حاتم حافظ يكتب: البرادعى أجمل رجل غريق فى العالم

السبت، 24 أبريل 2010 10:43 م
حاتم حافظ يكتب: البرادعى أجمل رجل غريق فى العالم حاتم حافظ

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"أجمل رجل غريق فى العالم" قصة قصيرة كتبها ماركيز فى الستينيات وتحكى عن قرية ساحلية مكونة من عشرين بيتا فحسب تصلها جثة رجل غريق، ومع أن وصول جثة غريق ليس بالأمر نادر الحدوث فإن الوصول هذه المرة يقلب أحوال القرية كلها بناسها وبيوتها، فقط لأن هذا الوصول هو الأجمل على الإطلاق فى تاريخ القرية، وفقط لأن هذا الذى جاءت جثته هو الأجمل فيما يعرف أهل القرية من غرقى.

ولأن الرجال كانوا قد رحلوا للقرى المجاورة لاكتشاف هوية هذا الغريق، فإن النساء ـ وحدهن ـ قد حصلن على الوقت والظروف الكافيين لاكتشاف أن هوية الغريق مطبوعة فى الطريقة التى وصل بها والتى يرقد بها أمامهن وليس فى بطاقة هويته "كان أطول من رأين من الرجال وأقواهم وأكثرهم رجولة وأحسنهم بنيانا"، "قارنّ بينه وبين رجالهن وانتهين إلى دفن رجالهن فى أعماق قلوبهن كأكثر المخلوقات ضعفاً وخسة وخيبة على وجل الأرض".

أما الرجال فبعد عودتهم وتأكدهم أن الغريق لا ينتسب لأى من القرى المجاورة فقد قرروا التخلص منه بإعادته مرة أخرى للبحر، حتى بعد أن رأوه واكتشفوا أن مثل هذا الرجل يستحق أسطورة، حتى أنهم فكروا فى ضرورة معاملته بلطف فربما فكر بينه وبين نفسه أنه كان أجدر به أن "يبحث عن مكان أكثر أماناً ليغرق فيه".. كان أكثر ما يخشونه فى هذه اللحظة ألا يكونوا جديرين بكل هذا الجمال الغريق.

الأهم أنهم ـ رجالا ونساء ـ بينما كانوا فى طريقهم لتوديعه فى موكب أسطورى تنبهوا لأول مرة "لشوارعهم الخربة والمقفرة، وحدائقهم المجدبة، وضيق أحلامهم" حتى أنهم بدأوا فى التفكير فى أن زيارة مثل هذا الرجل ليس لها أن تمر دون طائل، فكروا فى "أن كل شىء سيكون مختلفاً من الآن فصاعداً، ستكون لبيوتهم أبواب أوسع، وسقوف أعلى وأرضيات أقوى".

الآن أعرف أن التفكير فى هذه القصة بينما أتابع تحركات دكتور محمد البرادعى ليس ترفاً، ففى ظنى أن البرادعى لن يكون بمقدوره فعل أى مما يتصور الناس فى مصر أنه قادر عليه أو مما يأملونه منه، فعلى الأقل هو لا يحمل عصى موسى. أى أننا لا يجب أن ننساق لتيار التمنيات المتفائلة، ولكننا أيضا لا يجب أن نتوقف عن التفكير فى المستقبل الذى قد نؤرخ له بداية من البرادعى وقد لا نفعل. البرادعى جاء ليدفع الحراك السياسى خطوة، خطوة واحدة ولكنها هى الأهم، ومع هذا فإن كلام البرادعى وتحركاته الهادئة تشى بأنه يضع نفسه فى المكان الذى يستحقه دون مبالغات أسطورية وهو ما يجب أن نتفهمه.

ما يسأل عنه الناس طوال الوقت: ما الذى بمقدور البرادعى فعله؟ وما الذى يريده البرادعى تحديدا؟، إن الانشغال بهذين السؤالين ينحيان جانبا السؤال الأهم والأجدر والأجدى: ما الذى نريده من البرادعى وما الذى بمقدورنا تقديمه له. فإن كنا بانتظار حضور أسطورى لبطل خرافى فالبرادعى ليس أكثر من رجل غريق وجميل قذفته الأمواج فى طريقنا لنرى كم أن بيوتنا خربة. فهو كغريق ماركيز ليس بوسعه تغيير العالم، ولكنه ـ كغريق جميل ـ بوسعه بعث الأمل فى نفوسنا حتى نفعل ما يجعلنا جديرين به، أو ما يجلعنا جديرين باستقباله كقرية ماركيز الذين قرروا أن يطلوا "واجهات منازلهم بالألوان المرحة ليخلدوا ذكرى استيبان، وهو الاسم الذى أطلقوه على غريقهم، وسوف يكسرون ظهورهم وهم يحفرون بحثا عن عيون الماء وسط الأحجار ويزرعون الزهور على المنحدرات". علينا من الآن فصاعدا الكف عن السؤال فى البرادعى كبطل أسطوري، وحتى إن أردناه بطلا أسطوريا فعلينا معرفة أن البطل الأسطورى يستدعيه شعب أسطورى.

ما أريد أن أوكده هنا أن كل ما يفعله البرادعى وكل ما يزمع فعله لن يكون له معنى ولا جدوى إن لم ننصت له جيداً، فما نحتاجه فى هذه الظروف الحرجة ليس أكثر من نقلة نوعية فى مسار كل هذا التراكم الكمى من الاحتجاجات والتظاهرات والاعتصامات، هذه النقلة النوعية تحتاج وعيا وعقلانية وليس حنجرة متينة، لهذا فإن على الذين يتصورون البرادعى بطلا أن يكفوا عن الصراخ وأن ينصتوا لعقلانيته التى لن تعجب البعض ممن ينتظرون بشارة نبي، لأن البرادعى لن يأتى بمعجزة إن لم نكن جديرين بها، ولن يكون نبيا إن لم نكن نحن ـ الذين يسموننا الشعب المصرى ـ عصى موسى، فعلى الأقل علينا أن نكون ـ إذا ما طلبنا معجزة ـ جديرين باستقبال المعجزات، حتى ولو كانت معجزة وصول رجل غريق وجميل إلى قرية ميتة.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة