أكرم القصاص - علا الشافعي

خالد صلاح

لا للإشراف القضائى على الانتخابات

الأربعاء، 28 أبريل 2010 02:01 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أرجوك.. لا تقف عند حدود هذا الرفض الحاسم للإشراف القضائى على الانتخابات الذى يطل عليك من هذا العنوان الجامح، ثم تتسرع فى تصنيفى سياسيا باعتبارى عدوا للديمقراطية، وخصما للنزاهة والشفافية

أرجوك فقط أن تتأمل ما جرى من تجربة الإشراف القضائى على الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وأن تفكر كثيراً فى الرحلة الشاقة التى خاضها القضاة فى الإشراف على انتخابات النقابات المهنية، قبل أن تهرول إلى تأييد المطالب الداعية لتعديل المادة 88 من الدستور المصرى.

نعم.. أنت وأنا نريد انتخابات شريفة لا يجرؤ فيها أحد على تزوير إرادة الناخبين واختياراتهم الحرة، وأنت وأنا نريد التمثيل العادل لأصوات الناس فى مجلس الشعب، ونأمل حتماً فى فتح الباب أمام مشاركة جميع التيارات والكتل السياسية فى برلمان منتخب بنزاهة، لكننا فى الوقت نفسه، لن ننعم ببلد ديمقراطى إذا كان ثمن الوصول إلى هذه الغاية هو القضاء على هيبة رجال القضاء، وجرجرتهم إلى الشارع وأقسام البوليس ومحاكمتهم فى الصحف والتشكيك فيهم أمام محكمة النقض، واتهامهم بالمشاركة فى التزوير.

اسمح لى أن أذكرك فقط بأن محكمة النقض أصدرت ما يقرب من 120 تقريرا تقضى بعدم صحة عضوية نواب 120 دائرة، وتشكك فى سير عملية الاقتراع وحساب الأصوات، فى الوقت الذى كان القضاة يشرفون فيه على الانتخابات العامة، وتذكر أنت أن هناك عدداً هائلاً من المرشحين من تيارات سياسية مختلفة اتهم القضاة أنفسهم باتهامات سياسية مخزية، وحرروا محاضر فى أقسام الشرطة ضد قضاة آخرين خلال عملية التصويت وفرز الأصوات، وتذكر أيضاً أن القضاة انقسموا إلى فريقين سياسيين بعد انتخابات عام 2005، وكاد الوهن يضرب وحدتهم ويعصف بصورتهم البراقة بين الناس، حتى نحن الصحفيين والإعلاميين أوغلنا فى خلافاتهم السياسية، ووصفنا فريقا منهم بأنه فريق الاستقلال، وعايرنا الفريق الآخر بتهمة الموالاة والانحياز للسلطة، ومجاملة أهل الحكم، حكمنا على ضمائرهم وفق أهوائنا، ولطخنا منصات العدالة فى أزقة السياسة، فى الوقت الذى كنا نرجو فيه أن يطهرونا هم بضمائرهم العادلة.

القاضى دخل قسم الشرطة مشكوًّا فى حقه، والقاضى وقف أمام الناس خلال الفرز مشكوكا فى نزاهته، والقاضى دخل إلى محكمة النقض مطعونا فى قراراته، والقاضى اشتبك مع المرشحين فى الدوائر، والقاضى جرى تصنيفه حسب المصالح السياسية، وحسب النتائج التى أفرزتها كل دائرة.

قد تقول أنت الآن: إن الدولة خططت لذلك عمداً، أو إن الحكومة تآمرت على القضاة فى الدوائر، ودفعتهم إلى هذا المأزق بالغ المرارة، لتضرب مشروع الإشراف القضائى على الانتخابات. حسنا سأتفق معك افتراضا، ولكنك تعترف هنا أن الإشراف القضائى لم يمنع بطش التزوير، وأن وجود القضاة فى الدوائر وعلى رؤوس الصناديق لم يكن كسفينة نوح التى تحمينا من طوفان التلاعب.. أليس كذلك؟!

ثم يا سيدى انظر إلى ما جرى فى انتخابات النقابات المهنية من اتهامات للقضاة، راجع مثلاً المعركة بين سامح عاشور نقيب المحامين السابق، وبين المستشار رفعت السيد رئيس اللجنة القضائية المشرفة على انتخابات النقابة، وراجع معارك المستشار رفعت السيد مع مرشحين آخرين، وراجع كذلك كل هذه الفوضى فى الاتهامات للقضاة مع كل معركة انتخابية فى أى نقابة مهنية، وراجع أيضاً معارك المهنيين فى النقابات الخاضعة للحراسة القضائية، لن تجد مكاناً واحداً ورطنا فيه قضاتنا إلا وطاردناهم بالاتهامات السياسية، وكسرنا ميزان عدالتهم المقدس تحت عجلات الحروب الانتخابية الوقحة التى لا تعرف الإنصاف، ولا مكان فيها للشرف، ولا تخضع لكلمة الحق.

ثم أرجو منك أيضاً أن تراجع الانتخابات فى دائرتك، أنت تعرف -إن كنت قريباً من دوائر أى لعبة انتخابية- أن الاقتراع الحر فى بلادنا لا ينتصر كثيراً، ليس بفعل بطش السلطة وحدها، بل بطش العائلات الكبرى، وبطش تجار الدين، وبطش التربيطات السرية التى تتقاسم من خلالها الدوائر فى القرى التزوير المتبادل، قل لى هنا: ما الذى يمكن أن يفعله القضاة فى دوائر الريف إن كان أهل القرية يخرجون للبيعة العائلية أو الطائفية أو المالية وليس للتصويت الحر فى انتخابات نزيهة.

نحن أغرقنا قضاتنا فى هذه التفاصيل، طلبنا منهم أن يطلبوا لنا المن والسلوى من السماء، وأن يضربوا بعصاهم بقوة لينشق بحر الفساد والتزوير لتمر قافلة الديمقراطية آمنة إلى الشاطئ الآخر، فيما نحن نقدس عِجل السلطة والعائلة والمال والتحالفات والتربيطات والألاعيب وتسويد البطاقات، بل نحن لا نخرج من الأصل إلى لجان الاقتراع.

هل تظننى الآن أنحاز إلى اللاأمل واللاشفافية واللاديمقراطية؟ لا، بل أنحاز إلى حماية صرح العدالة والحفاظ على طهارة قضاتنا بعيداً عن السياسة، بدلاً من أن نلوثهم بدماء الحروب المشينة فى الشوارع، لا نريد برلماناً حراً على جثة قضاء عادل، بل نريد الاثنين معاً، وفى بلد لا يفرق بين القاضى وموظف الوحدة المحلية، فلا يجوز لنا أن ندفع أنفسنا نحو ما نظنه صواباً، فيما الباطل يحيط به من بين يديه ومن خلفه، ولا يجوز لنا أن نصرخ من أجل تعديل المادة 88 فيما تشكل بذاتها خطراً يهدد الملاذ الآمن لدولة المؤسسات.

نحن نستطيع أن نحقق نفس نتائج النزاهة والشفافية بالعمل نحو دور أعظم لمنظمات المجتمع المدنى والهيئات الحقوقية فى مراقبة الانتخابات، ونستطيع أن نفعل ذلك بمزيد من الوعى فى الدوائر وبين الناخبين، ونستطيع أن نفعل ذلك بابتكار أدوار رقابية أخرى للنقابات المهنية والجمعيات الأهلية والمؤسسات الإعلامية المستقلة على صناديق الاقتراع، نستطيع أن نفعل ذلك بالدفع نحو التصويت الإلكترونى، نستطيع أن نفعل ذلك بكل وسيلة غير تلك التى تضرب مؤسسة القضاء فى العمق، وتسحب العدالة المقدسة إلى دنس الانتخابات.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة