بعيدا عن تفسير الدين وأقوال العلماء والمتخصصين وبعيدا عن أقوال السلف وبعيدا عن رجال التحضير والإسراف، وبعيدا عما هو جاد فى هذا الموضوع، كالعادة وقفت أستمتع بكوب الشاى الأخضر أبو نعناع طازة.
وأتأمل من البلكونة خلق الله أو سوق البشر من أصوات وتعاملات وأحاديث وملابس وإشارات بكل أجزاء الجسم.
وضحكات وقفشات ومصطلحات تعودت الأذن سماعها وأخرى مستوردة غريبة غرابة الزوجة الشامية فى المطبخ المغربى، انتصف كوب الشاى مع انتصاف النهار، وإذا بصوت عال حريمى رنان غاضب يوقظ الأذن الوسطى من السبات، ويفزع أهل الكهف "إيه يا روح أمك.. نعم يا روح ماما.." وبحلقت أكتر كانت فتاة تنظر للخلف وتتحدث لشاب، أكيد عاكسها أو أطلق بعض كلمات تكشف عن كبت وإعجاب.. والتصقت أكثر بأذنى استرق وأحاول سماع كل ما يقال.. "حبيبى حماده روح قلبى فينك يا عم ثم أحضان وفراق".. يا روح الرووح.. صاحب ورشة ينظر لامرأة على الجهة الأخرى محاولا لفت انتباها.. ضحكات من زاوية أخرى. الواد ده روحه حلوة.. إيه ده شكلها جنازة وحدووه لا إله إلا الله، بالراحة يا جماعة راجل طيب روحه سبقاه.. وأمام محل الرفة الصغير مسك الأسطى شوقى صبيه يهزه، كما المولود فى غربال السبوع ويصيح.. رووح وتعالى.. بسرعة ومن الشارع المقابل تجمع كبير وأصوات عاليه تهتف.. بالروح بالدم نفديك يا حمو.. ولم يكن المقصود محمد البرادعى ولا ومحمد من الإخوان ولا من الحزب الوطنى، بل كان من عمال مصنع البلاستيك الذى طردته الإدارة وتعاطف معه زملائه.. ومن داخل المقهى صوت حيانى.. أيوه يا ورده الله يرحمك ياسياده المشير، وكان صوت التليفزيون عاليا بأغنية.. روحى وروحك حبايب من قبل ده العالم والله.. والمقصود هو المشير عامر بعد التحوير والإشاعات التى يطلقها ويصدقها العامة.. خلصت كباية الشاى ودخلت واستلقيت على الكرسى وسرحت فى الروح وتذكرت ما حدث لى عند دخولى المدرسة فى هولندا لا تعلم اللغة الهولندية، وكل الطلبة أجانب وجنسيات مختلفة وأثناء وقت الراحة يخرج الجميع لشرب القهوة وقعت عيناى على شخص فى آخر الطرقة، وابتسمنا فى نفس الوقت وذهب كلانا نحو الآخر، وكنت متأكد إنى أعرفه وشاهدته قبل ذلك، واقتربنا وسلمنا على بعض وبدأت استدرجه فى الحديث متلاشيا ذكر اسمه لعدم إحراج نفسى.. أخبارك إيه.؟ ولم يرد واندهش وأخذ ينظر ويبتسم وتحدثت بالإنجليزية العرجاء واتضح إنه إيرانى ولا يتحدث العربية، وقال لى إنه متأكد إنه يعرفنى وشاهدنى من قبل سبحان الله .. أرواح.. وكما قال الرسول إنها مجنده ما تعارف منها ائتلف، وإن كانت الأجساد والوجوه لا تعرف بعضها، وان كانت بعيدة فيتم القبول والارتياح والاتلاف والحب والإحساس والألم عن بعد وقد يتم التنافر والاختلاف، وإن كانت الأجساد ملتصقة والوجوه متقابلة.. وإن الروح كما رأيت وسمعت من البلكونة كل مرة لها معنى ولها مدلول وقصد عجيب أمر هذه الكلمة، وهذا المعنى، وإن الروح لها عالم خاص بها ومعنى خاص بها يبقى وحيد وغير مفهوم لى، بالرغم من إنى استخدمه واسمعه يوميا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة