النسيان هو أول آفة حلت ببنى الإنسان، فمنذ البداية ها هو آدم عليه السلام يبتلى بالنسيان فيعصى أمر ربه وتغلبه طبائعه البشرية، ويحلم بما ليس من حقه ويأكل من الشجرة التى ظن أنها نهاية المطاف وأنها سبيل الخلود فكان مصيره الحرمان من نعيم جنة لا نصب فيها ولا وصب والهبوط لأرض ما فيها إلا الكبد والشقاء.. ثم نسى قابيل معنى الأخوة ولم يتذكر إلا حقده فقتل أخيه هابيل وأصبح من النادمين بعد أن لوث تراب الأرض بدم الغدر وصار مثالا للغادرين فى كل زمان ومكان.. ثم نسى الإنسان من خلقه ومن سواه ومن منحه حق الحياة ومن هو قادر على سلبها منه، فعبد أشخاصا لا حول لهم ولا قوة ونسى أنهم مخلوقون من نطف مثله، ثم عبد أصناما لا تضر ولا تنفع ونسى أنها حجارة نحتها بيديه وعاد بنفسه صاحبة العقل والتكليف إلى مرحلة الدونية بعد العزة بالانتساب إلى الخالق العظيم.
وها هو الإنسان ينحدر من قمة إلى قاع ومن سيئ إلى أسوأ ويرضى بالدونية بعد التشريف بالتكليف الربانى بإعمار الأرض وإنجاب الذرية التى لا تبغى إلا خالقها، ويصبح أسير شهواته ونزواته ويبدع فى معصية خالقه ويتفنن ويبتكر الأساليب لعله يرضى غروره ويقنع بجهله.
فيصبغ جسده بوحل الذنوب التى لا حدود ولا منتهى لها.
هى طبيعة البشر التى لعب عليها الشيطان الرجيم ذلك الفنان الكبير صاحب الابتكارات الرائدة العدو الأول لبنى البشر الذى زرع بينهم العداوة والبغضاء، وتركهم يسبحون فى بحور من الشر لا ينتهى مددها ولا ينفع معها سدود أو حواجز وحول حياتهم إلى غير رجعة ووضعهم على الطريق المباشر إلى جهنم بعدما زيف لهم الحقائق وزين لهم الباطل واختلت بفضله الموازين وسقط على يده الحق فتوارى بين أقدام الظالمين، وطار الباطل فوق الرؤوس لا يرى سواه والناس صرعى مخمورين لا يفرقون بين لون الحمامة ولون الغراب ولا يميزون صوت البلابل من نعيق البوم، وتاهت كلمات الحق وسقط ساعده بعدما اجتث فى عملية قذرة وتم استبداله بزراع طولى لا تتحرك إلا بسوء لا يقدر على ثنيها شجاع أو صاحب مروءة.
وها هى البشرية تتوه فى زحام زيف العقول والتلاعب بالكلمات والتراشق بالاتهامات وتنسى كما نسيت من البداية أن هذا فخ وقعت فيه، أحكمه الشيطان بما لديه من مكر ودهاء أراد منه أن يثبت أنه أفضل من ذاك الغافل الناسى وأراد له أن يقتطعه من جذوره ويأخذه معه فى نزهة أبدية تبدأ وتنتهى فى قعر جهنم وللأسف انساق الغافل اللاهى وراء ما خطط ودبر له اللعين، ونفذ أوامره بحذافيرها حتى أمسى نموذجه المزيف للتقدم والتطور والرقى والانفتاح والحرية بغير معانيها، وقام بقتل ما تبقى منه فى معركة أخيرة نزع عنه ما تبقى لديه من أخلاق فعراه من كل جميل حتى من ملابسه بدعوى الموضة والشياكة والأناقة والإتيكيت. وانطلق الإنسان بفضل معلمه الأول يبتكر ويتفنن فى مبارزة خالقه ومولاه بألوان وفنون لم يعلمها له الشيطان فتفوق على نفسه وعلى معلمه وأصبح كل منا شيطانا يمشى على الأرض، وقرت أعين الشياطين وارتاحت فى مواخيرها ووقفت تتفرج على صنعتها وتتأمل فى إبداعاته، ونسى مجددا أن نهايته بين نفس يدخل ولا يخرج وتراب يهال عليه وباكون بلا دموع وحساب فى كتاب مسطور ومصير كان بين يديه وسقط منه دون رجوع.
فيا ترى من يكون عدونا الأول هل الشيطان؟ أم أنفسنا التى استنسخها الشيطان؟ من يجيب وما هى الإجابة؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة