اعتاد الناس على مر العصور على تسمية الأشياء بغير مسمياتها الحقيقية، واخترعوا القصص والسير والروايات التى كان الراوى يرويها ويحكيها للناس باعتبار أنها أحداث حقيقية، ربما تكون بعض أحداث القصة والرواية قد وقعت فعلا، ولكن البعض الآخر لم يقع، فقد كان الرواى يزيد أحداث القصة تشويقا باختراع أحداث لم تقع، وهدفه الأوحد جذب انتباه مستمعيه مثل قصص أبو زيد الهلالى وغيرها كثير..، وقد يدرك بعض من يستمع هذه الحقيقة، ولكن لا أحد يهتم، وقد أحب الناس قديما الاستماع إلى القصص المطعمة بالوهم واعتادت آذانهم الاستماع إلى الأكاذيب على اعتبار أنها مسلية وتقتل الوقت عند الناس، خاصة أنه لم تكن لديهم آنذاك أجهزة التلفزيون والراديو والأقمار الصناعية التى تشغل الناس الآن وتقتل لديهم الوقت وأشياء أخرى.
وقد اخترع بعض الخبثاء للكذب يوما أطلقوا عليه يوم كذبة إبريل، وهذا يعطى إيحاء كاذبا أيضا أن يوم إبريل هو اليوم الوحيد الذى يسمح للناس فيه أن يكذبوا، وهذه أكذوبة كبرى فقد أصبحت للأسف الشديد كل أيام السنة أكاذيب، ونجد البعض ممن اعتادوا الكذب يبرر كذبته أنها كذبة بيضاء، منذ متى كان للكذب ألوانا؟ الكذب هو الكذب، لا يوجد كذب أبيض أو أسود أو أخضر!
وبعض أهل الدين والدنيا يبيحون الكذب فنجد من يقول منهم إن الرجل يستطيع أن يقول لزوجته أحبك وهو فى الحقيقة ربما يكن لها الكره للحفاظ على الحياة الزوجية ومنعا من حدوث الشقاق أو الطلاق، هل نسى هؤلاء قول الله عز وجل (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا) النساء 35. والآية الكريمة توضح بجلاء كيف يتعامل الرجل مع زوجه دون كذب أو مواربة أو إخفاء أى منهما لمشاعره، والله يعلم ما تخفى الأنفس والصدور، أما القول بأن الكذب يحمى البيوت من الطلاق فهذا إدعاء واه ولا يمت لأوامر الله عز وجل بنبذ الكذب وتركه، قال تعالى: (سيعلمون غدا من هو الكذاب الأشر) القمر، 26 يقول المفسرون فى تفسير هذه الآية: إن طريقة العرض القرآنية لنبذ الكذب عن طريق نقل قصة غبرت فى التاريخ بحكاية تحكى لنا واقعة تعرض على الأنظار يرتقب الناس أحداثها الآن ويرتقبونها فى مقبل الزمان، وسيكشف لهم الغد عن الحقيقة، ولن يكونوا بمنجى من وقع هذه الحقيقة، فستكشف عن البلاء المدمر للكذاب الأشر.
الحقيقة أنه لم تعد هناك حقيقة فقد استمرأ معظم الناس الكذب وأباحوه لأنفسهم بدعوى أن كذبهم أبيض، ونجد أن المسئولين اعتادوا الكذب على الناس ولم يعد أحد يهتم بتنبيه الناس إلى أن كلام أى مسئول كذب، بل يضاهى تفكير بعض الأزواج على زوجاتهم فى الكذب بدعوى عدم خراب البيت أو زوال المنصب، والأزواج والزوجات اعتادوا الكذب على بعضهم البعض بدعوى أنه كذب أبيض، ولما لا ؟ وقد أصبح الإنسان الكاذب يرخص له فى الكذب ويصل إلى أعلى الرتب والمراتب والمناصب، أما من يقول الحقيقة ربما يرمى فى السجن أو يتهمه الناس بالهبل أو الطيبة الزائدة عن حدها أى عبيط.
كلنا يحفظ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صغيرنا وكبيرنا: (لا يزال المرء يكذب ويكذب حتى يكتب عند الله كذابا، ولا يزال المرء يصدق ويصدق حتى يكتب عند الله صديقا).
لم يستثنى الحديث أحدا فالإنسان الصادق هو من يقول الصدق ولا شىء غير الصدق، والإنسان الكاذب هو من يقول الكذب، ولم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن بإمكان الشخص الكذب ليحمى بيته أو منصبه من الوقوع، هذا كذب صراح، حتى حين يمزح الشخص فلا يجوز له أن يكذب، وقد روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن امرأة صالحة متقدمة فى السن جاءت إليه وقالت: يا رسول الله "ادع لى أن أدخل الجنة، قال صلى الله عليه وسلم متبسما: "لا تدخل الجنة عجوز"، فبكت المرأة ولم تدرك أن الرسول يداعبها بقوله ولكنه قول حق لا كذب فيه (حتى وإن كان مزاحا)، وقال - صلى الله عليه وسلم - أن للعجوز أن نساء الجنة عربا أترابا أى شابات، فلنتأس برسولنا الكريم قولا وفعلا جدا ومزاحا ولننبذ الكذب ونمحه من حياتنا، ولنعلم صغارنا على قول الحقيقة ولنحاسبهم على كل صغيرة أو كبيرة قبل أن نحاسب ويحاسبوا بين يدى العزيز الخبير، نعلمهم أن الحقيقة عكس الكذب، وأن الكذب لا لون له، إن جيلنا قد تعود على تلقى وسرد الأكاذيب، فالأمل ليس فينا، بل فى أبنائنا، فلنبدأ بتصحيح مفهوم الكذب والصدق لديهم، والله من وراء القصد..
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة