ترى أى هدية تدوم مدى العمر، يمكن أن نهديها إلى أولادنا
أجمل من فتح عيونهم على الفن، وأفضل من تعليمهم كيف يحبون اللوحات المرسومة بضربات فرشاة جريئة واسعة المدى، وأعظم من بعثهم رسل جمال.. لنتأمل اتجاهاتهم وميولهم ورغباتهم، ونقودهم إلى رحلة شائقة فى اكتشاف ذاتهم والآخرين..
بأن نقدم لهم متعة النظر والرؤية إلى اللوحات التى تعبر عن قلوبهم،
وتشبع ولعهم بالحياة..
فالذين يحبون الباليه، نقدم لهم كتيبا يضم نسخا للوحات الراقصات، بريشة الفنان دوجا. والذين شغوفون بالكلاب، نقدم لهم بطاقات بريدية لعقد أواصر الصداقة مع الكلاب فى لوحات مشاهير الفنانين مع كلب صيد من فصيلة "ترير بروكسل" فى لوحة فان آيك المعنّونة "عرس أرنولفينى"، والكلب المبتسم المضطرم رغبة من فصيلة "سبيتز" فى لوحة جينزبورو "نزهة الصباح"، والكلب الوديع الهادئ فى لوحة سورات المعنّونة: "المستحمات".
والمولعون بالحشرات، ندعهم يحملقون فى لوحات الزهور للفنانين الهولنديين بحثا عن الحشرات المختبئة فى تلك الزهور.
وعشاق الملاحة، ستخلب ألبابهم من دون شك لوحات تيرنر التى صوّر فيها العواصف البحرية
ومحبو الموسيقى، يمكن أن يبحثوا فى اللوحات عن القيثارة، والماندولين والعود، فضلا عن العود القديم المزدوج العنق .
والذين يشعرون بالميل إلى مشاهدة اللوحات بتأثير من حبهم للطبيعة، يمكنهم الاندماج فى مسرحية سموات مقاطعة سافولك البريطانية التى تجتاحها السحب كما رأتها عين كونستابل النفاذة.
والذين ينشدون كل ما هو إنسانى، يمكنهم أن ينظروا إلى بشرة طفل فى نعومة الحرير، أبدعتها بإحساس فائق ريشة الفنان رينوار، وإلى وجه متجعّد لامرأة عجوز صوّره رمبرانت بخطوط وألوان معجونة بالشفقة، وإلى صورة لليوناردو دافينشى، تمثل حسناء من فلورنسا جلست ساهمة مستغرقة فى التأمل.
وذوى الميول الحسابية، يمكن أن نشدهم إلى فن التصوير، ونحببهم إليه عن طريق شرح المنظور.
وقد يساعنا على ذلك استخدام لوحة من لوحات جواردى، التى صوّر فيها مناظر مدينة البندقية، لنبيّن لهم، كيف أن الخطوط المتوازية جميعا سوف تتلاقى عند نقطة واحدة فى الأفق.
أما الشغوفون بالتصوير، فربما ودّوا أن يكتشفوا الوسائل الأخرى، التى يستخدمها الفنانون لجعل خلفية الصورة تبدو أبعد من أقسامها الأمامية0 ومن تلك الوسائل- على سبيل المثال- استخدام تكوينات مفصلة فى الأقسام الأمامية وتكوينات أقل تحديا للموضوعات البعيدة.
إن أى إنسان يتمتع بحس لونى جيد سيسحره عليه أن يعلم أن الخيالات فى اللوحات الانطباعية هى فى الواقع ظلال متعددة تعكس الأشياء القريبة منها، وأن يكتشف بنفسه عدد الألوان التى توجد فعلا فى مظلة سوداء بريشة رنوار، أو ثوبا أبيض بريشة ويسلر، أو تفاحة خضراء فى لوحة لسيزان .
وقد نتحدى أولادنا أن يحصوا عدد الألوان فى تصوير مونيه لجذع صفصافة بنّى، فتكسبهم تلك المحاولة نظرة جديدة إلى هذا الفنان وإلى طبيعة جذوع الأشجار.
أما ذوى العقول المنجذبة إلى النواحى التقنية قد يلذ لهم أن يكتشفوا كيف يبدع الفنانون اللوحات الجصية، وأعمال الحفر فى الخشب، ولوحات القص واللصق، وأعمال الفسيفساء.
وفى اللوحات الزيتية، يمكنهم البحث عن النقط اللونية المختلفة التى يجاور الفنان ما بينها بالطريقة التنقيطية التى استحدثها المصور سورات، أو لطخ اللون الأبيض فى لوحات كونستابل التى عرفت باسم "ثلج كونستابل" فى تصويره للمناظر الطبيعية.
كما أنه قد يشوقهم أن يخبرهم أحد عن عادة المصور جينزبورو، الغريبة، المتمثلة فى الوقوف على بعد أمتار من اللوحة التى يرسمها، واستخدامه فرشاة ممعنة فى الطول، أو عن أسلوب "التصوير بالفعل"، الذى ابتدعه جاكسون بولوك، لرسم لوحاته التجريدية مستخدما فى ذلك وسائل خارجة على المألوف كسكب الطلاء اللونى مخففا على عصا وإسقاطه كقطرات، أو فى أشكال دائرية على قماش اللوحة المفروش على الأرض.
ولكى تكتمل قراءتهم للوحات، ندعهم يكتشفون الرموز التى تمثلها الحيوانات، والزهور، والفاكهة، فى اللوحات، فالكلب يرمز إلى الوفاء، ووحيد القرن إلى النقاء، والوردة رمز الحب، والتفاحة الخطيئة، والرمان البعث والنشور، والكرز جنات النعيم..
وعلينا أن نسألهم: ما الذى تحملك هذه اللوحة على الشعور به، فيتعلمون كيف يناقشون مع الآخرين ما تسثيره فيهم اللوحات الفنية من عواطف..
اغرسوا محبة الفن الأكبر من الحياة فى نفوس أولادكم منذ الصغر..
خذوهم إلى المعارض ليشاهدوا اللوحات التى تبهر العقل،
وشجعوهم على أن يطيلوا الوقوف أمامها.
اجعلوا من منازلكم فردوسا من الفن،
ومحرابا للتشكيل والتجسيد،
وللألوان والظلال.
ضعوا الكتب والمجلات التى تضم صورا للوحات الفنية العظيمة فى متناولهم،
واهتموا بوضع صورهم المفضلة معلقة فوق فراشهم فى البيت،
تتحوّل أمام عيونهم إلى روائع كاملة الأحجام.
الصقوا بعض اللوحات على باب الثلاجة،
ليراها أولادكم بهدف التذوق والنقد خلال ترددهم عليها، طلبا للطعام والشراب، فينشئوا كيف يشعرون أن الفن جزء مغذٍ وممتع من حياة كل يوم، كالحليب، والبيض، والزبدة.
فحتى أولادكم الذين لا يملكون موهبة الإبداع
فإنهم على الأقل سيتذكرون بامتنان ساعات السعادة التى جادت عليهم اللوحات بها.
الفن يبدأ من بيوتكم.
ومن بيوتكم ينتشر الجمال.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة