ومكافآت وأرباح) وكانت تشترى فى ذلك الحين 320 كيلوجراما من الأرز (ثمن الكيلو 5 قروش) ثمنها حاليا 1000 جنيه، ولو أخذنا بالحد الأدنى للأجر الشامل، فإنه كان نحو 22 جنيها كانت تشترى نحو 440 كيلو أرز ثمنها نحو 1320 جنيها. كما كان ذلك الأجر الأساسى للعامل يشترى نحو 18 كيلوجراما من اللحم البلدى ثمنها حاليا نحو 900 جنيها، أما الأجر الشامل فكان يشترى نحو 24 كيلوجراما من اللحم البلدى تساوى نحو 1200 جنيه حاليا، أو ملابس لا تقل قيمتها عن 2000 جنيه، أو كمية من الذهب لا تقل قيمتها عن 2500 جنيه حاليا.
ولو أخذنا قيمة وسيطة للقدرة الشرائية للأجر الأساسى عام 1978، فإنها ستبلغ نحو 1500 جنيه من جنيهات الوقت الراهن على الأقل، أما القدرة الشرائية للحد الأدنى للأجر الشامل فى عام 1978 فإنها توازى أكثر من 1900 جنيه من جنيهات الوقت الحالى.
طالع النص الكامل للدراسة
يشكل نظام الأجور الآلية الرئيسية لتقسيم فائض القيمة أو القيمة المضافة الناتجة عن العملية الإنتاجية، بين العاملين وأرباب العمل سواء كانوا من القطاع العام أو القطاع الخاص، وهو بالتالى آلية رئيسية لتحقيق العدالة فى توزيع الدخول، إلى جانب الآليات الأخرى مثل الضرائب ودعم الخدمات العامة والدعم السلعى والتحويلات. وفى أكثر الاقتصادات الرأسمالية تحررا تبقى الدولة محتفظة ببعض الأدوار المرتبطة بالسلام الاجتماعى والحد الأدنى من اعتبارات العدالة الاجتماعية الحافظة لاستقرار النظام الرأسمالى نفسه، وفى مقدمة هذه الأدوار، وضع حد أدنى للأجور لكل العاملين فى البلد سواء كانوا يعملون فى القطاع الخاص، أو يعملون لدى الدولة فى قطاعها العام وجهازها الحكومى وهيئاتها الاقتصادية والذين تكون الدولة بمثابة رب العمل بالنسبة لهم. بل إن الدولة تشارك عادة من منطلق مسئوليتها الاجتماعية، فى المفاوضات التى تدور بين ممثلى العمال وأرباب العمل بشأن نسبة الزيادة السنوية فى الأجر حتى لقدامى العاملين، بالذات عندما تتعثر المفاوضات بين الطرفين.
وقد جاء حكم القضاء المصرى العظيم (محكمة القضاء الإداري)، بإلزام الحكومة بوضع حد أدنى جديد للأجر، بمثابة انتصار تاريخى لقيم العدالة والحق وللاعتبارات الاقتصادية التى تشير إلى أن وجود نظام عادل للأجور يؤدى إلى حفز العاملين على العمل والابتكار والإلتزام بقواعد ولوائح العمل والقبول بآليات الثواب والعقاب فيها عن طيب خاطر، فضلا عن أن تحسين توزيع الدخل من خلال نظام الأجور، يؤدى إلى زيادة حصة من يعملون بأجر وهم الفقراء والطبقة الوسطى فى الدخل، ليتحول جزء كبير من تلك الحصة الدخلية إلى طلب فعال على السلع والخدمات، يحفز المسثمرين من القطاع الخاص ويحفز الدولة على بناء مشروعات جديدة تلبى هذا الطلب على السلع والخدمات، وتلك المشروعات تقوم بتشغيل عاملين جدد وتوزع عليهم دخول فى صورة أجور وما فى حكمها، لتتحول مرة أخرى إلى طلب فعال يحفز تأسيس مشروعات جديدة، وهو ما يطلق عليه مضاعف الاستثمار الذى يعد أحد العوامل الأساسية التى تنهض عليها أى دورة للنمو الاقتصادى السريع والمتواصل.
وهذا الحكم التاريخى هو أيضا إنتصار تاريخى لكل من يعملون بأجر ويصنعون الحياة والتقدم فى مصرنا العظيمة، أو لقوة العمل المصرية بمختلف مستوياتها المهارية، وهو انتصار لكل من سعوا إلى هذا الهدف بصورة حقوقية وعلمية وسلمية. وتزداد اهمية هذا الحكم التاريخى الذى يستحق من أصدروه من قضاة مصر العظيم كل التقدير على انتصارهم للقانون وللحق والعدل فى مناخ حكومى معاكس لهذه القيم النبيلة. ومن ضمن حيثيات هذا الحكم العظيم، أن مواد الدستور تنص على أن العمل حق وواجب وتنادى بربط الأجر بالإنتاج وضمان حد أدنى للأجور ووضع حد أعلى يكفل تقريب الفروق بين الدخول، وأكد على حق العمال فى أجر عادل يضمن حياة كريمة للعامل ولأسرته التى يعولها.
وبعد هذا الحكم التاريخى أصبح لزاما على الدولة أن تتخلى عن العناد ضد مواطنيها وضد قيم الحق والعدل، وعليها أن تنتصر للاعتبارات الحقوقية والاقتصادية وتبادر إلى وضع حد أدنى جديد للأجر له علاقة بتكاليف الحياة، وبالقيمة الحقيقية للأجور فى فترات سابقة، وبالتطور الذى حدث فى إنتاجية قوة العمل دون أن يواكبه تطور مواز فى الأجور، لأن العاملين فى الدولة وقطاعها العام وهيئاتها الاقتصادية بعد ان تسلحوا بالمعرفة بشان التدهور غير المنطقى وغير الأخلاقى فى أجورهم، وتسلحوا أيضا بحكم قضائى نزيه، لن يتراجعوا حتى يتم إقرار حد أدنى جديد للأجر يتسم بالعدالة ويرتبط بالتطور الكبير الذى حدث فى إنتاجية العامل. وبدلا من فتح الباب أمام التوتر والصدام بشان هذه القضية، فإن الحكماء فى الدولة لابد أن يدخلوا فى مفاوضات عاقلة وموضوعية مع ممثلى العمال الحقيقيين ومنظمات المجتمع المدنى التى تبنت هذه القضية، ومع الخبراء من كل الاتجاهات السياسية لوضع حد أدنى جديد للأجر بشكل سريع. وقبل عرض أية أفكار بشأن الحد الأدنى للأجر فى إطار النظام المتكامل للأجور الذى نطالب به، فإننا سنتعرض أولا لنظام الأجور الراهن الذى يشكل آلية للظلم الاجتماعى ولإفقار العاملين ولنشر الفساد والإفساد...
أولا: نظام الأجور الحالي..آلية للفساد والإفساد
فى أى نظرة لتطور الأجور لابد من التفريق بين الأجر الإسمى وهو عدد أوراق النقد التى يتلقاها الموظف أو العامل فى نهاية كل شهر، وبين الأجر الحقيقى المتمثل فى القدرة الشرائية لهذا الأجر الإسمي، أى قدرته على شراء السلع والخدمات. والتغير الذى يحدث فى الأجر الحقيقى هو المهم لأنه هو الذى يحدد هل يرتفع مستوى معيشة العامل أو الحد الأدنى للأجر الحقيقى أم لا. وقد حاولت الحكومات المتعاقبة فى غالبية البلدان التى لا تتوفر فيها نظم عادلة للأجور أن تصرف الإنتباه للتغير فى الأجور الإسمية مدعية أنها ترفع قيمة تلك الأجور، بينما يشعر العاملين وأسرهم أن أجورهم الحقيقية تتراجع، حيث تنخفض مستويات معيشتهم نتيجة ارتفاع أسعار السلع والخدمات بصورة تلتهم وتتجاوز أى زيادة فى الأجور الإسمية. ولذا فإن العاملين فى مصر من جهة، والدولة وأرباب العمل من جهة أخرى، عليهم أن ينظروا إلى التطور فى الأجر الحقيقى أى القدرة الشرائية للأجر، كمقياس حقيقى وموضوعى لتطور أو تدهور الأجور. وإذا تم ذلك سيكون التفاوض بشأن تغيير الحد الأدنى للأجر ونظام الأجور بأسره، أكثر يسرا وموضوعية.
وإذا نظرنا إلى تطور الحد الأدنى للأجر الإسمى والحقيقى سنجد أنه فى عام 1952 وبعد الانقلاب الثورى الذى تحول لثورة اجتماعية شاملة بعد ذلك، تم وضع حد أدنى للأجر 18 قرشا فى اليوم، وكانت تشترى نحو 1.5 كيلوجرام من اللحم فى الريف ونحو 1.2 كيلوجرام من اللحم فى المدن، وبفرض أن العامل يعمل 25 يوما فى الشهر، فإن الأجر الشهرى الحقيقى للعامل فى عام 1952 يعادل فى المتوسط، نحو 34 كيلوجرام من اللحم أى نحو 1700 جنيها من جنيهات الوقت الراهن إذا قيس بسلعة واحدة هى اللحم على سبيل التجريد.
وقد ارتفع الحد الأدنى للأجر الأساسى الإسمى للعامل فى القانون 47، 48 لسنة 1978، إلى 16 جنيها (دون إضافة ما فى حكم الأجر من حوافز وعمولات وبدلات ومكافآت وأرباح) وكانت تشترى فى ذلك الحين 320 كيلوجرام من الأرز (ثمن الكيلو 5 قروش) ثمنها حاليا 1000 جنيه، ولو أخذنا بالحد الأدنى للأجر الشامل، فإنه كان نحو 22 جنيها كانت تشترى نحو 440 كيلو أرز ثمنها نحو 1320 جنيها. كما كان ذلك الأجر الأساسى للعامل يشترى نحو 18 كيلوجرام من اللحم البلدى ثمنها حاليا نحو 900 جنيها، أما الأجر الشامل فكان يشترى نحو 24 كيلوجرام من اللحم البلدى تساوى نحو 1200 جنيه حاليا، أو ملابس لا تقل قيمتها عن 2000 جنيه، أو كمية من الذهب لا تقل قيمتها عن 2500 جنيه حاليا. ولو أخذنا قيمة وسيطة للقدرة الشرائية للأجر الأساسى عام 1978، فإنها ستبلغ نحو 1500 جنيه من جنيهات الوقت الراهن على الأقل، أما القدرة الشرائية للحد الأدنى للأجر الشامل فى عام 1978 فإنها توازى أكثر من 1900 جنيه من جنيهات الوقت الحالي.
ولو نظرنا لتطور مرتب خريج الجامعة لدى بداية عمله فى الجهاز الحكومي، سنجد أن هذا الراتب ارتفع من 17 جنيها شهريا فى بداية سبعينات القرن العشرين، إلى نحو 28 جنيها شهريا عام 1978، إلى نحو 200 جنيه شهريا فى الوقت الحالى وفقا للتصريحات الرسمية. ولو أخذنا سلع مثل اللحوم والأرز والذهب كنوع من التجريد لقياس القدرة الشرائية للأجر أى الأجر الحقيقي، سنجد أن مرتب خريج الجامعة عند بداية تعيينه عام 1970 كان يشترى 68 كيلو جراما من اللحم فى الريف (تساوى 3400 جنيه حاليا)، أو نحو 50 كيلوجراما فى الحضر (تساوى حاليا نحو 2500 جنيه)، وكان يشترى نحو 45 جراما من الذهب قيمتها الحالية قرابة ثمانية آلاف جنيه، وكان يشترى نحو 425 كيلوجراما من الأرز قيمتها الحالية نحو 1275 جنيه.
وفى عام 1978 بلغ الحد الأدنى للراتب الشامل لخريج الجامعة الذى يعمل فى الجهاز الحكومى أكثر من 28 جنيها، وكان يشترى 35 كيلوجرام من اللحم، أو 560 كيلوجرام من الأرز، ثم أصبح الآن يبلغ 200 جنيه شهريا، تشترى 4 (أربعة) كيلوجرامات من اللحم، أو نحو 65 كيلوجرام من الأرز، ولا تشترى أكثر من 5% مما كان من الممكن أن يشتريه الحد الأدنى لراتب خريج الجامعة عام 1978 من الذهب. وهذا يعنى بوضوح أن الدخل الحقيقى لخريجى الجامعة العاملين فى الجهاز الحكومى تعرض للانهيار ودفع بغالبيتهم إلى هوة الفقر إذا لم تكن لهم مصادر أخرى للدخل مشروعة أو غير مشروعة، وإذا لم يسافروا للعمل فى الخارج لفترات فى حياتهم فى ظل نظم أشبه بالعبودية المؤقتة تتعامل بها الدول العربية المستقبلة للعمالة مع العاملين العرب لديها فى ظل نظام "الكفيل" المعمول به فى بلدان الخليج (باستثناء البحرين مؤخرا) والسيئ السمعة دوليا وعربيا.
وعلى الصعيد الميدانى وبدراسة حالة عدد من الموظفين وتطور القدرة الشرائية لرواتبهم وجد أن القدرات الشرائية لرواتبهم تنهار رغم زيادتها الإسمية. وعلى سبيل المثال تم تعيين أحد خريجى الجامعة فى إحدى الوزارات عام 1977 براتب شامل بلغ 28 جنيها، كانت تشترى نحو 35 كيلوجرام من اللحم فى ذلك العام، أو 560 كيلوجرام من الأرز. وحصل هذا الموظف على تقارير امتياز بلا انقطاع، ثم أصبح مديرا عاما، ثم مدير إدارة وأصبح راتبه الشامل نحو 900 جنيه فى عام 2010، وهى تشترى نحو 18 كيلوجرام من اللحم، أو نحو 300 كيلوجرام من الأرز. أى أن راتبه الحقيقى بعد ثلاثين عاما من العمل والكد وخدمة الدولة والمجتمع، قد انهار وأصبح قرابة نصف راتبه الحقيقى عند بداية تعيينه، وهو أمر أسطورى فى عبثيته فى بلد يرتفع فيه الناتج ومتوسط نصيب الفرد منه، لكن توزيع الدخل فيه يسوء بشكل مطرد بسبب النظم المختلفة لتوزيع الدخل وإعادة توزيعه وعلى رأسها نظام الأجور.
والسبب الواضح لهذا التدهور فى الرواتب والأجور الحقيقية، هو ارتفاع أسعار السلع والخدمات بمعدلات أعلى كثيرا من معدلات ارتفاع الرواتب والأجور، فضلا عن أن نسبة ارتفاع الأجور هى نسبة من الأجر الأساسى الذى لا تشكل مخصصاته سوى أقل من 20% من مخصصات الأجور وما فى حكمها للعاملين فى الدولة، بينما تطبق ارتفاعات الأسعار على مجمل استهلاك العامل وأسرته من السلع والخدمات. والحقيقة أن تدهور الأجور الحقيقية للعاملين هو نتيجة مرة لغياب سياسة أجور علمية وعملية وأخلاقية فى مصر منذ تخلى الدولة عن سياسة تسعير السلع بعد أن اتجهت إلى تحرير الاقتصاد، دون أن يترافق مع هذا التحرير، سياسة أجور مماثلة لتلك التى تعمل بها الاقتصادات الحرة، تقوم على زيادة سنوية فى الحد الأدنى للأجر للعاملين الجدد بنسبة تزيد على معدل التضخم الحقيقي، مع زيادة أجور العاملين القدامى بنسبة مركبة تعادل معدل التضخم الحقيقى مضافاً إليه نسبة أخرى كمقابل للخبرة والأقدمية، ونسبة خاصة للمتميزين فعليا كمقابل للتميز والابتكار فى العمل.
وتجدر الإشارة إلى أن غالبية الحكومات فى البلدان النامية وضمنها مصر تعمد إلى تقليل معدل ارتفاع أسعار المستهلكين المعلن (مؤشر معدل التضخم) من خلال التدخل غير العلمى فى السلة السلعية والخدمية التى يحتسب على أساسها هذا المعدل. وهذا التقليل المتعمد لمعدل التضخم، يؤدى إلى تفاقم تدهور الرواتب والأجور الحقيقية، لأنه يقدم صورة غير حقيقية عن حركة الأسعار، بحيث تبدو الحركة البطيئة للأجور والرواتب متناسبة معها بصورة زائفة.
وفضلاً عن ضعف مخصصات الأجور، فإن توزيع الأجور وما فى حكمها على العاملين فى الدولة، يتسم بعدم عدالة مروع، فمقابل التدنى الشديد للحد الأدنى للأجر والذى يبلغ 35 جنيها تم إقرارها عام 1984 ولم تزد قانونيا حتى الآن وترتفع إلى 112 جنيها لاعتبارات تأمينية ولضم بعض العلاوات، هناك قلة من القيادات الإدارية تحصل على دخول أسطورية من البدلات والعمولات والحوافز و"المصاريف" والأرباح والمكافآت وتصل بالدخول الرسمية الشاملة والامتيازات الخاصة لبعض القيادات الإدارية والأمنية والسياسية إلى مئات الآلاف من الجنيهات شهريا، بل إن هناك البعض ممن دخلوا فى الرواتب المليونية شهريا، علما بأن الرئيس الأمريكى وهو أكبر موظف عام فى العالم يتلقى راتبا يبلغ نحو 180 ألف جنيه شهريا، وهو ما يجعله فقيرا بالمقارنة مع بعض القيادات الإدارية والسياسية والأمنية فى مصر. ولا توجد عمليا، أية علاقة بين أقصى دخل وأقل دخل شامل فى الجهاز الحكومى والقطاع العام والهيئات الاقتصادية، رغم أن كل نظم الأجور المحترمة تقيم مثل هذه العلاقة كأن يكون أعلى أجر شامل (الأجر الشامل هو الأجر الأساسى وما فى حكم الأجر من بدلات وعمولات ومكافآت وحوافز وأرباح) لا يزيد عن 15 ضعف أقل أجر شامل. ولو طبقت الدولة مثل هذه القاعدة فإنها يمكن أن تصلح نظام الرواتب دون إضافة الكثير من الاعتمادات لمخصصات الأجور فى الموازنة العامة للدولة. وهذا الأمر مرتبط بشكل وثيق بروح الدستور الذى ينص على وضع حد أدنى للأجور ووضع حد اعلى لها بما يكفل تقريب الفروق بين الدخول.
أما الأمر الأسطورى حقا فى عبثيته فهو وجود تفاوت مروع بين أجور الذين يقومون بعمل واحد بنفس الكفاءة ويحملون مؤهلاً علمياً واحداً وسنوات خبرة واحدة، وفقا للوزارة أو الجهة التى يعملون بها، فالأجر الشامل للمحاسب فى وزارة الضمان الاجتماعي، يقل كثيرا عن نظيره فى وزارة المالية، ويقل عن عشر نظيره فى الهيئة العامة للبترول أو فى هيئة قناة السويس وغيرها من المؤسسات. ويبدو الأمر "طريفاً" إلى حد بعيد، فالعاملين بالدولة الذين تمر من أمامهم أموال كثيرة، يحصلون على حصة منها، ليس مقابل عمل متميز عن نظرائهم فى الوزارات الأخرى، ولكن لأنهم وُجدوا فى هذا المكان الذى تمر خلاله الأموال، وليس هناك ما هو أعجب من هذا "المنطق" الخالى من أى منطق، والذى ينتج الفروق والاحتقانات حتى داخل المؤسسة الواحدة بين الإدارات التى يتم من خلالها تحصيل إيرادات المؤسسة مثل قطاع الإعلانات فى الصحف الذى يحصل على حصة الأسد من مخصصات الأجور وما فى حكمها، وبين الصحفيين الصانعين الأصليين للصحيفة وتوزيعها والذين هم السبب الرئيسى لحصولها على الجانب الأعظم من الإعلانات التى ترد إليها بصورة مرتبطة مع عدد قرائها، ورغم ذلك يحصلون على حصة محدودة من مخصصات الأجور وما فى حكمها.
وينبغى أن يكون واضحا أن الأموال التى تدخل كإيرادات فى قطاع البترول أو قناة السويس أو الضرائب، هى مال عام ناتج عن حقوق عامة فى الموارد الطبيعية من نفط أو غاز، وفى الإيرادات السيادية وفى إيرادات المشروعات العامة القديمة مثل قناة السويس، وليست ملكا لتلك الجهة تنفق منه رواتب وحوافز وأرباح وبدلات كيفما شاءت، وتنشيء فرق لكرة القدم وتشترى لاعبين مصريين وأجانب بملايين الجنيهات من الأموال العامة المستحقة للشعب، بلا أى مبرر سوى استكمال الوجاهة وفتح باب للتربح من هذه الأنشطة غير الضرورية وغير المفيدة للأمة. وينبغى أن تكون الأجور فى تلك الهيئات مماثلة للأجور التى تدفع للقائمين بنفس الوظائف فى مختلف أجهزة الدولة.
وإذا كان لمصر أن تصلح نظام الأجور للعاملين فى الدولة لجعله محفزا للعاملين على العمل والكد والإخلاص والابتكار، فإن الأمر يتطلب ببساطة، وضع حد أدنى جديد للأجر يرتبط بتكاليف المعيشة، وهو الحد الذى وصلت المناقشات الأولية بشأنه فى المجلس القومى للأجور إلى تحديد مبلغ 400 جنيه كحد أدنى للأجر الشهري، بينما طالب اتحاد العمال بحد أدنى يبلغ 600 جنيه فى الشهر، وذلك فى عام 2007. ومع تسجيل معدل تضخم بلغ 20.2% فى العام المالى 2007/2008، وتسجيل معدل بلغ نحو 9.9% فى العام المالى 2008/2009، وفقا للبيانات الحكومية المصرية، فإن الحد الأدنى للأجر وفقا لحسابات المجلس القومى للأجور، يجب أن يكون فى العام الحالى نحو 530 جنيها، وأن يكون نحو 800 جنيه وفقا لحسابات اتحاد العمال.
وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة تشكو دائما عدم وجود موارد لتمويل تغيير نظام الأجور الفاسد القائم حاليا، لأن رفع الحد الأدنى للأجر سيؤدى لإشعال التضخم. وهذا المبرر غير علمى وغير منطقى لأن الحد الأدنى للأجر يرتبط بعدة أمور، ليس من بينها الهلع من حدوث تضخم الذى يعكس حالة من تدنى الكفاءة من جهة، وتغليف التوجه الأيديولوجى المتشدد المنحاز للطبقة الرأسمالية الذى يريد ان يسهل لها استغلال العمال ذوى الياقات الزرقاء وذوى الياقات البيضاء بأقل الأجور من جهة اخرى.
وتتركز العوامل المحددة للحد الأدنى للأجر فى التكاليف الضرورية لإعاشة العامل والمتمثلة فى تكاليف المأكل والمشرب والملبس والمسكن والمواصلات والاتصالات وتدبير نفقات الزواج وغيرها من النفقات، أو ضرورات إعادة إنتاج عنصر العمل. ورغم أن إنتاجية العامل تتحدد بصورة أساسية بناء على مدى تطور الآلات التى يعمل عليها والنظام الإدارى الذى يعمل فى إطاره، إلا أن إنتاجية العامل، تشكل بدورها أحد العوامل المساعدة فى تحديد الحد الأدنى للأجر باعتبار أن هذا الأجر هو الحصة التى يحصل عليها العامل من القيمة المضافة أو فائض القيمة الذى خلقه والذى يتفق الاقتصاديون المؤسسون لعلم الاقتصاد مثل ماركس وريكاردو على أنه يعود لعنصر العمل رغم اختلاف التوجه الأيديولوجى لهما، فالأول هو مؤسس النظرية الماركسية، والثانى هو أحد أعظم منظرى الاقتصاد الرأسمالى وهو أحد الآباء المؤسسين لعلم الاقتصاد، لكنهما يتفقان فى هذا الشأن.
ولأن شعب مصر كله يحلم برفع الظلم الذى ينطوى عليه نظام الأجور، وبناء نظام جديد قائم على أسس علمية وموضوعية ويتمتع بحد أدنى من الاعتبارات الأخلاقية، فإننا سنطرح تصورنا لكيفية رفع الأجور دون حدوث التضخم الذى تخيف به الحكومة ووزير ماليتها، المجتمع والنخبة الثقافية والسياسية وتعرقل أى مسعى لتغيير نظام الأجور الراهن الفاسد كلية والذى يقوم على حد أدنى للأجر لا يكفى لإطعام قطة ولا علاقة له بتكاليف المعيشة أو بإنتاجية العامل، والمفسد لأنه يضطر العاملين إلى استكمال ضرورات حياتهم من خلال التكاسل فى العمل لتوفير الجهد والقيام بأعمال أخرى فى القطاع الخاص الرسمى وغير الرسمي، أو يزين لمن لهم علاقة مباشرة مع الجمهور أن يحصلوا على رشاوى صغيرة للقيام بالأعمال العادية التى هى حق لذلك الجمهور، أو يدفع اليعض للتحايل بكل السبل لنهب المال العام بمستويات صغيرة أو متوسطة أو كبيرة، أو يدفع البعض للخروج للعمل فى الخارج فى ظل نظم غير أخلاقية مثل نظام الكفيل فى بلدان الخليج، أو يلقى بمن لا يقومون بأى من هذه الأمور فى هوة الفقر والانسحاق والاكتئاب هم وأسرهم إذا لم يكن لديهم إرث أو مصدر آخر للدخل.
لكن قبل طرح هذه الآليات لابد من التأكيد على أن أى تغيير فى نظام الأجور الراهن، نحو نظام أكثر عدالة وعقلانية، لابد أن يترافق مع إحداث ثورة فى أداء الجهاز الحكومى الراهن وفى تطبيق آليات الثواب والعقاب فيه بصورة صارمة وفى مراقبة أدائه للخدمات للمواطنين لضمان الجودة والسرعة فى أداء تلك الخدمات، ولضمان التزام العاملين فيه بأوقات العمل وبعدم استخدامها إطلاقا فى أى شيء آخر. ويمكن استحداث نظام يوجد نظير له فى الكثير من البلدان، وهو إعطاء ساعة راحة لكل العاملين لتناول الطعام والمشروبات والصلاة، مع إضافة ساعة لوقت العمل الذى ينبغى أن ُيحترم وُيكرس للعمل فقط، لأن النظام الحالى وهو إهدار اكثر من ساعة من وقت العمل فى هذه الأمور، هو أمر مرتبط بالترهل الإدارى وبسلوكيات التهرب غير الأخلاقى من القيام بالعمل دون الاهتمام بما يؤدى إليه ذلك من تعطيل مصالح المواطنين. كما أن موظفى الجهاز الحكومى لابد أن يمروا بتدريب تحويلى لإعادة هيكلة هذا الجهاز الذى يتضمن مستويات كبيرة من البطالة المقنعة التى ستتزايد بصورة مروعة لدى أى تحديث تقنى له، بما يتطلب وقف أى زيادة فى تعداد هذا الجهاز من جهة، وتحويل جزء من العاملين فيه إلى قطاعات عامة اخرى كلما كان ذلك ممكنا.
ثانيا: الناتج المحلى ونصيب الفرد منه وإنتاجية العامل فى مصر
قبل تناول الحد الأدنى للأجر الذى نقترحه كمطلب متواضع للغاية ويقل فى قيمته الحقيقية عن الحد الأدنى للأجر الحقيقى فى فترات سابقة، وقبل تناول نظام الأجور فى مجمله وكيفية تمويل تطويره، لابد من الإشارة إلى أن الناتج المحلى الإجمالى المصري، بلغ وفقا لبيانات البنك المركزى المصري، نحو 1038.6 مليار جنيه فى العام المالى 2008/ 2009، وبلغ عدد السكان نحو 80 مليون نسمة، بما يعنى أن متوسط نصيب الفرد فى مصر من هذا الناتج، قد بلغ نحو 12982 جنيها فى السنة أى نحو 1082 جنيه شهريا للفرد، ويعنى أيضا أن متوسط نصيب الأسرة المكونة من أربعة أفراد من الدخل قد بلغ 4328 جنيه شهريا. كما بلغ متوسط إنتاجية العامل فى العام المالى نفسه، نحو 41711 جنيه (7584 دولار) فى العام أو نحو 3276 جنيه شهريا، وهو ما يعنى أن رفع الأجور المستهدف لن يتم من خلال الاستعانة بموارد إضافية فى القطاع العام أو الخاص، بل بإعطاء العاملين حقوقهم فى القيمة المضافة التى أنتجوها.
وكان متوسط أجر العامل فى قطاع الصناعة التحويلية فى مصر قد بلغ 2210 دولار فى العام خلال الفترة من عام 1980 إلى عام 1984، فى وقت كانت القيمة المضافة لكل عامل فى تلك الصناعة، نحو 3691 دولار. (راجع: World Bank, World Development Indicators 2006, p. 66.). أى أن الأجر كان يوازى نحو 60% من إنتاجية العامل فى الصناعة التحويلية. ووفقا لهذا المنهج فى توزيع القيمة المضافة، فإن متوسط أجر العامل من المفترض أن يكون نحو 25 ألف جنيه فى العام، فى حين أن متوسط أجر العاملين فى الجهاز الحكومى لا يزيد عن 16.6 ألف جنيه للفرد فى السنة فى مشروع الموازنة العامة للعام 2010/2011، فضلا عن الخلل الرهيب فى توزيع تلك المخصصات بصورة تجعل الغالبية الساحقة أدنى من هذا المتوسط بكثير، وتجعل أقلية صغيرة تحصل على دخول عالية أو أسطورية لا يمكن تبريرها اقتصاديا أو حقوقيا أو أخلاقيا. وهذا التغير يعكس التدهور الشديد فى عدالة توزيع الدخل بين العاملين وبين أرباب العمل بمن فيهم الدولة التى من المفترض أن تكون قدوة لمواطنيها وللقطاع الخاص فيما يتعلق بحقوق العاملين والحد الأدنى الأجر الذى من المفترض أن يحصلوا عليه وأن يكفى لحياة كريمة، وهو ما ينقلنا لطرح الحد الأدنى للأجر الذى نطالب به، وأيضا الملامح الأساسية لنظام الأجر العادل والمحفز للعمل والابتكار الذى نطالب به....
ثالثا: الحد الأدنى للأجر ونظام الأجور الذى يطالب العاملون بتطبيقه
من الصعب الحديث عن تغيير الحد الأدنى للأجر، دون أن يكون ذلك فى إطار تغيير شامل لنظام الأجور الفاسد والمُفسد كما أوضحنا من قبل، وفيما يلى مطلبنا بشأن تغيير الحد الأدنى للأجر ونظام الأجور برمته...
1- الحد الأدنى للأجر لابد أن يكون كافيا لتحقيق حياة كريمة للعامل من خلال قدرته على مواجهة احتياجاته من مأكل وملبس ومسكن وانتقالات وإنفاق صحي، وأن يتغير هذا الحد الأدنى تلقائيا كل عام بنفس نسبة معدل التضخم المعلن رسميا، حتى لا تتراجع قيمته الحقيقية أو قدرته على شراء السلع والخدمات. وأن تتم مراجعة الحد الأدنى للأجر كل ثلاث سنوات لمعالجة الآثار المحتملة لارتفاع الأسعار بأكثر من معدلات التضخم المعلنة رسميا التى يتم رفع الحد الأدنى للأجور على أساسها سنويا. وحتى يكفى الحد الأدنى للأجر الأساسى للعامل لحياة كريمة، فإنه ينبغى أن يكون فى حدود 1200 جنيه شهريا فى الوقت الحالي، علما بأن إيجار سكن متواضع يزيد على 300 جنيه شهريا (إيجار الشقة الصغيرة 63 متر فى مساكن مبارك للشباب فى المدن الجديدة يبدأ من 300 جنيه حاليا، أما امتلاكها بقسط يصل إلى 700 جنيه شهريا فإنه أمر بعيد المنال بالنسبة للعمال فى ظل مستويات الدخول الراهنة)، ومأكل متقشف تزيد تكاليفه على 300 جنيه شهريا بواقع 10 جنيهات يوميا، وملبس يمكن تقدير تكاليفه بنحو 100 جنيه شهريا، وانتقالات تبلغ تكلفتها 200 جنيه شهريا، والباقى نثريات أو مدخرات صغيرة لتدبير متطلبات الزواج الذى من المنطقى أن يستعد له العامل بعد استلام عمله. ومع تدرج راتب العامل وفقا لأقدميته فإنه يصبح بالكاد كافيا لإعالة أسرته بعد تكوينها فى ظل معدل الإعالة البالغ 3.51 فرد لكل شخص يعمل، بدلا من الوضع الحالى الذى يعيش فيه العاملون الجدد ومن يعولونهم تحت خط الفقر المدقع (أقل من 1.25 دولار للفرد فى اليوم). وقد أشرنا فى موضع سابق للحد الأدنى للأجر وقدرته الشرائية فى أوقات سابقة وكلها أعلى من المطلب الذى نتقدم به (1200 جنيه كحد أدنى للأجر)، والذى يشكل تدنيه نوعا من العقاب للذات لأننا كعاملين عموما من عمال ومهنيين قصرنا لزمن طويل فى المطالبة بحقوقنا فى أجر عادل وتركنا الحكومة وأرباب العمل يجورون على حقوقنا لوقت طويل، انتهى إلى غير رجعة فى ظل إدراك وإيمان كل العاملين فى مصر بحقهم فى أجر عادل، وإيمان القضاء المصرى العظيم كسلطة تعبر عن ضمير الأمة وروح الدستور والقانون بعدالة هذا المطلب. والمنطقى أن تتحسن مستويات المعيشة الحقيقية وقدرة الأجر على شراء السلع والخدمات. لكن حتى لو قبلنا بثبات هذه القدرة عند مستواها عام 1978 أو حتى أقل منه، فإن هذا يتطلب زيادة الحد الأدنى للأجر الأساسى للعامل إلى مستوى 1200 جنيه شهريا على الأقل، علما بان متوسط إنتاجية العامل وفقا للبيانات الرسمية بلغ نحو 3276 جنيه شهريا كما أشرنا آنفا، ويمكن زيادتها كثيرا من خلال تطوير الإدارة والآلات والمعدات والأجهزة فى الجهاز الحكومى والقطاع العام والهيئات الاقتصادية العامة وأيضا فى القطاع الخاص.
2- يتم عمل تسوية لمرتبات العمال القدامى على أساس الحد الأدنى الجديد بزيادة 5% عن كل عام من الأقدمية بحد أقصى 50 جنيها سنويا. وتتم زيادة معاشات العمال المحالين للمعاش بنسبة موازية للنسبة التى ارتفعت بها الأجور، ويتم تمويل الزيادة من الموازنة العامة للدولة ضمن خطة شاملة لاستعادة فوائد أموال التأمينات من الحكومة بعد أن ظلت لسنوات طويلة لا تدفع عنها سوى فوائد ضئيلة للغاية نسبتها 2%، ثم 4%، ثم 6% فى وقت كانت أسعار الفائدة تتراوح خلاله بين 12%، و 18%.
3- يرتفع الأجر الأساسى للعامل سنويا بنسبة 7% كمقابل للخبرة والأقدمية، يضاف إليها نسبة تعادل معدل التضخم المعلن رسميا، دون أن توضع أى حدود قصوى لقيمة الزيادة فى الأجور الأساسية بناء على هذه النسب.
4- وضع سقف للدخول الشاملة (الأجر الأساسى مضافا إليه كل البدلات والعمولات والحوافز والأرباح والمكافآت) لكل العاملين والموظفين فى القطاع العام والهيئات الاقتصادية والجهاز الحكومي، بحيث لا يتجاوز أعلى دخل شامل لأى مستوى وظيفي(خمسة عشر ضعفا) 15 ضعف الحد الأدنى للأجر الشامل للعامل فى الدولة، وهو ما سيوفر الكثير من الأموال التى كانت تذهب بشكل غير عادل لفئة محدودة من القيادات العليا، بحيث يمكن استخدامها فى إصلاح نظام الأجور عموما.
5- يكون الأجر الأساسى للعامل هو أساس دخله من العمل، ولا تزيد الدخول الإضافية من بدلات وحوافز وعمولات ومكافآت شهرية عن 100% من هذا الراتب الأساسي.
6- توحيد الأجور الأساسية فى الجهاز الحكومى والهيئات الاقتصادية والقطاع العام وفقا للتوصيف الوظيفي، بدلا من التفاوت الرهيب وغير العادل فى دخول العاملين فى مهنة واحدة حسب الجهة الحكومية التى تقوم بتشغيلهم. وينبغى أن يكون واضحا أن الأموال التى تدخل كإيرادات فى قطاع البترول أو قناة السويس أو الضرائب، هى مال عام ناتج عن حقوق عامة فى الموارد الطبيعية من نفط أو غاز، وفى الإيرادات السيادية وفى إيرادات المشروعات العامة القديمة مثل قناة السويس، وليست ملكا لتلك الجهة تنفق منها رواتب وحوافز وأرباح وبدلات كيفما شاءت، بل ينبغى أن تكون الأجور فيها مماثلة أو قريبة من الأجور التى تدفع للقائمين بنفس الوظائف فى مختلف أجهزة الدولة. ومن المؤكد أن توحيد الأجور الأساسية وفقا للتوصيف الوظيفى فى الجهاز الحكومى والهيئات الاقتصادية والقطاع العام، سوف يوفر الكثير من الأموال التى يمكن أن تستخدم فى تمويل إصلاح نظام الأجور عامة.
رابعا: كيف تمول الدولة رفع الحد الأدنى وتغيير نظام الأجور بلا تضخم
نظرا لأن الحكومة تعلل منذ سنوات طويلة بعدم توفر التمويل لتغيير الحد الأدنى للأجر، فإنه من المفيد للجميع أن نطرح المداخل الرئيسية لتوفير التمويل الضرورى لرفع الحد الأدنى للأجر بدون تضخم، علما بأنه طالما أن هذا التمويل سيتم بالأساس من خلال عمليات إعادة توزيع للدخل، ولن يتطلب أى إفراط فى الإصدار نقدى الجديد، وطالما توفرت آليات لحماية المستهلك ولمنع الارتفاعات غير المنطقية فى أسعار السلع والخدمات، فإن رفع الحد الأدنى للأجر وتغيير نظام الأجور كلية لن يؤدى إلى اشتعال التضخم، ويمكن تركيز الآليات الرئيسية لتمويل رفع الحد الأدنى للأجر وتغيير نظام الأجور كلية على النحو التالي....
• تحقيق العدالة فى توزيع مخصصات الأجور وما فى حكمها بين العاملين فى الجهاز الحكومى والقطاع العام والهيئات الاقتصادية العامة، من خلال ربط الحد الأدنى للأجر الشامل، بالحد الأقصى. وإذا كانت اعتبارات العدالة تقتضى ألا يزيد أعلى أجر شامل من مختلف الجهات العامة، عن عشرة أضعاف أدنى أجر شامل، فإنه كمرحلة انتقالية من الوضع الفاسد بصورة مروعة والموجود حاليا، يمكن قبول أن يكون أعلى أجر شامل 15 ضعف أدنى أجر شامل. ولو تم الأخذ بهذه القاعدة سيتم توفير عدة مليارات من الجنيهات يمكن توظيفها فى رفع الحد الأدنى للأجر بصورة تساعد على تحقيق العدالة التى تشكل أساسا للسلام الاجتماعى وآلية رئيسية للدفاع الاجتماعى الحقيقي، وعاملاً أساسياً فى تحفيز العاملين على العمل بجد واجتهاد.
• تطوير أداء القطاع العام والهيئات الاقتصادية ووضع ضوابط صارمة لمنع الفساد فيها، وإخضاعها لرقابة صارمة من العاملين وجمعيتهم العمومية ومجلس إدارتهم المنتخب ونقاباتهم، وايضا من المجالس الشعبية والأجهزة الرقابية، حتى يتحسن الأداء ويكون هناك فائض محول منها إلى الموازنة العامة للدولة يمكن استخدامه فى تمويل نظام الأجور الجديد بناء على تحسن قوى فى الإنتاج والإنتاجية.
• الجدية فى تحصيل الضرائب من كبار الرأسماليين وشركاتهم، حيث أن هناك عشرات المليارات من الجنيهات من المتأخرات الضريبية المستحقة عليهم للدولة، إضافة إلى عمليات تساهل وتغاضى عن تحصيل الجانب الأكبر من الضرائب المستحقة على كبار العملاء الذين لا يدفعون سوى معدلات ضريبية تقل عن 5% فى المتوسط بدلا من 20% التى فرضها القانون، وذلك من خلال الوثائق المنشورة فى كتاب حديث صدر بعنوان العدالة الضريبية، عن المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، علما بأن العاملين بأجر فى القطاع الخاص والعام والهيئات الاقتصادية والجهاز الحكومى يتم اقتطاع الضرائب منهم من المنبع، ليصبح الموظفون هم الدافع الرئيسى للضرائب وليس كبار الرأسماليين الأثرياء.
• تعديل قانون الضرائب الحالى لمراعاة قاعدة التصاعد وتعدد الشرائح الضريبية بصورة متناسبة مع المستويات المختلفة من الدخول، كأسس راسخة ومتعارف عليها للعدالة الضريبية فى البلدان الرأسمالية، بدلا من القانون الفاسد الحالى الذى يساوى بين كبار الرأسماليين الأثرياء وبين الطبقة الوسطى فى معدل الضريبة عند مستوى 20% على كل الدخول التى تزيد عن 40 ألف جنيه فى السنة ويظل ثابتا حتى لو وصل دخل الفرد أو ربح الشركة إلى عدة مليارات فى العام. ولا يمكن التعلل فى تخفيض الضرائب على الشريحة العليا بأن ذلك ضرورى لاستنهاض الاستثمارات المحلية وجذب الاستثمارات الأجنبية، لأن الدول الرأسمالية النامية والمتقدمة المعنية بتحقيق نفس الهدف، لديها نظم ضريبية أكثر اعتدالا من النظام الضريبى الفاسد المعمول به فى مصر. ووفقا لبيانات البنك الدولى فى تقريره عن مؤشرات التنمية فى العالم (2009)، فإن معدل الضريبة على الشريحة العليا للدخل للأفراد خلال الفترة من من عام 2006 إلى عام 2008، بلغ 59% فى الدانمرك، و 52% فى هولندا، 50% فى بلجيكا والنمسا، و 45% فى كل من أستراليا وألمانيا والصين وكرواتيا، و 42% فى البرتغال، و 41% فى سلوفينيا، و40% فى كل من شيلى وبولندا وبريطانيا وجمهورية جنوب إفريقيا وفيتنام، و 37% فى تايلاند، و36% فى المجر، و 35% فى كل من الولايات المتحدة والأرجنتين وإيران وتركيا وإندونيسيا وباكستان وكوريا الجنوبية، و34% فى فنزويلا.
• فرض ضريبة صغيرة فى حدود 0.5% على التعاملات فى البورصة كما تفعل غالبية البورصات فى العالم. وهذه الضريبة الصغيرة ستوفر نحو 5 مليارات جنيه. وستكون فى مصلحة البورصة والمتعاملين فيها لأنها ستؤدى إلى تهدئة سخونة المضاربات وإلى تقليل ما ينزحه الأجانب من أموال من مصر من خلال نشاط طفيلى هو المضاربة التى يسهلها عدم وجود ضرائب على التعاملات. كذلك فإن هناك ضرورة لفرض ضريبة على أرباح المتعاملين فى البورصة فى نهاية كل عام حيث تتم تسوية المركز المالى للمتعاملين لبيان الخسارة أو الربح، ليدفعوا على صافى أرباحهم ضريبة نسبتها 20% على غرار الضرائب التى يدفعها المستثمرين أصحاب المشروعات التجارية والصناعية، وفرض ضريبة مماثلة على تحويل المستثمرين الأجانب لرباحهم التى حققوها فى البورصة إلى الخارج.
• إلغاء الدعم المقدم لشركات الأسمنت والأسمدة والحديد فى صورة دعم الغاز والمازوت والسولار والكهرباء التى تستهلكها تلك الشركات. وإلغاء الدعم المماثل الذى تحصل عليه أية شركات أخرى تبيع إنتاجها بالأسعار العالمية، لأنها تحقق أرباحا احتكارية استغلالية ولا يوجد مبرر اخلاقى أو اقتصادى لإعطائها الثروة الطبيعية النفطية أو الغازية المملوكة لكل أبناء مصر بالتساوى بأسعار منخفضة وهى تبيع لهم منتجاتها بالأسعار العالمية أو بأعلى منها فى الكثير من الحالات. وهذا الإجراء يمكن أن يوفر ما لا يقل عن 20 مليار جنيه، يمكنها أن تمول جانبا رئيسيا من متطلبات رفع الحد الأدنى للأجر وتغيير نظام الأجور كلية. وكان دعم المواد البترولية وحده قد بلغ وفقا للبيانات الرسمية، نحو 58.6 مليار جنيه عام 2008/2009، وانخفض إلى 33.7 مليار جنيه فى موازنة عام 2009/2010، لكنه سيعاود الارتفاع فى العام المالى 2010/2011 فى ظل صعود اسعار النفط.
• تعديل اتفاقيات تصدير الغاز للدول الأخرى لوضع أسعار عادلة للثروة الطبيعية المملوكة لكل أبناء الشعب بالتساوي. ولو وضعت أسعار عادلة للغاز المصدر لإسرائيل وأسبانيا، فإن ذلك سيضيف قرابة 15 مليار جنيه كإيرادات للموازنة العامة فى السنة قابلة للتصاعد مع تزايد أسعار الغاز، وهى أموال تذهب لدعم إسرائيل وأسبانيا، وإحداهما دولة معادية ودخل الفرد فيها أكثر من 11 ضعف دخل الفرد فى مصر، والثانية دولة شديدة الثراء ونصيب الفرد فيها من الدخل يبلغ 19 ضعف نظيره فى مصر.
• مضاعفة الضرائب على محاجر الأسمنت، لأن الضريبة التى فرضت أخيرا على هذه الشركات، ما تزال ضريبة صغيرة للغاية بالمقارنة مع الأرباح الاحتكارية الضخمة التى تحققها شركات الأسمنت المملوكة فى غالبيتها الساحقة للأجانب. ولو تم فرض ضريبة قيمتها مائة وخمسون جنيها على الأقل عن كل طن (150 جنيها) فى ظل حقيقة أن التكلفة الراهنة للطن قبل فرض هذه الضريبة تقل عن 210 جنيهات بينما تبيعه الشركات الأجنبية بنحو 550 جنيها محققة أرباحا احتكارية استغلالية دون ان يتم ردعها، فإن حصيلة هذه الضريبة ستكون فى حدود 5.5 مليار جنيه فى العام.
• مكافحة الغلاء غير المنطقى وأسبابه المختلفة وعلى رأسها الاحتكار الإنتاجى واحتكار الاستيراد، والعمل على تعزيز حماية المستهلكين وأجورهم الحقيقية من خلال توفير الحكومة للسلع المحلية والمستوردة فى مجمعات حكومية تدار بشكل كفء ونزيه وتخضع لرقابة شعبية عامة ومحلية صارمة، وتبيع السلع بأسعار معتدلة، بعيدا عن الأسعار الاستغلالية التى يفرضها المحتكرون فى مجال الإنتاج والتجارة، بما يضمن أن أى زيادة فى الأجور الإسمية سوف تؤدى إلى زيادة فى الأجور الحقيقية وفى مستويات معيشة العاملين.
• بالنسبة للعاملين فى القطاع الخاص، فإن الإلتزام بالحد الأدنى الجديد للأجر وبتسوية أوضاع العاملين القدامى، سوف يجبر أرباب العمل من الرأسماليين على القبول بمعدلات ربح معتدلة، لكنه لن يعرضهم لأى خسارة، وهو لن يمثل أزمة حقيقية لمن يريد العمل على أساس علاقات عمل عادلة وأخلاقية. وهذا الإلتزام بالنظام الجديد للأجر سيشكل آلية لتحسين توزيع القيمة المضافة فى العملية الإنتاجية بين العاملين وأرباب العمل، بكل تأثيراتها الإيجابية على الطلب الفعال وعلى حوافز النمو الاقتصادى المتواصل فى الاقتصاد. وبدلا من تضخم ثروات البعض لتصل إلى المليارات وعشرات المليارات، فى وقت يعانى فيه العاملين لديهم الذين أداروا عجلة الإنتاج وخلقوا تلك الثروات من شظف العيش، فإن الإلتزام بنظام الأجور الجديد فى القطاع الخاص سيحقق درجة من العدالة تتوافق مع روح الدستور ومع ضرورات الدفاع الاجتماعى والسلام والاستقرار فى المجتمع.
وعندما يكون إصلاح نظام الأجور قائما على تعديل توزيع القيمة المضافة بين العاملين وأرباب العمل من خلال نظام الأجور ونظم الضرائب، وتعديل توزيع مخصصات الأجور وما فى حكمها بين العاملين، فإن هذا الإصلاح لن يضيف أى قوة تضخمية للاقتصاد، طالما لم يتم التمويل من خلال إصدار المزيد من أوراق النقد لتمويل هذا الإصلاح. وستكون الاختيارات المتعلقة بتمويل إصلاح نظام الأجور تعبيرا عن طبيعة موقف الحكومة من قيمة العدالة ومن حقوق العاملين من جهة وموقفها من الطبقة العليا والمحتكرين والنشاطات الطفيلية من جهة أخرى، وموقفها من الضرورات الفعلية لتنشيط الطلب الفعال وحفز الاستثمار والنمو الحقيقى فى الاقتصاد كأساس لرفع مستويات معيشة المواطنين فى ظل آليات فعالة لتوزيع الدخل بصورة عادلة يأتى فى مقدمتها نظام عادل للأجور.
مع خالص تقديرى وإلى الأمام دائما لكل العاملين فى بلدنا العظيم الذى نفخر بالانتماء إليه والذى سيحقق تقدمه وانطلاقه للأمام بسواعد وعقول أبنائه من خلال العمل والعمل والعدل كقيم عظمى غيرت مصائر الأمم وصنعت مستقبلها
دراسة تقارن الأجور فى مصر وتطرح تمويل الحد الأدنى
الإثنين، 05 أبريل 2010 03:02 م
مقارنة بين الحد الأدنى الاسمى والحقيقى لإظهار التطور الحقيقى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة