◄◄ استنجدت بشخصين يستقلان دراجة بخارية حتى قال أحدهما: «ربنا يعوض عليكى»
«منهم لله الظلمة إهمالهم خطف منى ابنى الكبير فى غمضت عين، كان متفوق فى دراسته وكان نفسه يبقى مهندس عشان يساعد أبوه الغلبان، لكن حسبى الله ونعم الوكيل فى اللى كان السبب، قتلوه وكل واحد بيرمى التهمة على التانى، لكن ربنا مش هيسبنى وهيجبلى حقى منهم، حقى فى ضنايا اللى عمرى ما كنت أتصور إن دى هتكون نهايته».
جاءت هذه الكلمات المخلوطة بالدموع على لسان والدة الطفل «محمود» شهيد إهمال كوبرى الساحل عندما التقت بها «اليوم السابع» داخل منزلها بشارع البصراوى بإمبابة، وهى تحمل طفليها التوأم عمر وأحمد وبجوارها يجلس شقيقهما الثالث مصطفى، وعندما طلبنا منها أن تروى علينا ما حدث منذ البداية انفجرت فى البكاء بضع دقائق حتى تمالكت نفسها وبدأت تحكى لنا مأساتها قائلة: استيقظت فى حوالى الثانية صباح يوم السبت على بكاء نجلى «أحمد» وعندما كشفت أن ارتفاع درجة الحرارة هو سبب بكائه قررت حينها إيقاظ زوجى «محمد» ليصطحبنا إلى المستشفى للكشف عليه وإسعافه.
إلا أن زوجى أخبرنى بأنه يحتاج للنوم حتى يتمكن من الاستيقاظ فجرا لأداء عمله اليومى فى توصيل العيش للمنازل، وطلب منى اصطحاب «محمود» نجلى الأكبر، فتوجهت إليه وأيقظته من نومه وخرجنا سويا فى حوالى الساعة الثالثة فجرا إلى موقف سيارات الأجرة بإمبابة، وطلبت من السائق إنزالى أمام مستشفى الحميات إلا أننى فوجئت به يخبرنى بعد منتصف الطريق أنه نسى طلبى وسار بطريق آخر يبعد عن طريق المستشفى وأرشدنى بالنزول أعلى كوبرى الساحل والسير حتى أصل إلى المستشفى، ووسط الكوبرى وعلى الجزيرة التى تتوسط الطريقين سار عليها «محمود» وسرت أنا بجواره بالأسفل ويده فى يدى وبيدى الأخرى أحمل «أحمد» الذى اشتد عليه المرض، وسرنا يغطينا الظلام من كل اتجاه لعدم وجود أى إضاءة على الكوبرى.
وفى تلك اللحظة وفى أقل من غمضة عين أصبحت يدى التى كانت بيد «محمود» خاوية وفقدته فى مكان لا أعلم حقيقته، فقمت بالصراخ واستغثت بالمارة لعل أحدهم يتوقف ويبحث معى عن ابنى الذى اختفى، إلا أننى وجدت الناس قلوبهم قد خلت من الرحمة ومرت عدة دقائق وأنا على حالى أصرخ وأجرى يمينا وشمالا حتى تمكنت من إيقاف شخصين يستقلان دراجة بخارية، وقلت لهم ابنى كان معايا واختفى منى وأظن أنه سقط فى حفرة، فقام كل منهما بالبحث فى تلك الحفرة ومحاولة استكشافها بأضواء الهاتف المحمول حتى أخبرنى أحدهم قائلا «ربنا يعوض عليكى، ابنك غرق فى النيل».
وحينها صرخت كالمجنونة لا أدرى ماذا أفعل، ابنى الذى كانت يده فى يدى منذ دقائق أصبح الآن فى الأسفل فى قاع مظلم ووحشة مميتة، وطلبت منهم الإمساك بأحمد المريض حتى أنقذ ابنى الا أنهم منعونى وقالوا لى مفيش أمل، وطلب واحد منهم رقم هاتف أهلى للاتصال بهم وإخبارهم بالحادث، وبالفعل اتصل بهم واتصل أيضا بالنجدة التى لم تنجدنى حتى وصل أفراد أسرتى وتوجهت مع شقيقى إلى قسم شرطة إمبابة الذى احتجزنى أربع ساعات.
ووجدت أشقائى وباقى أقاربى فى المكان ينتظرون ظهور جثة نجلى، وعندما طلبنا من مسؤولى الإنقاذ النهرى إنزال غواص للبحث عن ابنى رفضوا ذلك بحجة أن أسفل الكوبرى توجد بعض الشباك والأسلاك الحديدية، مما يمثل خطورة على حياة الغواص، وفى حوالى الساعة الحادية عشرة شاهدت جثة نجلى تطفوا على سطح المياه بالقرب من الكوبرى فاستقل أشقائى أحد القوارب وتمكنوا من انتشاله.
وقالت والدة شهيد كوبرى الساحل إنهم سيرفعون دعاوى قضائية ضد المسؤولين فى هيئة الطرق والنقل بالجيزة والقاهرة، بالإضافة إلى المسؤولين عن الكبارى فى كلتا المحافظتين.