شريف حافظ

الحقد.. والقضاء على الوطن

الخميس، 22 أبريل 2010 08:01 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
غُرست فى المجتمع المصرى مفاهيم ما كانت لتُغرس، لولا تفشى الواسطة والمحسوبية ومكافأة المُخطئ ووجود "سياسة" كبش الفداء بديلاً عن الاعتراف بخطأ الرءوس الكبيرة فى أى مؤسسة، وعدم إعلاء قيمة الاعتراف بالخطأ، والشللية، نتيجة عدم وجود القدوة فى أى مجال من مجالات الحياة عن حق، إلا فى قلة قليلة لا يُمكن أن تقارن بما دونها من فساد وإفساد من قبل الأغلبية القصوى فى المجتمع المصرى! كلنا مظلومون.. كلنا ظلمة! وكلنا شاركنا فى هذا الفعل، كان بإمكاننا وقفة ولكننا لم نحاول، إلا على عندما يحدث هذا مضض أو بخوف من أن نوصم بالخروج عن "المعتاد" الجديد، حيث أصبح العادى، هو غير العادى! ومضينا فى الطريق، ومازلنا نمضى فيه، ولكن علينا بوقفة محاسبة لأنفسنا وليس جلدها!

لقد تفشى فينا الحقد على من سوانا، والحقد فى أغلب الأحيان يكون على الأفضل، أصبحنا ننظر للناجح، ونقوم بكل ما فى وسعنا كى نهدمه ونقضى عليه، فأصبح المسعى إلى النجاح "مُخيف" لدى الكثيرين، لما سيتعرضون له من جراء سعيهم هذا، وإن امتلكوا حلولاً ممتازة للخروج من مآزق جمة تتعرض لها الأمة المصرية، وبالتالى، درجنا على القول: "أربط الحمار مطرح ما صاحبه عايز"، أو "الباب اللى يجيلك منه الريح، سده واستريح". لقد قُضيت على جهود الكثير من المصلحين، لأنهم أرادوا النجاح وكانت لهم الأفكار التى تُخرجنا من أزماتنا، فى مجالات عدة، لأن نجاحهم لم يكن ليعنى إلا أننا فاشلون، والكلام هنا ليس فقط فى السياسة كما قد يتراءى للبعض، ولكن فى أى مجال من مجالات عملنا جميعاً. وأصبح المهم، هو إما إيجاد الآلية التى تضمن إغلاق الأبواب على أعداء النجاح أو البعد عن مسعى النجاح فى حد ذاته، لينتج فى النهاية مجتمع من الفشلة الذين يصفقون للموهبة الأقل التى "ملكت" طريق إغلاق الباب على الحاقدين، بفعل قوة خفية، نعلمها ولكن لا نجرؤ على أن نتكلم عنها إلا بالوثائق!

ولن تجد يدا ممدودة بالمساعدة لك، إذا ما كنت تملك فكراً "عقلانى" للإصلاح فى أى مجال، طالما أنك لم تنضم إلى جماعة من الجماعات التى يمكن أن تصفها "بالشلة" "الكبيرة" (التى قد تكون حزباً أو ناديا أو أياً من المؤسسات ذائعة السطوة والصيت) التى لا تملك فكرا ثابتا ولكنها ضد "شلل" أخرى فى الوطن الواحد. فما لم تعتمد على الواسطة وتعتمد على قاعدة "شيلنى وأشيلك"، فإنك لن تصل إلى مُبتغاك، وإن كنت حاصلا على أعلى الدرجات فيما تقول به! إن قاعدة "أهل الثقة قبل أهل الخبرة" تأسست فى المجتمع ولم نعد بقادرين على اختراقها! لقد أصبح أهل الثقة "منعدمى" الثقة، ولهم كل الحق، لأن كل ما يملكونه، هو كونهم أهل ثقة وليسو أهل خبرة وعلم (إلا ما مروا به من تجارب، علمتهم كيف يهشمون الخصم، أياً كانت الطريقة، لأن مبدأ الغاية تُربب الوسيلة انتقل من السياسة، تقريباً لكل شىء!). فإذا ما جاء من يفكر ويقدم حلاً عمليا، وإن كان لا يطلب سلطة، فى المؤسسة أو المكان الذى يعملون به، لن يساعدوه. فكيف يساعدونه ونجاحه سيكشف كم "تخلفهم" إزاء ما يطرحه؟! ولذا نمضى فى تيهًنا إلى الأبد، إلى أن يكشف الله عنا!

شعاراتنا براقة ولكنها جوفاء! نقول بمساعدة الشباب فإذا ما نظرنا حولنا، وجدنا أغلب القيادات فى شتى المجالات من الشيوخ الذين يجب وأن يكونوا اليوم خارج المؤسسات التى يديرونها، من أجل أفكار جديدة، يمكنها أن تنعش المجتمع وتطوره إلى الأفضل، لذا نجد الشباب وقد رفعوا شعار "ما فيش فايدة"، وإما متمرد أو مغيب أو صامت يُنذر بانفجار، من ذا الذى يُساعد الشباب ونحن نملك عددا كبيرا من العاطلين؟ من ذا الذى يساعد الشباب ونحن نملك مدمنين للكثير من المُغيبات عن الوعى؟ من ذا الذى يقف مع الشباب وهم يملكون القوة والحماس، للدفع إلى الأمام، بينما لا تستغل رُبع طاقاتهم ونعيب على الزمان والعيب فينا؟

وعند التنافس بين أصحاب المهنة الواحدة لا نجد "التعاون" المطلوب، ولكن "الخوف" المستمر، من أن يصعد الذى نساعده على أكتافنا فيصبح "أحسن" منا، غير عابئين بأن هذا إن حدث سيكون ناتجا عن قُدرات هذا الشخص، وليس نتيجة أساسية للمساعدة التى قدمناها. كما أننا نتجاوز حقيقة، أن تلك المساعدة، فى تلك الحال، ما هى إلا جزء من نجاح هذا الرجل ونجاحنا معاً، بحيث نكون ساهمنا فى عمل تراكمى لنجاح أحدنا، وهو الأمر الذى يُعلى من شأنه أصحاب الحضارات فى كل زمان. وفى الوقت ذاته الذى ترفض مساعدة هذا الذى "يُهدد" كياننا، لأنه الأفضل نصدر عنه أحكام وملاسنات لا ترقى إلى مستوى المنافسة الشريفة، وذلك بغرض هدمه! إن حضارتنا المصرية بشتى هوياتُها، خلفنا، انفصلنا عنها بإرادتنا، بينما نتشدق بها ولا نعمل على ترسيخ الأجزاء المهمة التى تحض على العلم والعمل والتواصل فيما بيننا، من خلال مبادئها، فلماذا؟ بالتأكيد ليس العيب فى تلك الحضارة، بقدر ما هو العيب فينا نحن، حيث رضخنا للكثير من المعاملات السائدة وأصبح "غير العادى" هو المُعتاد! وبذا، ساهمنا نحن، حُكاماً ومحكومين، فى تفشى الفساد فى المجتمع، وليس فقط الحاكم من فعل ذلك: "فكما كنتم، ولى عليكم"!!
وفى النهاية، إذا ما تركنا تلك الظواهر التى تفشت فينا، نجد نتاجها حيا يرزق بيننا، بحيث أصبح الناس فى مصر تتنافس حول "الظاهر" من العمل وليس على العمل نفسه!! وهذا التنافس على الظاهر من العمل، من الأغلبية، وفى كل المجالات وسواء حكومة أو معارضة، إنما يحنى ظهورنا أكثر للفساد، فنحن جميعاً "عملاء" ضد هذا البلد وضد هذا الشعب، نحن جميعا مظلومين وكلنا ظلمة! فإن أردنا أن نُغير، علينا أن نتغير، ونقوم بعمل ما نتغنى به من شعارات، ليل نهار، بعيداً عن الحقد والواسطة والمحسوبية والرشوة ومُعادة النجاح وترك الشباب وحيداً فى ظُلمات الأيام والأزمان!

ليس الأمر له أدنى علاقة بالاتجاهات السياسية أو القيمية التى نتبناها، ولكنه لديه كل العلاقة بضمائرنا، لديه كل العلاقة بالمظاهر التى نتحلى بها مثل "مكياج" الأراجوز فى السيرك وكم الرياء الذى نمارسه يوما بعد يوم، حتى صرنا جميعاً مُزيفين، فلنمد أيدينا لمن يحتاجها من الشباب، نشُد على يديه وندعمه بما نستطيع، بعيداً عن أى هوية قد يتمتع بها، غير أنه مواطن مصرى ولنقض على الحقد وانعدام الثقة الذين قضيا على الوطن!! فلنتكاتف من أجل مجتمع متواد ومتراحم فى إطار فكر المواطنة الذى ننشد، فلنبن معاً جيلاً جديداً بقيم وطنية أفضل، حتى نقضى على كل ما مررنا به من صفات دمرت كياننا خلال العقود الماضية، وحولتنا إلى وحوش، يُقال عنهم بشر، فلنستعد روح الحب التى جمعتنا حتى نستطيع أن نتقارب ويصبح لدينا القدرة على الحوار والاختلاف، مع استمرار الاحترام يبن الجميع.

• أستاذ علوم سياسية.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة