يوم كامل لم يحصل قسم التحرير على محضر تحريات.. يوم كامل لم يدخل مشتبه فيه القسم..
طلب مأمور القسم الضابط مصطفى بملف التحريات كى يطمئن على عدد المشتبه فيهم اليوم.. فلم يجد أى اسم..
قال له: إيه يا حبيبى ولا اسم؟
رد مصطفى خائفا: ما هو مفيش حد اشتبهنا فيه يا فندم النهاردة..
انفعل المأمور ورمى الملف فى وجه مصطفى وقال: يا سلام؟.. هو أنا فاتح القسم عيادة أسنان؟.. الناس هتيجى تكشف.. اطلع يا باشا هات 10 تحريات دلوقت.
ـ منين يا فندم.
ـ اتصرف.. هو أنت متخرج من كلية سياحة وفنادق؟.. أنت كلية شرطة.. يعنى تخلق مجرمين.. مفيش يوم من غير محاضر تحرى.. يتقال علينا إيه؟ مش بنشتغل.. ساعتها هيقعودنا فى البيت نجيب طلبات للمدام.
ـ حاضر يا فندم.. ساعة ويكون عند حضرتك 100 مجرم بجرايمهم.
خرج مصطفى من غرفة المأمور وهو فى دهشة.. يفكر ماذا يفعل الآن؟ الساعة الثانية بعد منتصف الليل.. والجو شتاء.. لن يجد أحدا بالشارع يسير..
نادى على أمين الشرطة (مأمون الحلو) وأخبره أن يحضر سيارة مينى باص كبيرة فى الحال.. لعمل حملة تفتيش وتحريات فورية.. استجاب مأمون فى سرعة البرق لطلب الضابط مصطفى، وأحضر مينى باص (الواد حواكة مغرز) من الموقف ولم يحضر ميكروباص (الواد زيكو ملك الرل)، لأن ميكروباصه شريك فيه أمين شرطة صديق..
خرج مصطفى من القسم بحملته من المخبرين وأمناء الشرطة داخل السيارة المينى باص التى تعمل على خط تحرير هرم..
(المخبر.. وظيفة غير موجودة إلا فى مصر.. وهى تحظى باهتمام كبير من قبل المجرمين، لأن المجرم إذا تخطى 15 جريمة يستطيع أن يلتحق بهذه الوظيفة.. كنت قديما تعرفهم فورا أن تراهم.. النظارة السوداء التى يلبسها بالليل.. جريدة الأهرام المخرومة التى يستلمها من القسم التابع له.. البالطو.. معلقا على صدره لافتة مكتوب عليها مخبر سرى.. يعنى هيشرب شاى ببلاش وياكل.... الشرطة الآن أفلست.. فلم توفر لهم الملابس الرسمية.. فكل مخبر يأتى بملابسه من المنزل.. وتحولت صفات المخبر القديمة لوظيفة أخرى تسمى بأمين الشرطة، وهذه الوظيفة عملت بها الشرطة بعد نجاح وظيفة المخبر القديمة وغيروا ملابسهم لملابس تقترب لملابس الضابط حتى تكون هناك شرعية، لوجودهم فى الشارع.. أما المخبر الآن ساءت حالته تعرفه من بعيد جداااااااا، لأنه عادة ما يذكرك برائحة خراء بمرحاض عام لم ينظف لمدة ثلاث سنوات متواصلة.. وقام أمين الشرطة بمهامه.. فلا معاش لهم ولن يستطيعوا أن يحصلوا على ما كانوا يحصلون عليه فى القديم..)
تحرك المينى باص متجها إلى لا مكان.. والغريب أن أمين الشرطة لم ينزل من المينى باص ليقوم بالتفتيش والبحث عن رجل بلا بطاقة.. لم يتحرك مخبر من مكانه.. هم يسيرون بالمينى باص، وكلما نادى شخص على اسم منطقة يقولون له اركب..
الغريب 1: حلوان.
المخبر: اركب..
الغريب 2 : هرم.
المخبر: اركب..
الغريب 10: إمبابة
المخبر: اركب..
حتى يمتلئ المينى باص تماما ويتجهون إلى القسم.. لا ينزل أحد من مكانه، لأن المينى باص متجه إلى مكان واحد هو القسم، وهناك يفتشون ويبحثون ويبيتون ويموتون..
وتحول مأمون الحلو لسائق المينى باص وبدأ يفعل مثلما يفعلون بالظبط.. مأمون بالفعل كان يعمل سائقا لولا ربنا فتح عليه واشتغل أمين شرطة.. ولم يوقف أحد المخبرين كتباع حتى لا يشك فيه أحد، لأنه لو نادى على اسم منطقة بعينها سيخسر زبائن كثيرة.. والمطلوب عدد أكبر..
المينى باص امتلأ..
شعر الغريب 6 بقلق لأن المينى باص لا يسير فى الشوارع نفسها الذى يسير بها كل يوم.. فمال على من بجواره الغريب 2 .. وسأله هو ده رايح فين؟
فقال له الرجل الغريب 2.. رايح حلوان.
الغريب 6 : أنا رايح إمبابة..
الغريب 2: لا دا رايح حلوان.
الغريب 6 : لا رايح إمبابة.
الغريب 2 : حلوان.
اشتد الحوار بينهم وتشاجرا إلى أن سالت دماءهم.
تدخل الغريب 5: إيه فى إيه صوتكم عالى ليه كده؟
الغريب 4 تتطوع ليشرح موقف الغريبان للغريب 5 فقال له: الراجل ده رايح حلوان وبيقول للراجل إن العربية دى رايحة إمبابة والعكس..
الغريب 5: يعنى العربية دى رايحة فين؟
الغريب 4: العربية دى رايحة الهرم إن شاء الله العظيم.
الغريب 5 : لا دى رايحة صفط اللبن..؟
وعلا صوتهم وتشاجرا حتى تم فتح نافوخ الغريب 7 الذى كان بجوارهم نائما، فاستيقظ، ومسح دمه الذى سال ونام مرة أخرى..
والغريب 1 الذى عرف إلى أين هى متجهة هذه السيارة.. لم يتحدث طوال الطريق، لأنه ركبها من قبل فقرر الصمت، لأنه فى المرة السابقة تحدث وثار جنونه.. وضرب أمين الشرطة فتم ضربه وصنعوا له علامة صغيرة عند مؤخرته حتى يتذكرها كلما جلس فى أى مواصلة عامة.. وأخبره أمين الشرطة.. ابقى أقف بقى وخليهم يحكوا فيها بدل ما تقعد وتحرقك.. ولكنه حفاظا على هذه المؤخرة الوحيدة التى يملكها قرر أن تحرقه بدل الاحتكاك بالعامة..
تدخل أمين الشرطة.. لكى يخفضوا من صوتهم بعد أن ترك قيادة المينى باص للضابط..
فقال لهم إيه فيه يا ولاد الوسخة؟ عرف الجميع أنهم مقبلون على عملية انتحارية من هذا الصوت... حتى نادى الغريب 10 على أمين الشرطة.. وقال له: أنا الغريب 10 فاكرنى؟ كنت بقضى منك حشيش من يومين.. ضربه بالقلم.. وقال له.. فين ياد العشرة جنيه الباقية عليك.. هو أنا هصرف على أمك.. ؟ فقال له الغريب 10 بعد أن ضحك ضحكة استنجاد به فى هذا الموقف: خد يا باشا 10 جنيه وكمان ميه جنيه تانى وهات ربعاية.. أخرج أمين الشرطة من جيبه قطعة سلوفان بها الحشيش وأعطاها للغريب 10 فقال له: دى بسكوتة يا باشا.. فضربه بالقلم مرة أخرى حتى ارتعد الجميع وبدءوا فى شراء باقى الحشيش الموجود بجيب أمين الشرطة، على الرغم من أن أغلبهم لا يشربونه.. ثم وضع الغريب 10 الحشيش بجيبه وقال : مش مهم يكون أصلى مضروب مضروب.. يا باشا أى حاجة منك دماااااغ..
قام الغريب 3 وأخبر أمين الشرطة أنه لابد أن يذهب لمنزله حالا، لأن والده توفى وذهب ليدفنه ويجهز الغسل وأوراق الدفن.. وظل يبكى كثيرا فقال له أمين الشرطة: ما يموت هو هيخش القسم والباشا المأمور هيسأله مات ليه.. ؟ يا عم أريحله.. وأهو ريحنا.
ضرب الغريب 3 أمين الشرطة حتى سال دمه وشتمه وقال له: أبويا مات .. مات يا ولاد الكلب أبويا مات، وبدأ يضرب نفسه بشدة ويصرخ.. استيقظ الغريب 7 ليضرب الغريب 3، لأنه أسال دم أمين الشرطة.. وهاج الجميع والأصوات تعالت والخناقات كثرت داخل المينى باص.. والدم سال بشدة من المينى باص حتى توقف تماما فوقف الضابط بابتسامة.. وقال: وصلنا..
من كتاب كفيف لثلاثة أيام
الصادر عن دار العين