محمد حماد

أحب السلفيين ولستُ منهم

الخميس، 29 أبريل 2010 07:15 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
السلفيون من أحب الناس إلى قلبى، وأقربهم إلى محبتى، ومنهم بعض أهلى، أحبهم فى الله، وأتمنى أن أكون منهم، وقد حاولت أن أبين لبعضهم أن السلف الصالح فعّلوا الدين فى حياة الأفراد وفى إحياء المجتمعات، ولم ينعزلوا عن واقعهم، ويكفى أن إمامهم وإمامنا الأكبر الإمام أحمد بن حنبل عانى فى محنته ما لو أنه اتبع سنتهم فى التعامل مع الواقع لانعزل، أو مضى فى طريق مضت فيه أغلبية أهل زمانه خوفاً من السلطان، أو دفعاً للضرر المحدق به ، لكنه لم يتنازل، ولا انعزل، وبقى على الحق حتى نصره الله على السلطان.

وما زلت أذكر يوما صليت فيه الجمعة فى مسجد من مساجد التيار السلفى، وكانت الدعوات إلى التظاهر قد تنامت وتكاثرت، وتبنت جماعة الإخوان المسلمين فكرة القيام بمظاهرة كبيرة ضد ممارسات العدوان الصهيونى على لبنان إبان حرب يونيو 2006، فإذا بالشيخ السلفى يحذر من فكرة التظاهر نفسها ويرفضها ويعلن حكماً قاطعاً بأن الإسلام لا يعرف ما يسمى بالتعبير عن الرأى بالمظاهرات، وقال: لا مظاهرات فى الإسلام، وذكر أنه تناقش مع الذين يؤيدون الخروج بمظاهرات تحت عنوان التعبير عن الرأى (يقصد الإخوان المسلمين) وأنه سأل قادتهم عن الدليل الشرعى وراء إخراج المظاهرات فى الشوارع، وقال إنه لم يجد لديهم أى أساس شرعى أو دليل معتبر يبيح التظاهر تعبيرا عن الرأى.

وكان الشيخ قد أكد على أن المسلمين مطالبون بالسمع والطاعة لولى الأمر، ولو كان عبداً حبشياً، ما داموا يقيمون الصلاة فيكم، ولست هنا بصدد مناقشة هذا الرأى ولا تفنيده، ولكنى أشهد أن موجة عارمة من الرفض اجتاحت مناقشات ما بعد الخطبة، وأن آراء الشيخ لاقت استهجاناً ملحوظاً، وهى من المرات القليلة التى شهدت فيها بنفسى مثل هذا الاستهجان الواضح لمثل هذا التوجه وقد تجمع حوله عدد كبير من المصلين متسائلين عن الوسيلة المعتبرة شرعاً للتعبير عن الرأى إذا حُرِّمت المظاهرات، وأعلن ناس كثيرون، وبعضهم ممن يوالون الاتجاه السلفى اعتراضهم على فكرة تحريم المظاهرات، وسمعت واحداً ممن تُجمل وجهه لحية كبيرة يقول: وماذا يفعل الناس فى مواجهة ما يجرى لهم كل يوم إذا منعنا حتى التظاهر وحرَّمناه؟

أبادر إلى القول إننى لست ممن يأخذون على هذا التوجه تمسكه بما يسمى فى أدبيات البعض بالقشور، وهو عندهم وعندى من الجواهر، فلست مثلاً آخذ عليهم إطالة اللحى أو لبس الثوب القصير، ولا أنا فى موضع الذى يستصغر فكرة أن يحرص المرء على لبس الساعة فى يده اليمين بدلا من الشمال، ولو من قبيل مخالفة الذين استعمروا أدمغتنا وثقافتنا وطريقة تفكيرنا، ولا أنا فى وارد التقليل من شأن التربية العقدية للمسلمين، ولست أجرؤ على الحديث عن الاهتمام بشأن العبادات، والتخلص من الذنوب، والتعفف عن الصغائر، كل ما أرجوه وأطلبه أن نولى شأن الدنيا الاهتمام الذى أولاه إياها القرآن والدين الإسلامى الذى اعتبرها مزرعة الآخرة، وطلب منا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن نعيش أيامها حتى اللحظة الأخيرة، وعلمنا صلى الله عليه وسلم أنه لو قامت القيامة وبيد أحدنا فسيلة فلا يتأخرن عن غرسها، هذا هو التعليم النبوى، وهذا هو النهج الإسلامى الصحيح.

كل ما أسمح لنفسى بالتجاسر على الاختلاف فيه مع أهل السلف أن الدنيا فى الدين الإسلامى ليست مزرعة خاصة للآخرة، وإن كان كل منا سيحاسب بمفرده على ما اقترف بيديه، ولكنها، أى الدنيا، وحسب فهمى المتواضع مزرعة جماعية من أجل دنيا يسود فيها حكم الله وآخرة نلقى فيها رضوان الله بإذنه وعفوه وواسع مغفرته.

الإسلام فيه إعفاء اللحى، وفيه تحرير الأرض المسلوبة، وفيه تقصير الثوب، وفيه مقاومة المستبد، (والله لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناك بسيوفنا)، والإسلام فيه إقامة الليل، وهو شرف المؤمن، وفيه محاربة الفساد، وهو كرامة المؤمن، لا شىء يغنى عن شىء، ولا يعوض عنه، ولا يقوم مقامه، وإلا كنا كمن قال فيهم المولى عز وجل:( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْى فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)، نعوذ بالله أن نكون منهم.

أقول وأجرى على الله إنه سبحانه وتعالى سيسألنا عما فرطنا فيه من عبادات، وسيسألنا عما قصرنا فيه من إقامة دنيا العدل، وسوف تبقى شاهدة على ما نذهب إليه كلمات موجزة ولكنها بليغة وحاسمة تلك التى قالها الصحابى الجليل ربعى بن عامر لقائد جيوش الفرس حين سأله ماذا جاء بكم قال رضى الله عنه: (الله جاء بنا، والله ابعثنا إليكم، لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام).

تلك هى المهمة، وهذا هو الدليل، هذا والله يعلم أنى أحب السلفيين وإن قصرت همتى عن أن أكون منهم، والله أسأل أن يلهمنا الفهم وأن يقينا من الزلل وأن يختم لنا بخاتمة يرضى بها عنا.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة