انفتحت شهية وسائل الإعلام بشكل شره ومخيف على إيجاد المحتوى وخلق الخبر وجذب المستهلك الإعلامى بأى شكل من الأشكال، ومع اشتداد المنافسة ووجود آليات تنافسية تضمن لهذه الوسائل السبق والفوز على منافسيها، بصرف النظر عن الخدمة التى تقدمها الرسالة الإعلامية، حيث أصبحت ملاحقة الخبر المثير هى المتحكمة فى هذه العملية.
مشكلة كبيرة تلك التى تواجه الممارسات الإعلامية المصرية فى ظل عصر شهوة الإعلامى للسبق والانفراد والجديد والمثير، فقد تحول الأداء الإعلامى إلى تصرفات عشوائية لا يحكمها ضابط، مما يفقد الوسيلة ثقة الجمهور فيها وخاصة فى وقت اشتداد الحاجة إلى المعلومات والوضوح والدقة.
ما بين إعلام متوتر وآخر متشنج أومتعصب، ما بين صراخ وضجيج وألفاظ غير لأئقة وتصفية حسابات شخصية وملاحقات قضائية يفقد الجمهور قدرته على تكوين رأيه، وفى بعض الأحيان يفقد التمييز بين الغث والسمين.
ولكن فى ظل فقدان الرؤية والرسالة والإستراتيجية واللا تنظيم وعدم القدرة على تقييم المزايا والعيوب وللنتائج المتوقعة وغياب للاحتراف والمهنية والمعايير المنضبطة من جهة أخرى، اعتذارات على الهواء مباشرة فكثيراً ما نسمعها ونشاهدها من القائم بالاتصال ما بين الخروج عن الأعصاب أو الإفصاح برأيه وذلك من أجل البيع لزبون واحد، هو «الجمهور» أو الرأى العام.
شهد الإعلام جدلا حامياً بين سلطة تضع قيوداً وأخرى تزيل القيود إلى أقصى حد، فى ظل هذا النضال من أجل الحرية، إنطلقت الأزمة وانتشر التجاوز فى كل أشكاله وأخطائه، إن الحرية المطلقة لا تعطى أفضل إعلاما فى العالم فمخاطر الحرية الكاملة هى نفس مخاطر القيود الصارمة، فتستغل الحرية لرغبات وشهوات شخصية.
حقاً شهوة إعلامية عارمة، يصنع الإعلامى والخبير و"الأكاديمى" و"المتخصص" و"المذيع" البريق والشهرة وربما يعيد تشكيل العقل ويكرس صورا نمطية، ربما الذى يحسم معادلة التأثير هو الأعلى صوتا والأكثر مشاكسة والأقل عقلا والأطول لسانا والأكثر ظهورا.
ومن هنا فعلى الإعلامى أن يدرك أنه فى مهمة يقوم فيها بدور البناء وليس الهدم والشكل الذى يخدم رسالته فلا يسعى إلى شهوة تحقيق السبق الإعلامى، وأن يكون حريصا من الوقوع نتيجة الإنفلات فى مجال الحرية، أو لسوء استخدامه لها.
فمن الضرورى للإعلامى ألا يدخل فى قضايا الإثارة من أجل الإثارة نفسها، ومن الممكن أن يناقش كافة القضايا مستخدما فى ذلك تقنية الحوار، وألا يغيب الهدف الأساسى له وهو تأكيد قيم الحرية وليس بغرض إحداث فرقعة إعلامية، فعندما يضيع المنطق، تغيب الموضوعية، فتفقد المصداقية، فيفقد مشاهديه.
وختاماً لا نملك الآن فى مواجهة هذه الشهوة سوى دعاء "اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه" .
إعلامية مصرية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة