الخبث الساذج والدهاء الدعائى الغبى، هو ما يمكن أن نصف به العديد من المواقف التى انتهجتها الحكومة ووزرائها ومفكريها من قيادات الحزب الحاكم خلال الأيام القليلة الماضية.
المشهد الأول جاء فجأة عندما حاولت الحكومة عبر مشهد تمثيلى معد سلفا، لممثل مبتدأ، وأمام مصورين هواة، أن توهمنا أنها وجدت الحل السحرى لواقع التعليم المتردى فى مصر، من خلال زيارة مفاجأة لوزير التربية والتعليم لإحدى مدارس حلوان، زيارة مفاجئة، اصطحب فيها الوزير الصحفيين والمصورين حتى يشهدوا ويسجلوا أداءه التمثيلى فى مواجهة التسيب والإهمال الذى تشهده المدرسة، فى مشهد يذكرنا بتجربة عادل إمام الدنماركية عندما قام بصفته وزير للشباب بزيارة مركز شباب بإحدى القرى.
ورغم قناعتنا بأن خروج الوزراء وكبار الموظفين من مكاتبهم، ومتابعة عملهم ميدانيا، أمر محمود ،، بل ومطلوب وسط حالة الترهل الذى تعيشه كافة مؤسسات الدولة، غير أن محاولة إيهامنا بأنه بات لدينا وزراء فاعلون، أو تصوير الأمر وكأننا بتنا قادرين على معالجة مشاكل التعليم عبر تلك التمثيلية، هو ما لا نقبله، فالجميع يعلم أن تلك الإجراءات التى اتخذها الوزير، بأسلوب ساخر مهين للمدرس وهيبته أمام تلاميذه بما يتنافى مع أبسط القواعد التربوية التى يعتبر السيد الوزير الأولى بالحفاظ عليها، الكل يعلم أن تلك القرارات التعسفية التى تم اتخاذها دون أى تحقيق، ما هى قرارات حنجورية لا تودى ولا تجيب وغير قابلة للتنفيذ، ويمكن الطعن عليها وإلغاؤها فى أول جلسة أمام القضاء الإدارى، لذا فإن محاولة الضحك على الناس وإلهائهم بهذا النوع من التمثيليات سرعان ما أنكشف أمام الجميع، وإذا كان الوزير جادا حقا فى معالجة أزمة التعليم فعليه بدلا من السخرية من المدرسين، أن يسأل الحكومة التى ينتمى إليها عن ميزانية التعليم، ومناهج التعليم، وفلسفة التعليم، وأن يحتد ويسخر من أسلوب حزب وحكومة ونظام عبثوا على مدار عقود طويلة بالعملية التعليمية وأخضعوها لأهواء كل من هب ودب فى مصر حتى باتت مأساة كبرى تدفع مصر وسوف تدفع ثمنها غاليا على مدار أجيال قادمة أم أن الوزير ابن اللواء وزير الداخلية قد أخذ الدرس من والده الراحل، والذى عرف عنه سخريته وتطاوله على المعارضين والمواطنين البسطاء، وكان ذلك مقبولا من نفس المؤسسة الحاكمة، حتى كانت نهايته مع تخطيه الحدود وتجاوزه فى حق الكبار، وأعتقد أن وزير التعليم يدرك هذا الدرس جيدا، لذا لن يجرأ بمحاسبة من هم أكبر منه.
كما أننا نجد أنفسنا مضطرين أن نسأل وزير التعليم الهمام عن الإنجازات التعليمية والتربوية والبحثية التى حققها سيادته يوم أن كان على رأس جامعة عين شمس، أم أنه كان معنيا فى ذلك الوقت بتجهيز نفسه لتولى الوزارة من خلال إعداد وتدريب والتغطية على تجاوزات ميليشيات الحزب الحاكم فى الجامعة، فى مواجهة طلبة المعارضة عامة والإخوان خاصة.
المشهد الثانى الذى حاولت من خلاله الحكومة أن تبيض وجه وزرائها، كان بالزج باسم محمود محيى الدين وزير الاستثمار فى خبر تحاول الحكومة ترويجه إعلاميا من خلال ما يعرف بصفقة الأفلام المصرية بشراء نحو ثلاثة آلاف من الأفلام التى تمتلكها شركتا إيه أر تى وروتانا، بقيمة تتجاوز المليار جنيه، بهدف الحفاظ على التراث الثقافى والفنى المصرى.
وإذا كان جمع أشلائنا الثقافية والفنية التى بعثرها وباعها وسهل الاستيلاء عليها مسئولون معدومو الضمير والوطنية، يمثل بدوره أمرا محمودا وتشكر عليه أى جهة، فإن خداعنا بتصوير بطل تلك الحملة الوطنية، هو الوزير المروج والمنفذ الأول لسياسة الخصخصة وبيع اقتصاد مصر ومصانعها وتشريد عمالها، وصاحب الأساليب المبتكرة فى نقل المال العام إلى مصاصى الدماء من رجال المال الخاص عبر مشروع الصكوك الشهير، والذى شهد مجلس الشعب خلال الأسابيع القليلة الماضية محاكمة شاملة لسياساته، التى جعلت من أرصفة شارع مجلس الشعب هايد بارك لكل العمال الغلابة الذين ألقى بهم وزير الاستثمار وحكومته وحزبه ونظامه بين فكى مستثمرين نهابين يمصون دمائهم ويلقون بهم فى الشارع وقت ما يشاءون.
هذا المشهد التمثيلى بدوره يعد ساذجا ومحاولة غير مجدية، فالشعب المصرى أكثر ذكاء ويعلم جيدا أن الحدأة لا تلقى بالكتاكيت، وحكومة باعت اقتصاد مصر، وبترولها، وغازها، وأراضيها، بأبخس الأثمان، ولأعداء الوطن والناس، لا يمكن إيهامنا بأنهم باتوا معنيين فجأة بثقافة مصر وفنها.
المشهد الثالث، جاء فى خبر نشرته جريدة الأهرام فى صدر صفحتها الأولى قبل أيام، وأثار سخرية كل من قرأه وهو احتفاء ما يعرف بشعبة المغتربين بأمانة المهنيين فى الحزب الحاكم، بالدكتور المصرى الأمريكى سمير نجيب أبانوب الذى كرمه الرئيس الأمريكى أوباما مؤخرا، لفضله وفضل دراساته فى وضع أسس نظام التأمين الصحى الشامل فى الولايات المتحدة الأمريكية والذى أقره الكونجرس الأمريكى قبل أيام، المثير للسخرية ليس بسبب معرفتنا أخيرا أن الحزب الحاكم فى مصر به شعبة للمغتربين لا عمل لها سوى تتبع أى خبر عن علماء مصريين يتم تكريمهم فى الخارج، للادعاء بأنها ستقوم بدورها بتكريمهم، ولكن المثير للبكاء من شدة الضحك هو أن يقوم بتكريم هذا العالم حزب تهدر سياسيته فى مجال الصحة أدمية الأنسان المصرى الفقير، حيث يلقى به على أبواب المستشفيات دون علاج، وتبدد أمواله فى قرارات لعلاج كبار المسئولين خارج مصر، ويقوم جهابذته بوضع قوانين مشبوهة لا تصلح المنظومة الصحية الخربة، ولكن لتسحب من المواطن أى حقوق فى تأمين صحى حقيقى، وذلك لصالح شركات التأمين الخاصة، التى يسعى قانون أوباما للتأمين الصحى والذى ساهم فى وضعه العالم المصرى سمير أبانوب أن يخلص رقاب الأمريكيين من خناقها، فكيف يمكن لحزب أن يكرم مواطن مصرى تم إهماله وإهمال علمه، وتتنافى عبقريته وقناعاته الفكرية والعلمية، مع سياسات هذا الحزب.
إننا بالفعل أمام مشاهد ساخرة لحزب وحكومة ونظام، يحاول أن يبيض وجوه المنتسبين إليه، فى محاولة يائسة لأن يبقى فى موقعه لأكبر وقت ممكن، رغم إدراكه التام بأنه سوف يلملم أوراقه ويرحل قريبا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة