نعيش الأيام هذه واقع انتصار الباطل، وانحصار الحق وانزواؤه، نعيش زمن الروبيضة فتجد أتفه القوم وأدناهم مكانة يتحدث فى أمورنا وأمور العامة يتحدث ويسمع له، ينصح ويستجيب لنصحه، يرشد ويأمر، وكأنه العلم العلامة والحبر الفهامة حافظ عصره وفريد دهره ولا يوجد غيره، زمن أنصاف وأرباع المثقفين، زمن الحق يغتال والمظلوم يأسر وينداس والجانى فوق الضحية والحق باع القضية.
زمن طمس الهويات وفقدان الثقافات وتقديس للجهالة والمفسدات، عولمنا كل شىء إلا فكرنا ومدينا كل شىء غير سلوكنا وقدسنا كل شىء غير ديننا ووقرنا كل إنسان غير نفسنا .
زمن انتشار الفوضى المقننة والجهالة الموثقة وانطماس الهوية، زمن تهان فيه لإعلانك هويتك وتصان فيه لإعلانك شذوذك وإنك خلف حدود الطبيعة، فنجد الدنيا تقوم ولا تقعد لمجرد إن بنت لبست النقاب فتجد فتوى من هذا وكلمة من ذاك وحرب من هؤلاء ينددون ويستنكرون ويشجبون تلك الفعلة النكراء، بينما آخر يأتى بديانة جديدة وبملة غريبة فتجد هذا يناقش وضعه وذاك يحاور فكره وآخر يقول حرية وفى النهاية بعضهم يطالب بتعديل خانة الديانة فى البطاقة القومية أو بإلغائها حفاظا على الحرية والحياة الشخصية كى تبقى الدولة ديمقراطية، أحبائى الديمقراطية أو الحرية الشخصية لا تنفصل ولا تجزئ إنما هى عامة هى ثوابت ونظم، وهى حدود وأطر، وهى مبادئ وقيم، فلا تسلبها منى وتمنحها لغيرى، فلا أظنه يجوز ولا أظنه لائق أو مقبول.
ارتضينا بالمطية بل وانحنينا فركب ظهرنا كل من أراد أن ينشر جهل أو يبذر حقد أو يبنى مجدا. ومن معالم هذا الانتصار أنه فى عهده ضاعت الهوية وسلبت الإرادة وفقدنا أعز ما نملك وهى الثقة بالذات والقدرة على صنع المعجزات، فعشقنا ثقافة الصمت فى زمن أهين فيه الحق وثوابته وساد فيه الظلم وسطوته وكنا على ذلك شهود.
