شعارات «رصيف البرلمان» من «هتاف الصامتين» إلى «صرخات المقهورين»

الجمعة، 23 أبريل 2010 12:51 ص
شعارات «رصيف البرلمان» من «هتاف الصامتين» إلى «صرخات المقهورين» هتافات ضد الدولة
عادل السنهورى - تصوير - أحمد معروف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄ الشعارات تجاوزت وسائل الاحتجاج التقليدية مثل النكتة والكتابة على الجدران والسيارات وعربات الكارو
◄◄ من ياعزيز ياعزيز كبه تاخد الإنجليز حتى غلّو السكر غلو الزيت خلّونا بعنا عفش البيت .. المصرى ينتفض

من أخرج الصامتين من هتافهم؟ ومن أطلق صرخات الاحتجاج من قمقم «رسائل الإمام الشافعى» وكتابة شعارات الاستغاثة واليأس على الجدران وهياكل سيارات النقل وعربات الكارو إلى أصوات هادرة وغاضبة، احتجاجا على وضع اجتماعى بائس وحياة معيشية متدنية؟

التطور اللافت والنقلة المثيرة فى حياة المصريين من حياة الصمت والشكوى والمناجاة سرا إلى حناجر زاعقة بشعارات تعكس حالة الانفجار الاجتماعى لفئات لم يكن من المتصور أن تثور لإعلان الرفض علانية على رصيف البرلمان أو أمام الشركات والمصانع أو داخل البيوت وتكسر حاجز الخوف بعد أن ضاقت بهم سبل العيش والحياة الكريمة.

واللافت أيضا أن تلك الشعارات تبلور واقعا معيشيا وهموما اقتصادية دون الانحراف الحاد إلى الشعارات السياسية العامة وهو ما يشكل تطورا فى شكل ومضمون فن الشعارات فى مصر وبأداء رائع من فئات المستضعفين والخاسرين فى معركة التحولات الاقتصادية والاجتماعية.

ولو كان العمر قد طال بالمرحوم الدكتور سيد عويس (1913-1988) رائد علم الاجتماع الشهير وصاحب الدراسة المعروفة «هتاف الصامتين»، لكان أرخى السمع طويلا لهتاف المظاليم الجدد الذين شبوا على طوق الصمت وحطموه بعد أن كانوا لا يقوون على البوح فى ظل تسلط دولة وجبروت أجهزة ومسؤولين وحولوا الصمت إلى شعارات تختزل عبارات بليغة شديدة المعنى والإيحاء تعكس عذابات المهمشين من موظفين وعمال وفلاحين يتوسلون أو يتسولون الخلاص من بؤس واقع اجتماعى معاش. ومثلما جمع الدكتور سيد عويس ألف جملة مكتوبة على السيارات وعربات الكارو وفى جدران الحوارى والأزقة والطرقات فى مصر المحروسة من البسطاء والمستضعفين تعبر عن آلام الصمت، جأر الآلاف من الموظفين والعمال والفلاحين بمئات الشعارات التى باتت بمثابة «إعلام شعبى للمقهورين».

فمن على رصيف البرلمان ردد عمال بتروتريد والمحلة وطنطا للكتان وأمنسيتو وغزل الفيوم وموظفو تحسين الأراضى والنوبارية ومراكز المعلومات والضرائب العقارية والآثار وأهالى الدويقة والمعاقون شعارات تلخص واقعا اجتماعيا واقتصاديا وتختزل حالة الغليان والانفجار وتفضح حجم الجرائم التى ترتكب فى حقهم وفضح مرتكبيها ومنها.

ردد العمال والفلاحون والموظفون« حق العامل فى الدستور.........المسؤول فتحى سرور.
ما هم فضيو خلاص للكورة........حلوا مشاكل المصريين........حلوا مشاكل الجماهير
جدو يا جدو..........جدو يا جدهم.. وأنت يا رب هدهم«
»الحكومة الظالمين، وإحنا هنا معتصمين
إحنا هنا مش ماشيين..إحنا وراكو ليوم الدين، يا حكومة ظالمين«
أمال فين النائب العام
هو فيه نائب عام......هو فيه نائب عام
أهو كرسى والسلام، وعلى القضية نام..ما يمكن فيه نائب عام
نام عليها لصالح مين، ووقفها لصالح مين، ودمرها لصالح مين
لواحد من المرتشين«
«فيه ورانا إيد خفيه، على سرقتنا مدربة، على دمارنا مدربة
دمروها لصالح مين»
أنت فين يا سرور...انت فين من العاملين
»فين نواب الشعب فين....فين نواب الشعب فين
على الكراسى مريحين...هما فينا مش سائلين
هما بينا مش حاسين
شاطرين بس فى الانتخابات.....يشحتو منا الأصوات
يا نواب الشعب أمانة...اقفوا مرة واحدة معانا».
وفى كلمات بسيطة ذات دلالات بليغة ترصد واقع الفشل للسياسات الاقتصادية للحكومة فى سياسة الخصخصة وتدمير القطاع العام يرصد العمال فى شعارهم القوى والمعبر قصة النهب المنظم.
«هاتو حق الغلبانين............هاتو حق الشقيانين.....هاتو حق العرقانين
فين هما المستثمرين........هربوا وسرقوا الملايين
خدوا فلوس العاملين..........ودمروا العاملين«
وبدلا من اللجوء إلى أضرحة الأولياء وبث الشكوى للإمام الشافعى، قدموا عريضة المظالم إلى الشارع المصرى على اتساعه: 
»ياللى رايح ياللى جاى.........شوفوا حالنا عامل إزاى
ياللى رايح ياللى جاى........شوفوا الوكسة جاية إزاى
أمنسيتو العالمية........الأولى على الجمهورية
خربوها لصالح مين.........دمروها لصالح مين
هوه إحنا مش مصريين»
ويكشف المصريون فى هتافاتهم وبدون خجل أو صمت هذه المرة حجم المأساة التى تعيش فيها فئة منهم حتى يسمع من به عينان:
«عيشونا على الإعانة..........الإعانة 200 جنيه
وإحنا هنعمل بيهم إيه ابنى نفسه فى الفلوس......علشان حق الدروس.....وأنا أجيب له يا ناس منين
بالذمة دى مش إهانة.........إهانة للمصريين........إهانة للعاملين
إحنا رافضين الإعانة..........إحنا رافضين الإهانة»
وفى هجوم صريح على رئيس الحكومة وبعض وزرائه ومناشدة الرئيس الذى مازال بعض المصريين يرونه «المنقذ« بالتدخل لحل مشاكلهم يهتف العمال: 
«أترمينا على الرصيف...........من سياستك يا نظيف
فين حكومتك يا أبوجمال..........ضيعت حق العمال
يا مبارك قول لسرور.......المصانع لازم تدور
يا مبارك قول الحق.......أنا مصرى ولا لأ
يا نظيف قول الحق.......أنا مصرى ولا لأ
فين حق الشقيانين........فين حق التعبانين
شاطرين بس موافقين.............على دمار العاملين
هما فينا مش سائلين»
يا وزير الاستثمار...يا رب تخش النار
أنت وحسين مجاور....وبقية الظالمين
إيه لزمتها النقابات..........إيه فيدتها النقابات
ما خلاص حق العامل مات
ما فيش نقابات........خلاص حق العامل مات
رد يا حسين مجاور.........إيه فيدتها النقابات
لما نمنا على الرصيف
قال إيه حسين مجاور.....قال رئيس النقابات
إيه لزمتها النقابات
حق العامل فى الحرية.......ضد شوية حرمية
الحرمية المرتشين.....كلوا فلوس العرقانين
الحرمية المرتشين.......كلوا فلوس التعبانين
فضايح الظالمين
حق العامل ضايع ليه..........والحكومة ساكته ليه
بهدلونا على الرصيف وشحتونا حق الرغيف»
وتصرخ الشعارات والهتافات لكى يستيقظ الناس وتستيقظ مصر على الحقوق الضائعة والمنهوبة والظلم الواقع من «حكومة الظالمين»:
»فين الرأى العام فين..........يا بلدنا صحى النوم
دا إحنا بقينا فى سابع يوم.........هما فين مش سائلين
ياللى رايح ياللى جاى..........عايز حقى وأجيبه إزاى
ياللى رايح ياللى جاى شوفتوا الخيبة جايه إزاى
شوفتوا الوكسه جايه إزاى
اعتصامنا دا مشروع.........ضد الظلم وضد الجوع
وإحنا هنا مش ماشيين........إحنا هنا ليوم الدين»
إحنا وراكو يا ظالمين...........يا حكومة ظالمين
بيشحتونا الرغيف......من إخوتنا الطيبين
من جرايرك يا نظيف
وأدى نقطة العريس.......خدناها على الرصيف»
والمتأمل للشعارات يرى أنها تجاوزت كثيرا الوسائل المتعددة التى يترجم بها المصريون آلامهم مثل النكتة وكتابة الشعارات على الجدران والسيارات، بمضامين ذات بعد اجتماعى واقتصادى وسياسى وفى تحد واضح للمتسببين فى آلامهم ومتاعبهم ومطالبة بحقوقهم المشروعة فى لقمة العيش الحلالتتجاوز الشعارات التى يرددها ضيوف رصيف البرلمان فى قوة تأثيرها ومعانيها الواضحة الحكم والأمثال وبعض الكلمات الأخرى التى رصدها الدكتور سيد عويس مثل: «بلاش تروح الكلية وكل جيلاتى ومهلبية»، «آلة الرياسة سعة الصدر»، «إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك»، إلى غير ذلك من العبارات التى يكتبها سائقو النقل واللوريات والتاكسيات.

ومع ذلك فقد توقع رائد علم الاجتماع ما يحدث الآن بين جميع فئات الشعب المصرى من خروج عن الشكوى والهتاف صمتا وقال فى مقدمة دراسته» إن الصامتين فى أى مجتمع وإن بدوا كذلك لا يبقون صامتين على الدوام بل إن صوتهم بأسلوب أو بآخر يرتفع من حين إلى حين إلى الآفاق فهو يجلجل مثلاً عند الصلاة وفى ملاعب الكرة والملاهى والبارات وأثناء الاستماع للغناء برفع صوت الكاسيت وفى النكت ذات المضمون السياسى أو الاجتماعى وحتى عن طريق الكتابة والرسم داخل دورات المياه وقال إن هذه الفئة من الصامتين هم بعض أعضاء هذا المجتمع يعيشون فيه حياتهم حلوها ومرها ويعكسون الكثير من العناصر الثقافية المادية التى اختاروها من هذا المناخ وأن ذلك الذى يفعلونه من خلال الجهاز الإعلامى الشعبى الذى اصطنعوه يؤثر فى نفوسهم كما يؤثر فى نفوس غيرهم».

وفى الحالة الجديدة فإن الأمر يستدعى الدراسة من جديد من علماء الاجتماع والنفس ليفسروا لماذا خرج الصامتون من هتافاتهم، فالتاريخ الشعبى سيسجل مظاهر الاحتجاج الجديدة مثلما سجلت أوراق البردى أول مظاهرة أو احتجاج من الفلاح الفصيح الشهير ورسائله للملك الفرعون الذى اعتصم ببابه سبعة أيام يشكو الظلم.. ويتباطأ الفرعون عن الاستجابة ليستمتع بشقاء هذا الرجل وهو يعيد الشكوى وينمق أسلوب العرض وألفاظه.

ويذكر الدكتور سليم حسن فى مؤلفه «مصر القديمة» أن المصرى القديم عرف التظاهر فقد تظاهر مجموعة من العمال فى عصر رمسيس الثالث لعدم تقاضيهم حقوقهم, وكانوا يتقاضون مقابل العمل الحبوب والزيت وكل ما يمكن العيش به وظلوا16 يوما حاملين المشاعل ليلا حتى ينتبه الفرعون لهم.

ومنذ أن هتف المصريون يا عزيز يا عزيز كبه تاخد الإنجليز.. والاستقلال التام أو الموت الزؤام وحتى يا حرية فينك فينك أمن الدولة بينا وبينك.. وغلوا السكر غلوا الزيت خلونا بعنا عفش البيت والمظاهرات لا تنقطع من الشارع المصرى.

بعض أساتذة التاريخ والأدب الشعبى يرون أن المظاهرات والاحتجاجات الأخيرة ومنذ العام 2007 هى مظاهرات إيجابية, حيث وجد المتظاهرون من يذهب إليهم من المسؤولين ويناقش ما يطالبون به وأحقيتهم فيه وانتهت فى أغلبها إلى عودة الحقوق إلى أصحابها وتلك خطوة جديدة للحكومة, فالاعتراف بالحق ليس مظهر ضعف أو لى ذراع كما كان يفسر قبل ذلك وتتدخل الشرطة بكل قوة للاعتداء والاعتقال والنتيجة خسارة الجميع.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة