حسنا فعلت الإعلامية المتميزة منى الشاذلى فى برنامجها "العاشرة مساء" الأسبوع الفائت، عندما التقطت خيطا يحاك فى الظلام بمهارة فائقة، وهو إمكانية وضع قيود جديدة وقوانين تُضيق على العمل الإعلامى.. لتعبر عن هموم يمكن أن تضاف فى الفترة المقبلة على كاهل الإعلاميين، ستتسبب فى إرهاقهم بجانب مشاكلهم الحالية مثل عدم إتاحة المعلومات، والقيود المفروضة على حرية الرأى والتعبير، وإلغاء حلقات برامج ومنع ضيوف بعينهم.
منى الشاذلى، بحدسها، ربطت بين عدة أشياء، أولها الهجوم الشرس الذى تلقاه الإعلامى الشهير محمود سعد بسبب حلقة المصالحة الفاشلة بين المحامى مرتضى منصور والإعلامى أحمد شوبير، والتى تسببت فى هجوم عارم عليه، وعلى برنامج مصر النهاردة، من أعضاء البرلمان، ومن رأس مجلس الشعب نفسه الدكتور أحمد فتحى سرور رئيس المجلس، ثم مؤتمر الإعلام والقضاء الذى عقد بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، والذى شهد سخطا عاما من معظم القضاة، على أداء الإعلاميين وبرامج التوك الشو، ووصفها بأنها "تُنَصِّب" محاكم موازية لمحاكم القضاء.
يكاد موقف منى الشاذلى يكون مربكا، عندما تناقش هذه القضية؛ حيث تعتبر واحدة ممن ينالهم نقد حاد وتضييق سياسى فى أوقات كثيرة، بسبب جرأتها فى أحايين كثيرة فى مناقشة قضايا تمس وتحرج النظام، لذا كان من المتوقع أن تتخذ موقف المدافع عن الحريات وإطلاقها دون قيد، لكنها بكل منطقية وحرفية عالية كانت "منى" حيادية تماما وهى تطالب بحق القارئ والمستمع فى المعرفة، وتعترف بأخطاء الإعلام، وتطالب بضرورة التصدى لتجاوزاته الزائدة على الحد أحيانا، لكنها شددت فى الوقت نفسه على أن حصانة أى مهنة وتقدمها تقتضى عدم الانتقاص من مكتسباتها، الحقيقية، مطلقا.
هذه القضية الخطيرة، التى تتواكب مع فترة التغيرات والحراك الذى تشهده مصر هذه الأيام وستشهده فى السنوات المقبلة بدءا من انتخابات مجلسى الشعب والشورى، وانتخابات الرئاسة، وما يليها، يمكن أن نلخصها فى كلمة راقية بدأ بها ، وختم بها أيضا المستشار أحمد مكى– بناء على طلب منى الشاذلى- وهى: "إن حرية الكلمة هى المقدمة الأولى للديمقراطية، وإن استقلال القضاء هو الضمان الأخير لها".. هذه الجملة غير العادية من الرجل غير العادى أيضا، تستحق أن يضعها رجال الدولة والقضاء والإعلام نبراسا لهم.
ما نبهت إليه وأشارت منى الشاذلى إليه، أكثر من مرة، وهى تضبط إيقاع حلقتها التى شارك فيها نخبة "المستشار أحمد مكى، والإعلامى الشهير حافظ الميرازى مدير مركز "....." بالجامعة الأمريكية، وناجى الشهابى عضو مجلس الشعب والمطالب بالمراجعة بشدة للبرامج، والإعلامى وائل الإبراشى رئيس تحرير صوت الأمة ومقدم برنامج الحقيقة"، أن "الحلقة" محاولة لأن تسير بلادنا مصر فى طريق أفضل، وأكثر صوابا، ومحاولة إيجاد خطة موازية لمواجهة أى تدابير للتضييق على الإعلام.
وحسنٌ أيضًا وضرورى ما طالب به "الميرازى" و"الأبراشى"، بضرورة الالتزام بميثاق شرف إعلامى يضعه فقط أهل المهنة، والأدرى بشعابها،.. وبمطالبتهما أيضا بإتاحة مساحة أكبر من الحرية للإعلام الخاص وبرامج التوك الشو، لأن الحرية ليست منحة؛ وإنما حق أصيل.. وأكدا أن مساحة الحرية المتاحة لا تزيد على 15% مما ينبغى أن يكون، وقارنا بين المطالبات بالتضييق على هذه البرامج، و"التطبيل والنفاق الحكومى"، فى القنوات التى "هى ملك للشعب" وتحتكرها الحكومة.
منى وضيوفها ناقشا قضية ملحة تقع فى المنطقة الوسط، بين الأخطاء التى تكررت فى البرامج، والحرية اللازمة لهذه البرامج ووسائل الإعلام لتُؤدى دورها المنوط بها، مع ضرورة حساب المخطئ من الإعلاميين سواء بالاعتذار أو الغرامة أو غيرها من الوسائل.. وفى نفس الوقت لابد من الحفاظ على مكتسبات حرية الإعلام، وزيادتها إلى أقصى حد، والأهم الحفاظ على حق القارئ والمستمع فى معرفة ما يدور حوله، والواقع الذى يعيش فيه بحيادية.
حلقة مهمة وتذكارية رائعة يمكن أن نستشهد بها فى يوم من الأيام على أن هناك من كانوا يقاومون إصدار قانون لتقييد حرية الرأى والتعبير.. حلقة تحذيرية ربما نتذكرها بعد أن تقع الفأس فى الرأس، ونبكى على لبن سكبه عجزنا الفاضح وعدم دفاعنا عن مكتسباتنا وحقوقنا الأصيلة.. لكن هل هذه الحلقة كافية؟.. لا أظن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة