سعادة المؤتمر المحترم
تحياتى وبالغ تقديرى لكيانك ودورك وتاريخك.. لقد أسهمت على مدى خمسة وعشرين عاما فى تنشيط الحركة الثقافية بأقاليم مصر، وألقيت أضواءً كثيفة على الأدباء القدامى والشباب وكرمت حتى الذين لم يكتبوا شيئا ذا قيمة فى شتى مدن مصر وقراها، حتى لقد شعرت العاصمة ذاتها أحيانا بالغيرة والضآلة.
أنت لابد تذكر أنك ولدت على أيدينا عام 1984، وكانت أولى بشائرك فى مدينة المنيا، وكان أهم ما انتهت إليه فعالياتك بل وفعاليات كل المؤتمرات التالية هو اقتراحى الذى أصررت فيه على إصداره ضمن التوصيات بتأسيس إدارة للنشر فى الثقافة الجماهيرية، وقاوم المسئولون ذلك وظللت متشبثا بالنص المطلوب حتى وافقوا عليه، إذ كان الأدباء خارج القاهرة يعانون أشد المعاناة فى نشر إبداعاتهم وكم من أديب مات كمدا لأن أعماله لم تر النور؟
الآن لا شىء يقف ضد أى موهبة وليس ثمة مكان حتى لو تحت الأرض لا يصله الضوء، وأدباء القرى لا ينشرون فى القاهرة ولكن فى البلاد العربية وفى أى مكان يريدون، وأصبحوا يحصلون على الجوائز ويمثلون مصر ويشاركون فى أهم مؤتمرات الدولة وينزلون فى أفخم الفنادق. ووسائل الإعلام الآن تزهو بأن تعلن فوز كاتب فى قرية من قرى الصعيد أو الوادى الجديد بعد أن كانت تهرب من أخبارهم وأعمالهم كما يهرب السليم.
لقد حانت اللحظة التى يتعين أن نواجهك فيها بالحقيقة، فلا تنزعج ولا تنظر للأمر على أنه رصاصة الرحمة ولا أن مصيرك هو مصير خيل الحكومة، بل عليك أن تؤمن بأن مصيرك هو مصير من قدموا خدمات جليلة للوطن، وأن ذاكرة الحركة الثقافية لن تنساك أبدا لأنك أنجزت ما لم ينجزه أى مؤتمر، وإن كان نصف ما احتاجته الحركة الثقافية تحقق فى حضورك الأول بالمنيا.
أرجوك لا تغضب إذا قلت لك إنك أصبحت ستارة يتم من ورائها تبديد المال الذى بلغ مجموعه نحو عشرين مليونا من الجنيهات، وتبديد الوقت وهو الأغلى فى إنتاج ما سبق إنتاجه، وسبوبة لا تليق بأصحابها، وصخب إعلامى ليس غير فقاقيع صابونية لها ألوان قوس قزح لا يفرح بها إلا الأطفال، بينما ثلاثة أرباع مصر ليست بها بيوت حقيقية للثقافة.
دع الكتاب والشعراء يعكفون على مواهبهم بالصقل والقراءة والإبداع وينشرون، ويحصلون على جوائز، وتكفيهم مؤتمرات اليوم الواحد الصغيرة والمكثفة والأكثر رصانة وعلمية. انزع فتيل الغضب من نفوس الأدباء لأن البعض يذهب ولا يذهب الآخرون.. لقد أصبحت مثل مولد أبو حصيرة الذى يأتيه اليهود لأنه محاولة لتثبيت قواعد هشة يمكنهم أن يبنوا عليها آمالا أكثر هشاشة.
توكل على الله مشكورا ومصحوبا بالسلامة.. امض وأنت مرفوع الرأس، واعتزل الضجيج والارتزاق والمجد الوهمى..امض وأنت عمل علمى كبير وارفض أن تتحول إلى مجرد سيرك يستخدمه بعض المسئولين لتحسين صور شائهة.. تقول، إنك لست صاحب القرار..إذن فسوف أرفع كلمتى إلى وزير الثقافة بل رئيس الوزراء ليوقف هذه المأساة ولا أقول المهزلة، فالزمن تغير ويجب أن يكون كل شيء بحساب.. أسمعك تقول: فلتتحمل اللعنات.. أقول لك: لا تهتم.. تعودنا عليها.