إذا أردت أن تتعرف على مصر من وجهة نظر أخرى يمكنك الاطلاع على تصريحات الدكتور عثمان محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية منتقلا من وزارة التخطيط دون أن يتخلى عن أرقامه الأثيرة والمحببة، الرجل ترك كل مهامه وتفرغ للدفاع عن الحكومة وموازنتها وحزبها منذ أعاد تعريف الفقر ليعارض المقاييس الدولية واعتبر أن الدولار يعنى خمسة جنيه والخمسة جنيه تعنى الكثير.
الدكتور عثمان أعلن الأسبوع الماضى عن توقعاته بارتفاع دخل الفرد إلى 17.4 ألف جنيه سنويا بمعدل 1450 جنيها شهريا فى عام الخطة 2011 / 2012 من يرى ذلك يتصور أن الثمانين مليون مصرى سوف يحصلون على هذا المبلغ بينما الواقع أن واحد ممكن يكون دخله مليار ومليون ودخل الواحد منهم خمسين جنيه، وطبعا تحدث عن معدل النمو الذى سيرتفع إلى 5.8% و توفير 700 ألف فرصة عمل و بناء 85 ألف وحدة سكنية وهى وعود سبق وأن سمعها المواطنون قبل كل انتخابات دون أن تعنى لهم شيئا، تماما مثل صاحب مطعم أعلن أن "الأكل بكرة ببلاش"، وبكرة لا يأتى أبدا.
وظاهرة الأرقام المضروبة، هى أمر متوارث بين حكومات الحزب الوطنى المتتالية، وكانت الأعلى مع حكومة الدكتور عاطف عبيد، الذى كان مولعا بالأرقام واللوغاريتمات، التى تحيل الخسارة إلى مكسب والفشل إلى نجاح، وورث منه الدكتور نظيف نظرية نصف الكوب الفارغ حتى لو كان الكوب نفسه ليس موجودا.
ويقدم الدكتور عثمان إجابة لكل سؤال فإذا تحدثت عن الفقر سيقول إن الحكومة بدأت بتكلفة 4 مليارات جنيه للإنفاق على 150 قرية من أفقر ألف قرية مصرية مع أنه يعلم أن القرى الفقيرة تتجاوز عشرات الآلاف، سيتحدث عن الخطة الموضوعة لمواجهة أية مشكلة، ولديه حلول لمعدل التضخم، ومعدل النمو الذى حققه الاقتصاد المصرى، وكان أحد الذين تصدوا لانتقادات المستشار جودت الملط رئيس جهاز المحاسبات الذى وجه انتقادات فواجهه الدكتور عثمان بالأرقام.
وأمام مؤشرات الدكتور عثمان يبدو المواطن ضئيلا أو جاهلا بأهمية الأرقام التى تخبره بأنه يعيش فى رغد وطمأنينة وراحة بال بينما هو يعانى الأمرين بشكل تام، مع أن تقارير الأداء والتنمية تشير إلى استمرار انحسار فرص العمل وارتفاع معدل البطالة بالرغم من أن أرقام عثمان تثبتها عند 2.37 مليون عاطل.
رئيس الوزراء والوزراء الذين اعتادوا إلقاء أرقام وردية لم يفكروا فى الاطلاع على دراسات وأبحاث أجرتها مراكز شبه رسمية لديها إمكانات علمية مثل المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، أو إلقاء نظرة على صفحات الحوادث بالصحف أو مراجعة دفاتر الأحوال التى ترصد حروب وصراعات وقتلى وجرحى فى طوابير الخبز والبوتاجاز والسولار، بينما أرقام الحكومة تظهر المواطن يعيش فى رغد، وتقدم وازدهار.
كل هذا لأن حكومة الدكتور عثمان لاتنظر خارج الأوراق، ولا حتى من "البلكونة" لتشاهد ناتج أعمالها، طوابير الخبز والبوتاجاز والسولار تتحول إلى ساحات معارك، و العاطلون يضاف إليهم 800 ألف خريج سنويا، وإذا كان البرنامج الانتخابى للرئيس وعد بتعيين 700 ألف سنويا فقد مرت خمسة أعوام ولم تتوفر أكثر من سبعين ألف فرصة فى العام، منها عدد كبير وظائف وهمية حيث يتم تعيين خريجى جامعات بمائة جنيه فى الشهر وهو ما اكتشفه رئيس مجلس الشعب وقال إنه إهانة للتعليم وللشباب، ونتوقع أن يأتى الدكتور عثمان لها بنظرية من نظرياته الرقمية التى تكذب الواقع.
ولانعرف أين ذهب مرصد المؤشرات الاقتصادية الذى أعلن عنه لرصد حركة الأسعار، والعمالة وفشل فى رصد تداعيات الخصخصة على العمال والشركات أو أزمات السولار والبوتاجاز والتظاهرات التى انطلقت من عمال الشركات التى تم خصخصتها مثل طنطا للكتان، والارتفاعات المفاجئة فى الأسعار، وفشلت فكرة المرصد مثلما فشلت أرقام الدكتور عثمان، فى إخفاء حجم التفاوت الاجتماعى والاقتصادى واتساع العشوائيات وتضاعف أعداد الفقراء والمرضى الأمر الذى جعل أرقام نسبة النمو المرتفعة فى واد وواقع الناس فى واد آخر.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة