عندما ذهب النحاس لمقابلة الملك بعد توليه الوزارة سنة 1950 انحنى وحاول تقبيل يد الملك الذى سحب يده بسرعة لهول المفاجئة وكان هذا إيذانا بتحول جذرى فى توجهات الوفد من حزب ممثل للجماهير إلى حزب ممالئ للملك.
أما الآن فنحن أمام مواجهة بين نظامين واحد تكون ابتداء من 1952 وهو نظام الحزب الواحد المسيطر على مؤسسات القوة والدولة والذى هو فى نفس الوقت بحسابات السياسة هو ليس حزبا بالمعنى الحقيقى بل حزب أقلية على أحسن تقدير.. ودليل على ذلك هو أنه لا انتخاب لرئيس الحزب بل مبايعة.. والدليل الثانى هو أن القوة فى الحزب الوطنى تأتى من فوق إلى تحت.. والدليل الثالث هو أنه يضطر لتزوير الانتخابات وبدون وجه حق يضم المستقلين الرابحين.. فالقاعدة أن من انتخب على وضع ما فممنوع أن يغيره وإلا سقطت عنه العضوية لأن هذا يعتبر تدليس وتزوير لإرادة الناخبين.. والدليل الرابع أن الشعوب هى التى تكون الأحزاب وليس رؤساء الجمهوريات وهو بذلك يمثل فقط الحكام وحاشيتهم من بعض "المثقفين" و"رجال الأعمال".
والنظام الثانى هو فى طور التكوين يسعى لأن يكون نظاما ديموقراطيا معبرا عن الجماهير وخاصة أنه ليس لديه غير هذا الطريق سبيلا وليس لديه أداة أخرى لفرض نفسه غير الجماهير نفسها.. وحتى الآن لم يكوِّن الشعبية الكافية ولكن الوقت معه.. وفى 2011 ستكون أول موقعة بين النظامين.
النظام الأول يسعى لأن يسحق نظام الجماهير حتى لا تقوم له قائمة بعد ذلك أما نظام الجماهير يقول فى نفسه إننى حتى ولو لم أكسب المعركة سأكون قد حققت تقدما جرب فيه الناس قدراتهم وعرف فيه نظام 52 أن هناك قوة فى الشارع يعمل حسابها وهذه بداية تجعل المرة القادمة أسهل وعندها تبنى على شيء قد تحقق.. فهم نظامين أحدهما يجىء من الماضى والآخر يجىء من المستقبل، نظام يصنع الانتصار باحتكار الإعلام ومؤسسات الدولة والشرطة والتزوير، ونظام يسعى للانتصار عن حق لأن الحق والحقيقة هى الأسس التى تبنى على أساسها الأمم نفسها.. وليس على الغش والخداع والخوف والنفاق.
فإذا قارنا بين ما قبل يوليو 52 وما قبل 2011 نجد أوجه تشابه وأوجه اختلاف أما أوجه التشابه فأولها هو ضعف الحياة السياسية فى الحالتين.. فى الأولى بسبب الإنهيار السياسى نتيجة لتتابع حكم أحزاب الأقلية وما يرافقه عادة من فساد وكذلك تحول حزب الوفد نفسه إلى حزب فاسد يسعى لإرضاء الملك وليس الناس فحُرم الجماهير ممن يعبر عنهم بشكل حقيقى.. أما فى الحالة الثانية بسبب المنع منْع النظام للنشاط السياسى الشىء الذى يؤدى إلى أحزاب ونقابات هزيلة غير ممثلة للناس ولا تعبر عنهم بشكل حقيقى.. أى تشابه فى الحالة واختلاف فى السبب.
وتتشابه الحالتان فى ضرورة التغيير وتختلف فى أن فى الحالة الأولى كان الجيش هو أداة التغيير وجربناها وأوصلتنا إلى ما نحن فيه الآن.. وفى الحالة الثانية سيكون الشعب هو أداة التغيير.
فكل منا عليه دين لنفسه فإذا كان لا يعجبك وضعك الآن تحرك فلن يسعفك أحد آخر غير نفسك، وإذا كنت تحب العدالة والحرية وتكره الذل والفقر فهذه هى فرصتك فلن تحصل على الحرية ولا العدالة وأنت جالس لا تتحرك.. فأنت الآن جمال عبدالناصر وأنت كل هؤلاء الضباط الذين حملوا أرواحهم على أكفهم ليلة 23 يوليو وفى الحالتين أنت أو جمال عبد الناصر تنطبق عليكم القاعدة.. أن من يقدم التضحية يحصد النتيجة لنفسه.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة