◄◄ الدكتور لا يملك تاريخا سياسيا مثل صباحى أو نور أو عاشور أو العريان أو الشاطر
هل أصبح الدكتور محمد البرادعى بطلا شعبيا؟ الرد على هذا السؤال سيكون بالإيجاب فى نظر مؤيديه، فهو فى نظرهم المنقذ والمحرر، وهو الوحيد القادر على مواجهة النظام الحالى، وأنه سينجح فى تغيير صورة مصر من خلال الجمعية الوطنية للتغيير التى يقودها الرجل، وأن شخصيته الدولية باعتباره المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والحاصل على جائزة نوبل، كل هذه العوامل تجعله فى نظرهم بطلا شعبيا، بل إن أحد أعضاء جمعيته قال «إننا نتوقع مع البرادعى جمهورية جديدة، تستند إلى شرعية يوليو بنصفها الديمقراطى الذى دافع عنه الرئيس محمد نجيب، ونصفها الاجتماعى الذى حاول عبدالناصر إنجازه.. وبأحزاب تمثل كل شرائح المجتمع من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار».
ولكن فى المقابل هناك من يراه شخصية عادية، لا تمتلك مقومات المعارضة الحقيقية بالمقارنة بأسماء أخرى، حملت لواء معارضة النظام الحالى لعقود طويلة من خلال أحزاب أو حركات سياسية، أثرت فى الشارع ووجدت قبولا لدى النخبة والعامة، وتعرض العديد منهم للمطاردات الأمنية والاعتقالات لسنوات طويلة، ومن خلال معاركهم أتيح لمصر هامش من الديمقراطية وصل فى بعض الأحيان إلى انتقادات مؤسسة الرئاسة
منتقدو البرادعى يرون أن تاريخه يؤكد أنه لم يمارس أيا من أنواع العمل السياسى، لأنه دخل السلك الدبلوماسى كموظف بالخارجية، وانتهى كمدير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومعنى ذلك أنه بلا تاريخ سياسى مثل الدكتور رفعت السعيد، أو حمدين صباحى، أو أيمن نور، أو سامح عاشور، أوعصام العريان أو خيرت الشاطر.
ويبرر الفريق الذى يرى البرادعى شخصية عادية لا تصلح لقيادة المعارضة فى مصر- موقفهم من المواقف السلبية للبرادعى ولجمعيته التى رصدوها منذ وصوله للقاهرة فى 20 فبراير حتى اليوم، تمثلت فى زيارات وصلوات وبيانات وسفريات، بدأت بأوروبا وانتهت منذ أيام بأمريكا، وكأن الرجل يعيش بجسده فى مصر وعقله وقلبه فى الخارج، حتى أن أحد معارضيه عندما سئل ما رأيك فى التحركات السياسية للبرادعى؟ قال «أعتقد أنها ستكون أفضل عندما يعود لمصر» فى إشارة إلى أنه حتى الآن لم يشعر بوجوده، لأنه فى اعتقاد منتقديه، مازال فى حالة سفر..
وعكست مطالب البرادعى أنه لم يعش الواقع المصرى إلا من خلال ما ينشر فى الصحف، والدليل أنه عجز عن أن يحدد عدد الأحزاب المصرية بل هاجمها، ورفض دعوات بعضها لكى يقود المعارضة من خلالها، وهو أول فشل حقيقى للبرادعى لأنه اعتمد على قوة أعضاء جمعيته، والحقيقة أن هذه القوة كانت موجودة قبل حضوره، وفشلت فى فرض أجندتها السياسية، بل إن بعضها تعرض لانقسامات كما حدث فى حركه 6 أبريل، ونزاعات على المناصب كما هو الحال فى حركة كفاية، وفشل بعضهم فى إدارة معاركهم فى نقاباتهم، وهو ما يعنى أن أعضاء الجمعية التى يحركها البرادعى أو تحركه، ليس لهم باع فى العمل العام أو السياسى، فإذا قارنا بين حمدى قنديل المتحدث الرسمى للجمعية وحمدين صباحى فى الساحة السياسية، فإن الأخير يكسب، لأنه لايعنى.. كونى مقدم برنامج ناجحا أن أكون سياسيا ناجحا، وحتى جورج إسحق مع تقديرنا له، فإنه لم يستطع حتى الآن أن يقنع المنسق العام لحركة كفاية الدكتور عبدالحليم قنديل، أن ينضم لجمعية البرادعى ووصل الأمر إلى أن قنديل صرح أن وجود جورج فى الجمعية بصفة شخصية، ولا يمثل «كفاية».
هذا هو الحال فى جمعية البرادعى التى لم تتحرك إلا للشو الإعلامى، واكتفت باستخدام شباب 6 أبريل فى أن يقودوا النضال بدلا منهم فى الشارع، أما البرادعى وقيادات جمعيته، فإنهم اكتفوا بشرب الشاى والنسكافيه فى حديقة قصر زعيمهم البرادعى، أو عبر استخدام رسائل الفيس بوك التى ينشرها أتباع الرجل، حتى أرقام التأييد التى تزعم الجمعية أنها فى تزايد، مجرد أرقام على الفيس بوك..حتى حرب البرادعى لم تتعد الجلوس على الإنترنت لمخاطبة مؤيديه عبر الـ«تويتر».
إذن، جمعية التغيير التى أسسها البرادعى فشلت حتى الآن فى أن تقدم نموذجا معينا للمعارضة، فلا هى ثارت وشكلت حكومة ظل، ولا هى دخلت فى حظيرة الشرعية، سواء بوضع خريطة عمل مع أحزاب المعارضة، أو حاولت فتح باب النقاش مع الحزب الحاكم، ويعتقد منتقدو البرادعى أن الرجل وجمعيته لو استمرا على هذا الحال، فإنهما فى طريقهما للجمود، لأن أغلب من فى الجمعية لم يقدم نموذج الحوار الجاد مع المعارضة الشرعية أو حتى غير الشرعية..
الأمر لا يختلف مع شخصية وأفكار البرادعى نفسه، فمنذ وصوله لمصر يستخدم نفس نهج المعارضة والقوى السياسية الأخرى منذ سنوات طويلة. فدعوته لإلغاء قانون الطوارئ، أو تمكين القضاء المصرى من الرقابة الكاملة على الانتخابات، أو المطالبة بوجود إشراف من قبل منظمات المجتمع المدنى المحلى والدولى، أو توفير فرص متكافئة فى وسائل الإعلام لجميع المرشحين، خاصة فى الانتخابات الرئاسية، أو تمكين المصريين المقيمين فى الخارج من التصويت، أو كفالة حق الترشح فى الانتخابات الرئاسية دون قيود تعسفية، مع ضرورة أن يكون حق الترشح للرئاسة على فترتين فقط، وأن يكون التصويت ببطاقة الرقم القومى، أو تعديل 3 مواد من الدستور هى 76 و77 و88، جميع هذه المطالب هى جزء من مطالب القوى الشرعية الموجودة فى مصر منذ أكثر من ربع قرن، ومعنى هذا أن الصخب الإعلامى الذى صاحب دعوة البرادعى للتغيير، ما هو إلا نوع من إعادة طرح هذه المطالب فى ظل حراك سياسى حقيقى فى مصر، يتشابه كثيرا مع الحراك الذى ظهر عام 2005، وبالتحديد قبل الانتخابات الرئاسية، ولكن الآن بلغ ذروته مع وجود قوى سياسية أخرى أكثر صخبا مثل حركة شباب 6 أبريل التى راهنت فى البداية على الدكتور أيمن نور، وكانت سندا له أيام سجنه، بل بعد خروجه، إلا أنه مع ظهور البرادعى بدأت الحركه تعيد التفكير فى الحصان الأكثر تأثيرا، خاصة أن هناك من يروج لصعوبة موقف نور وحركة 6 أبريل، وما تمثله من سيطرة حقيقية على شبكة الإنترنت فيما يعرف بانتشار صفحات الفيس بوك إحدى الوسائل الحديثة التى خرجت الحركة من رحمها، واستخدمت شبكة الإنترنت وسيلة لتأييد البرادعى، ونشر تحركاته واجتماعاته، وهى وسائل لم تكن منتشرة بهذه الدرجة فى 2005.. وإذا أضفنا لكل هذه العوامل عاملا آخر، هو التفاف بعض الشخصيات العامة حوله، فإن البرادعى يعيد للأذهان سيناريو الالتفاف حول شخصية مثل أيمن نور فى الانتخابت الرئاسية السابقة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة