جمال البنا

لا أحد كفّر سيد قطب.. ولكنه كفّر الجميع

الجمعة، 30 أبريل 2010 03:55 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄ قطب انحرف بالدعوة الإسلامية ودخل بها إلى متاهات أشاعت القلق فى المجتمع الإسلامى وألقت الشباب فى السجون
◄◄ كان الجانى على ملايين المسلمين وفى نفس الوقت ضحية لعوامل غيرت مسار حياته نحو الطريق الذى انتهى بإعدامه
◄◄ أدى استغراقه فى قضية الجاهلية والحاكمية الإلهية لأن يجعل الجهـاد وسـيلة للأسلمة.. وسخر من الذين يقولون إن الجهاد الإسلامى كان جهادا دفاعيا


أعتقد أن الملف الذى نشرته «اليوم السابع» الأسبوع قبل الماضى، وكتبه الأستاذ وائل السمرى والدكتور الطاهر مكى واستغرق صفحتين لم يقدم الحقيقة كلها عن الشهيد سيد قطب.

يهمنى أولاً أن أقول إننا لا نكفر أحداً، حتى الذى يقر على نفسه بالكفر، فهو يستطيع أن يحكم على نفسه بما يشاء، ولكننا لا نملك أن نرميه بالكفر؛ لأننا نرى أن الحكم فى هذا هو لله وحده يحكم فيه يوم القيامة، فالرفض أساساً لعدم الاختصاص، فليس من اختصاصنا أن نقول هذا مؤمن، وهذا كافر، هذا سيدخل الجنة، وهذا سيدخل النار، فلا أحد يكفر سيد قطب، ولكن سيد قطب كفر الجميع.

الشهيد سيد قطب كاتب متمكن ومفكر إسلامى، وقد قدم تفسيراً للقرآن يخلو من خرافات المفسرين والإسرائيليات التى امتلأت بها كتبهم، حتى وإن كانت كل معانيه تصب فى بحيرة «الحاكمية الإلهية».

ولا أحد ينكر أنه كاتب قدير، وناقد أدبى رفيع، واعتبر فى مستهل حياته الابن البكر للعقاد، ووقف فى مساجلة تاريخية ينصره على مصطفى صادق الرافعى الذى كان يدافع عنه وقتئذ سعيد العريان.

وأراد الله له أن يتحول من مجال النقد الأدبى المجرد إلى الكتابات الإسلامية التى كان من أبدعها «العدالة الاجتماعية فى الإسلام».

ونعترف تماماً بأنه فى كتاباته الإسلامية كان مؤمناً خالص الإيمان، وأنه لم يرد بها سوى وجه الحقيقة وإبراز جوهر الإسلام، وأنه أحد شهداء الفكر، وأنه مثل سقراط الذى:
عرضوا الحياة عليه وهى غباوة
فأبى وآثــر أن يموت نبيـــــلاً
نحن نعترف له بهذا.
ولكنه لا ينفى أنه بتأثير عوامل معينة انحرف بالدعوة الإسلامية التى كانت قد تحسست طريقها بفكر حسن البنا إلى مزالق ومتاهات أدت لأن تقضى مجموعات من الشباب المؤمن زهرة شبابها فى السجون، وأثارت الشقاق فى المعسكر الإسلامى وأشاعت القلق، لأن هذه المزالق لم تقم على أساس عقلى، ولا على أساس من جوهر الإسلام، وأنه طريق هداية وليس أداة لإقامة دولة، أو تكون مهمته فرض «الحاكمية الإسلامية» على جميع دول العالم، لأن كل النظم فى الدول الإسلامية وفى غيرها من دول العالم شيوعية، أو رأسمالية، كلها نظم «جاهلية» لأنها لا تحقق تعبيد الإنسان لله، وتطبيق الحاكمية الإلهية على الأوضاع.
وعندما يطلق الشهيد سيد قطب على هذه النظم فى الدول الإسلامية وفى غيرها أنها جاهلية، فليس هو فى حاجة لأن يقول إنها كافرة؛ لأنه من المعلوم أن الإسلام جاء ليقضى على الجاهلية، فالجاهلية ضد الإسلام.

وحتى لو كان غرض الإسلام هو تحقيق العبودية لله عن طريق «الحاكمية الإلهية»، فمن أبعد الأمور عن الإسلام أن يتم هذا بأى صورة من صور القسر.

وقد وضحت الآيات العديدة عن الرسول أن مهمته هى التبليغ ليس إلا، فليس له أى نوع من السـلطة على الناس الذين يتوجه إليهم بالبـلاغ، فهو ليس مسيطراً، ولا حسيباً، ولا وكيلاً عليهم، وليس هو بالقطع مسؤولاً عن أن يحملهم على الإيمان، والآيات القرآنية فى هذا تجل عن الحصر، وهى تقصر بأدوات القصر، والقصر فى اللغة مهمته التبليغ، فليس هو إلا بشيرا، أو نذيرا، أو داعيا إلى الله، فإذا استجابوا كان بها، وإلا فهم أحرار.
وعاتب القرآن الرسول عندما انهمك فى محاولة هداية بعض كبراء قريش ليزيد الإسلام قوة، وأغفل أحد المستضعفين، فقال له بصريح العبارة «وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى».
وليس هناك ما هو أصرح، وأقسى من هذا التعبير الذى يستبعد الحرص على نجاح الهداية، فإذن لو كانت مهمة الرسول مقصورة على البلاغ، فهل تكون مهمة سيد قطب فرض الحاكمية الإلهية؟ وهناك آيات عديدة تقرر التعددية الدينية وتوجه المسلمين «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ» (المائدة 105) وأمر الرسول أن يقول «لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ» (الكافرون 6) ولم يحرم أصحاب الديانات الأخرى من رحمة الله «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» (البقرة 62).
وحتى بالنسبة للمجوس والذين أشركوا، أوضح القرآن أن الله تعالى هو الذى يحكم بينهم يوم القيامة مما يقتضى ألا نحكم عليهم «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ شَهِيدٌ» (الحج 17).
وهذا الموقف الرئيسى والمؤكد والذى يُعد من مقومات الإسلام إنما تقرر لأن الإسلام يؤمن بحرية الإرادة، التى يتفرع عنها حرية العقيدة، وهذه الحرية هى مبرر السؤال والحساب والثواب والعقاب، فلا يحاكم الناس على أمر أجبروا عليه، أو فرض عليهم، وإنما يحاسبوا على إيمانهم نفسه، وسار الإسلام فى هذا الاتجاه إلى نهايته فقرر أن الإيمان والكفر قضية شخصية لا تهم إلا صاحبها، والآيات عديدة:
«فَمَنْ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ» (الزمر 41).
«قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ» (يونس 108).
«مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً» (الإسراء 15).
«وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِى الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً» (الكهف 29).

وأدى استغراق سيد قطب فى قضية الجاهلية والحاكمية الإلهية لأن يجعل الجهـاد وسـيلة للأسلمة، وسخر من الذين يقولون إن الجهاد الإسلامى كان جهاداً دفاعياً، فهو وسيلة لحماية حرية العقيدة ولم يكن هجومياً يستهدف أسلمة الآخرين ودعاهم «المهزومين»، فى حين أن الآيات والأحاديث تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن القتال فى عهد الرسول أى عندما أنزل القرآن، كان قتالاً يدفع المشركين الذين أرادوا «فتنة» المسلمين عن دينهم وأنهم هو الذين حاربوا المسلمين، فاضطر المسلمون إلى الرد دفاعاً عن عقيدتهم وضميرهم، وهذا هو ما يفهم من أول آية أباحت للمسلمين القتال «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ» (الحج 39ـ40).

لقد تعرضت دعوة الإسلام لمهاجمة المشركين حتى قبض الرسول، وظهر أثر ذلك فى ارتداد معظم العرب باستثناء مكة والمدينة، فكان لزاماً على المسلمين الرد، ولا يكون الرد على حرب إلا بالحرب، فإذا سكنت الحرب وجنحوا للسلم، فالمسلمون يجنحون لأنهم يرونه الخير.
وقد حددت الآيتان الثامنة والتاسعة من سورة الممتحنة الموقف من المهاجمين إذا أقلعوا عن هجومهم «لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ» (الممتحنة 8ـ9).

فهذه الآيات لم تكتف بإقرار اليهود والنصارى على ما هم عليه، بل أمرت بالقسط والبر معهم ما داموا لا يعادون المسلمين، وهو ما يتفق مع الخط المقرر عن حرية العقيدة والتعددية فى الإسلام.

ولو كان الغرض من القتال هو فرض الإسلام لكان توجيه الرسول وأبى بكر وعمر إلى الجيش يبدأ قبل أى شىء بهدم الكنائس، وقتل الأحبار والقسس ورجال الدين، ولكن توصية الرسول وتوجيه أبى بكر وعمر كانت نقيض ذلك تماما، فقد أمر الجيش المسلم بعدم المساس بالكنائس وبيوت العبادة، ومنح الأحبار والرهبان «حصانة» بحيث لا يقتلون.

ومما يتفق مع هذا المبدأ المقرر هو قبول الجيش أخذ جزية لقاء حماية اليهود والنصارى وكفالة الأمن لهم فى البلد الإسلامى، وحماية حريتهم فى الاعتقاد وقضايا الأحوال الشخصية، فلو كان الهدف من القتال هو الأسلمة لكان قبول الجزية رشوة على حساب الإيمان.

أعتقد أن الشهيد سيد قطب استشعر خطأ ما ذهب إليه، فذكر أن الجهاد لا يستهدف فرض الإسلام، ولكنه يستهدف القضاء على النظم السياسية الغاشمة الطبقية التى تحكمت فى الناس وتحريرهم من ربقتهم هذا حسن، ولكن هذا لا يؤدى إلى «تعبيدهم» لله، وهو الهدف الذى أراد تحقيقه، ووجد أنه السبيل للحاكمية الإلهية فإنهم سيظلون على عقائدهم وعندئذ يفشل المشروع القطبى.

إن الشهيد سيد قطب هذا «الجانى» على ملايين المسلمين والذى انحرف بهم عن سبيل السماحة الإسلامية، كان هو نفسه ضحية عوامل فرضت نفسها عليه، وأوجدت سيد قطب الجديد الذى يختلف بل ويتناقض مع سيد قطب القديم، فإذا وضعنا فى اعتبارنا هذه العوامل، وإذا وضعنا أنه كان مخلصاً، وأنه ضحى بحياته، فإن هذه قد تخفف من مسؤوليته، ولكنها لا تنفى البطلان المطلق لما جاء به وضرورة التخلص منه بسرعة حتى يتحرر الإسلام، وهو دعوة تحرير وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وإنقاذهم من الإصر والأغلال التى كانت عليهم.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة