د. خميس الهلباوى

اقتراح إلى عقلاء الجمعية الوطنية للتغيير

الإثنين، 19 أبريل 2010 07:56 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بمجرد عودة الدكتور محمد البرادعى إلى الساحة الوطنية الداخلية بعد انتهاء مدة عمله كرئيس لمؤسسة الطاقة الذرية، سارعت بعض الأحزاب السياسية التى تعمل على هامش السياسة المصرية، وجماعات من المثقفين وكبار رجال القانون، وجميعهم يحملون فى قلوبهم وسيلة واحدة وهى المطالبة بالمطالب السبعة للجمعية وإن اختلفت أهدافهم التى فى ضمائرهم ولا يعلمها إلا الله، ومن الطبيعى أن يكون منها الخبيث ومنها الطيب، والجميع يسعى لوسيلة التغيير، وأعلنوا قيام الجمعية الوطنية للتغيير واستخدام اسم الدكتور البرادعى كعنوان أو ستار يختفى خلفه الجميع كل بنواياه الحسنة أو السيئة، بصرف النظر عن مصداقيتهم، بالإضافة إلى من انضم إليهم من العقلاء والمفكرين والأساتذة الكبار فى القانون الدستورى الذين يئسوا من الإصلاح، أمثال الأستاذ الدكتور يحيى الجمل، وقد شجع انضمام كبار المفكرين بعض شباب مصر ورجالها على الانضمام أملا فى إنهاء حالة اليأس والتشاؤم من الحاضر المؤلم، والمستقبل الغامض لمصر.

ولكن المطالب السبعة المذكورة والمسجلة فى برنامج الجمعية بها عيب جوهري، ولشرح هذا العيب نأخذ مثالا من الأهداف الستة التى أعلنتها ثورة مصر سنة 1952، والتى لم تنجح فى تنفيذها حتى الآن، تلك المبادئ الستة كانت كما نذكر جميعاً هي:
1- القضاء على الإقطاع.
2- القضاء على الاستعمار.
3- القضاء على سيطرة رأس المال.
4- إقامة حياة ديمقراطية سليمة.
5- إقامة جيش وطنى قوى.
6- إقامة عدالة اجتماعية.
ومن المعلوم والملموس وبالرغم من أن قيادة الثورة كانت أول قيادة مصرية صميمة تحكم مصر فى تاريخها الضارب فى القدم وبالرغم من أن جيش مصر هو من قام بتلك الثورة فإنها لم تنجح فى تحقيق معظم أهدافها، فهى لم تقضى على الإقطاع، ولكنها قضت على الزراعة والصناعة التى كانت أكثر نجاحا قبل التأميم عنها بعد التأميم والقطاع العام الذى دمر الاقتصاد المصري، وقد استبدلت الاستعمار الإنجليزى العسكرى وسيطرة رأس المال باستعمار أمريكى اقتصادى أقوى من الاستعمار العسكري، وأيضاً استبدلت ذلك الاستعمار العسكرى باستعمار بعض المصريين "مع الأسف" من رجال الأعمال الذين استحلوا أموال الشعب وأراضى الوطن ليثروا بالحرام والفساد المتمكن من الاقتصاد المصري، وهم الذين استحلوا أراضى مصر وأموال بنوكها باسم التنظيم الأوحد الذى تطور من الاتحاد القومى إلى الاتحاد الاشتراكى ألى الحزب الوطنى الذى نعانى منه الآن، وتقاعست الثورة عن الأهداف الثلاثة الأخرى، كما نعلم جميعاً.

وكانت أهداف الثورة المصرية متوازنة، تمثلت فى ثلاثة أهداف سلبية هى القضاء على الاستعمار والإقطاع وسيطرة رأس المال، وثلاثة أهداف بناءة وهى إقامة حياة ديمقراطية سليمة، وإقامة جيش وطنى قوي، وإقامة عدالة اجتماعية لم ولن تتحقق بالأسلوب السائد فى نظام الحكم الحالى.

وهكذا كانت للثورة المصرية أهداف وبرنامج إصلاحى لم يتحقق، فما هو البرنامج الإصلاحى الذى تطالب به اللجنة التحضيرية غير تغيير القيادة السياسية فقط، دون برنامج إصلاحى للمجتمع والاقتصاد، وشرح لكيفية النهوض بمصر من كبوتها؟.

إن تغيير من يجلس على كرسى حكم مصر بآخرين، يجلسون ليمتصوا ما بقى من قطرات دماء الشعب المصرى ليس هو مطلب الشعب المصري، ولكن الشعب المصرى يحتاج إلى تغيير حقيقى لموقع مصر الحضارى الذى تخلف أكثر من مائة عام والإسراع بنقل مصر إلى موقعها الطبيعى الذى ضاع منها على خريطة العالم المتقدم، فأين برنامج الإصلاح الذى تملكه الجمعية المذكورة ويمكنه أن يصلنا إلى موقعنا المفقود.

وعلى هذا فإن ما نقرؤه من مطالب اللجنة التحضيرية للتغيير، ليس إلا سبعة مطالب كلها لا تعنى سوى المطالبة بتغيير القيادة السياسية المتمثلة كما يعرف الجميع فى الرئيس محمد حسنى مبارك شخصياً، وهنا يتبادر للذهن سؤال وهو: لمصلحة أى جماعة مطلوب أن يتم تغيير القيادة السياسية؟، قد يكون هناك جماعة خفية ستستفيد من التغيير ولكن بالتأكيد لو كان لديها حلول لمشاكل مصر لطرحتها علناً عن كيفية إنعاش الاقتصاد المصرى ونقل مصر حضاريا للموقع الذى تستحقه أو كانت تستحقه؟.

ثم كيف بالله عليكم سيمكنكم انتزاع السلطة من القيادة السياسية بالقوة كما توحى تصريحات بعض المتحدثين من الجمعية؟، إن الرئيس مبارك هو الحاكم الأوحد فوضه بصفته الشعب المصرى ، فى إدارة شئونه كاملة بما فيها الجيش وجميع الشئون المتعلقة بالأمن القومي، واتخاذ قرارات الحرب والسلام بحكم الدستور، وأعتقد أن الرئيس نجح فعلا فى هذا الأمر .

والمطالب السبعة التى تطالب بها اللجنة التحضيرية للتغيير وهى:
1- إنهاء حالة الطوارئ،
٢- تمكين القضاء المصرى من الرقابة الكاملة على العملية الانتخابية برمتها،
٣- إشراف من قبل المجتمع المدنى المحلى والدولى،
٤- توفير فرصة متكافئة فى وسائل الإعلام لجميع المرشحين، خاصة فى الانتخابات الرئاسية،
5- تمكين المصريين فى الخارج من ممارسة حقهم فى التصويت فى السفارات والقنصليات المصرية.

6- كفالة حق الترشح فى الانتخابات الرئاسية دون قيود تعسفية، اتساقا مع التزامات مصر الدولية المنصوص عليها فى الاتفاقيات الخاصة بالحقوق السياسية والمدنية، وقصر حق الترشح للرئاسة على فترتين متتاليتين.

وبالتعمق فى دوافع وأهداف خلفية هذه المطالب وهى مطالب عادلة فى مظهرها ولابد من حدوثها فى وقت ما، وأيضا بالتعمق فى دراسة الطريقة التى تكونت بها اللجنة التحضيرية نجد الآتى:

المطالب السبعة كلها مطالب مشروعة وتضمن إلى حد ما الديمقراطية النظرية، ولكننى شخصيا أعتقد أنها ستؤدى إلى كف يد الحزب الوطنى "بالرغم من عدم نزاهتها فى الانتخابات" وأيضاً غل يد السلطة التنفيذية والسياسية عن الانتخابات برمتها وعن الدفاع عن الأمن القومى المصرى وتترك الانتخابات لقوى أخرى معادية محترفة لتتلاعب بغالبية الشعب المصرى غير المنضم لتنظيماتها، عن طريق شعارات مضلله تلهب بها مشاعر الغالبية العظمى من شعب مصر، والذى سيدفع معظم الناخبين بانتخاب مرشحين وفقا لقناعات خاطئة فى أمانتهم الدينية بحسن نية لعدم وجود الوعى الديمقراطى الكافى لاستكشاف خطط التيارات الدينية المحكمة للاستيلاء على حكم مصر لصالحها وليس لصالح الشعب.

إن القاعدة الديمقراطية هى أن "الشعب يتحمل نتائج خطأه فى من ينتخبهم لتمثيله فى مجلس الشعب"، ولكن من "قواعد العدالة" أن نضىء الطريق للشعب حتى يرى مواقع قدمه، فليس من العدل أن نحرم الشعب من تطبيق الديمقراطية لمدة خمسون عاما، ونمنعه من فهم معنى حقوقه الديمقراطية من الأساس ثم ندفعه دفعاً فى معركة ديمقراطية غير متكافئة نغل فيها يد طرف ونترك الحبل على الغارب لطرف آخر يلعب ويلهو ويحاول إقناع الناخبين بالباطل.

فالمطلوب أولا ضمان جدية وفهم الغالبية العظمى من الشعب لحقوقهم الديمقراطية ونتائج انتخاب المرشح غير الكفء أو المنحاز لفئة معينة.
والنقطة الأخيرة وهى الأخطر وتتلخص فى الإجابة على السؤال التالى:

كيف بالله عليكم ستقومون بفرض تنفيذ مطالبكم بطريقة إجبارية كما يبدو من تجمعاتكم وكما توحى تصرفاتكم فى ظل الظروف السياسية الحالية؟
- هل هى بإثارة الشباب والجماهير المصرية للخروج وإشاعة الفوضى الشعبية للحصول بالعنف على مقعد الرئاسة ؟

الإجابة هو استحالة هذا الحل إنسانياً ودستوريا حيث أن جميع قوى الأمن مسئولة بموجب دستور سنة 1971 وتعديلاته عن حماية النظام المصرى ضد أى خلل وهى لن تسمح بالفوضى.

- هل ستسعى أمريكا لدى مصر لتنفيذ المطالب بقوة النفوذ الأمريكى على مصر ؟
الإجابة: من المستحيل رضوخ مصر أو رئيسها لأى ضغوط أجنبية ولا محلية للتفريط فى أمر الأمن القومى وإلا كانت أمريكا طالبته بالتفريط لصالح إسرائيل مسبقاً. هل سيصدر أمر أو رجاء من الدكتور البرادعى للرئيس مبارك بتطبيق المطالب وتنفيذها؟، غير معقول.

ولذلك فإننى أقترح أن يطلب مندوبون من عقلاء اللجنة التحضيرية للتغيير لقاء بالسيد رئيس الجمهورية، بصفته الوالد "كبير العائلة المصرية" ومناقشته مناقشة موضوعية هادئة باسم العائلة المصرية والتقاليد المصرية، والتحدث عن مستقبل مصر وعن كيفية إنقاذ مصر مما هى مقدمة عليه بإرادتها أو بحكم القدر وتضمن سلامة أمن مصر القومي، وبالتأكيد فإنه يمكن الوصول إلى حلول معقولة، وخاصة ان الرئيس يخشى ويخاف على مصر بدون مهاترات ولا مغامرات، وبالتأكيد سيكون لدى سيادته حلولا مقبولة ومعقولة لأنه مصرى أكثر من الكثيرين ممن يطالبون بالتغيير الجبرى والقسرى.

وأخيرا أقول إنه من غير المتصور أن يقوم بطل الحرب محمد حسنى مبارك، بالتضحية بمصر كلها وتسليمها إلى نجله أو إلى أى شخص لايستطيع أو يحتمل أن لا يستطيع المحافظة على أمنها القومى.

* دكتوراه فى الإدارة ورجل أعمال








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة