شاركت مبكراً فى أولى سنواتى الجامعية فى النشاط الطلابى السياسى، وكانت المظاهرات هى أحد أهم وسائل التعبير عن غضبنا ورفضنا لسياسات نظام الرئيس الراحل أنور السادات، وكان لى نصيب مما يصيب المتظاهرين من قمع وضرب وسباب وخطف، فقد خُطفتُ وزملاء آخرين من أمام باب الجامعة عقب اشتراكنا فى مظاهرة منددة بوصف الرئيس السادات لانتفاضة يناير 1977 بأنها انتفاضة حرامية، رفضنا الوصف، الذى اعتبرناه بذيئا، فى وصف حركة جماهيرية عفوية واسعة شملت مصر من القنطرة إلى وادى حلفا ومن الإسكندرية إلى أسوان، وقد كان لنا زملاء كثيرون فى قبضة الأمن بعضهم قبض عليه ليلة 18 يناير قبل أن تندلع المظاهرات، ومع ذلك جرى اتهامهم بالضلوع فى تخطيط وقيادة تلك المظاهرات العارمة فى شتاء العام 1977.
علت حناجرنا بالمطالب التى رفعها المتظاهرون فى 18 و19 يناير وزدنا عليها مطالب أخرى بالإفراج الفورى عن المعتقلين من الطلاب والعمال المتهمين فى القضية، ودخلنا السجن وخرجنا، ومن بعد شاركت فى عشرات المظاهرات، وحين أتابع اليوم هوجة التظاهر العفية أحس أن شبابى ما زال ممتداً فى آخرين، هم أفضل منا وأكثر صلابة، وربما أكثر وعياً، ولا أخفيكم أنى كثيراً ما فكرت فى أن أشارك فى هذه المظاهرات، ولكن شيئاً ما يمنعنى فى آخر الأمر.
ربما صرت عجوزاً، وربما أصابتنى حكمة السنين بوجع فى الزائدة البطولية التى كنت أتمتع بها وأنا شاب فى مقتبل العمر، وكنت ممن يسمون بالمتهورين، وحدث معى ومع كثيرين من جيلى ما يحدث اليوم مع شباب الحركة الوطنية سواء شباب 6 أبريل أم شباب الحركات الأخرى، قيل فينا نفس الكلام وألقيت علينا نفس التهم، وتحمسنا فى مواجهة القائلين علينا، وقابلنا قولهم بالازدراء، وتعاملنا مع نقدهم بعدم الاكتراث، باختصار أعرف نفسية الشباب، وجربت ما يحدث معهم وبينهم اليوم، كأننا نسخة كربونية، الفارق فى لون الكربون، وليس فى نوعية النسخة وما فيها من محتويات.
الشىء المؤكد أن مواصلة طريق التظاهر إلى ما لانهاية لن يفضى إلى شىء إلا إذا توحدت مواقف القوى الساعية إلى التغيير، ساعتها يمكن أن تتحول المظاهرات إلى فعل إيجابى متراكم وقادر على الإنجاز الحقيقى، وأستطيع أن أزعم أن شيئاً لن يتغير إذا بقيت هذه القوى تتعامل مع المظاهرة باعتبارها غاية فى حد ذاتها، غاية تبتغى ويسعى إليها الداعون إلى التظاهر تحت دعاوى ولأسباب شتى، ليس من بينها أن تكون المظاهرة وسيلتنا ليس للرفض أو التعبير عنه فقط ولكن للتغيير الايجابى.
المظاهرة وسيلة وليست غاية، هذا ما أريد أن أقوله هنا بوضوح، وقد أنجزت موجة المظاهرات التى انطلقت شرارتها مع انطلاقة حركة كفاية وتوابعها شيئاً كبيراً ومهماً، فقد كسرت حاجز الخوف عند الناس، وتعلم المتظاهرون فنوناً لم يكن ليعرفونها وهم قاعدون فى البيوت، وهى الأب الشرعى لكل حركات الاحتجاج المطلبية التى تتابع وتتزايد يوما بعد يوم.
ورغم كل ما تحقق أقول إن طلاب التغيير فى حاجة إلى وقفة حقيقية مع النفس، كل الساعين والراغبين فى التغيير مطالبون بهذه الوقفة، مطالبون بأن يعوا أنهم فى حاجة ملحة إلى كسر دائرة المظاهرات الجسورة محدودة العدد فى مواجهة تضخم أمنى لا يمكن مواجهته إلا بتنظيم أفضل ومشاركة أكثر فعالية من جموع الناس.
إن أى تغيير حقيقى لن يحدث لو أننا مع طلعة كل صباح نسمع عن جماعة جديدة تخرج من جماعة قائمة يصبح لها أمناء ومتحدثون وسكرتارية، حتى صار عدد الجماعات بعدد الأشخاص المنضوين فى حركة التغيير!.
الوقت للتجمع وليس للفرقة، وهو لن يمهل المطالبين بالتغيير طويلاً، وأقولها على بلاطة: لا تغيير حقيقى يمكن أن ينجز فى مصر بدون أن يضع العلمانيون أيديهم مخلصة فى يد الإسلاميين، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، التى بدأت حواراً مع كل الأحزاب والقوى السياسية، أتمنى أن يتم تحويله إلى حوار جاد من أجل التغيير حتى لا يقع فى إغراء تحقيق المكاسب الصغيرة والمرحلية التى لا قيمة لها على المدى البعيد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة