إسماعيل كاشف يكتب: الضرب بعصا محروقة

الجمعة، 02 أبريل 2010 05:03 م
إسماعيل كاشف يكتب: الضرب بعصا محروقة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الفقر يسكن قرانا من زمان بعيد وكان من أهم مشاهده المألوفة ومظاهره المعروفة أن يدق أبواب الفلاحين والمزارعين المساكين مجموعات من الشحاذين وبالعامية الشحاتين، ويحمل كل شحات خرج ( كيسا يضعه على كتفه) من قماش مهترئ وبالى، وإناء من الصفيح يسمى "كوز"، وغالباً ما يعودون محملين بكسر من الخبز وأكوازهم مملوءة بالطبيخ من عدة بيوت مختلفة.

ولذلك فيكون الكوز يحوى كوكتيلا من اليخنى والمرق والملوخية والبامية، ولربما ينفحهم أحد المقتدرين بقطعة لحم صغيرة أو جناح دجاجة، ولكن كان هؤلاء الشحاتين لديهم قاسم مشترك دون اتفاق ولا تخطيط ولا توجيه من أحد وهو أنهم جميعاً يحملون عصا محروقة يقرعون بها الأبواب ويتبعونها بنداء لله لله يامحسنين، ولها فائدة أخرى أنهم كانوا يهزونها فى وجوه الأطفال الأشقياء الذين يعدون وراءهم فى طرقات القرية أو الكفر أو النجع صائحين : الشحات أهه الشحات أهه.

وبعد قرابة نصف قرن اختفت تلك الظاهرة من كافة القرى والكفور والنجوع المصرية وليس هناك سبب واضح لاندثارها وإن كانت هناك أسباب لذلك، فبالتأكيد ليس الغنى أو الثراء لتلك الشراذم من الشحاتين والمهم أنها فى السنوات القليلة الأخيرة أطلت علينا الشحاتة برأسها الجميل وتسريحتها الرائعة والتى تفنن فيها أعظم كوافيرات مصر وقبلها أجريت لهذا الرأس عشرات من عمليات التجميل التى تكلفت الملايين، لكى تبدو كما هو بادى الآن للعيان وأصبح المتسول الأنيق لحوحاً لدرجة ترفع ضغط الموتى وسخيفاً لدرجة تثير الغثيان وطوال جلستك أمام التلفاز يظل يستجديك ويستحلفك ويغريك ويغنى لك ويحاول أن يضحكك كما فى المفتش كورمبو لكى تتصل بالرقم 09000 ويسحب منك حوالى 50 جنيهاً بلا طائل وبلا فائزين ويكذبون على المشاهدين ويعلنون عن فائزين من وحى الخيال ولا يكفون ولا يملون ولا يزهقون طوال الأربعة والعشرين ساعة.

وهم لا شك أنهم يربحون الملايين لأن شعبنا المسكين يحلم بالثراء أو على الأقل يأمل فك ضيقته ومعظم شبابه من العاطلين ويتسلون فيتصلون ربما تلعب البلية ويكون لهم نصيب فى الفوز ولكن هدف تلك القنوات خبيث وتخطيطاتهم لتلك المسابقات تفوقت على خطط اليهود فى امتصاص ما لدى هذا الشعب البائس من جنيهات قليلة، وبدلاً أن يشترى مجلة أو جريدة أو كتاب من مشروع القراءة للجميع يتصل بـ 09000 وبدلاً أن يفكر فى عمل مفيد فهو يفكر فى أبو سنة الأكوع واللى سرق محل شحاتة أبو شفتورة وذلك انعكاس لما نحن فيه من تردى اقتصادى وأخلاقى، وأن الفساد ليس فى الحكومة وحدها ولا فى مجلسى الشعب والشورى الموقرين.

ولكن حتى فيمن يدعون حب مصر ويفتحون قنوات فضائية للتنوير وتلمس أوجاع الشعب والبحث عن حل مشكلاته وأصبحوا عبئاً على جيوب المشاهدين وعيونه مسلطة على ملاليمه، وهم يسترزقون من وراء تلك الهيافات وأتحداهم أن يكون الاتصال برسالة بريدية أو مكالمة عادية تدخل خزينة الدولة لا لجيوبهم المتخمة ولذلك كرومبو وكل خدمة تستدعى الاتصال بأى رقم أرضى 09000 ومن أى محمول بالرقم .......

هى ببساطة العصا المحروقة التى كان يحملها شحات النصف قرن الماضى، والغريب أن شحات زمان كان يهزها فى وجه الأطفال الأشقياء ولكن الشحاتين الشيك المحفلطين الملمعين يضربون بها منبر اليوم السابع لأنه منبر شريف ونزيه ولا يستجدى أحد ولا يحلم بالثراء من دماء ودموع الفقراء ولم ينضم لقافلة المتسولين وفتح ذراعيه لكل الآراء واستعان بنخبة ممتازة من شباب المبدعين، ويقبل من قرائه النقد وأحياناً السب والقذف وينشر كل الآراء ويدرك أن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة أو فكرة، ولذلك سلطوا عصاهم المحروقة المفتش كورمبو للسخرية من موقع اليوم السابع ووصفوه باليوم السائع، وألا يخجلون وأين أنت يا حمرة الخجل وذلك هو حقد المتسول.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة