كان لنا زميل كثير الكتب، لدرجة أن عامل البوفيه قال له أمامى مرة.. جرى إيه يا أستاذ.. أنت بتضيع وقتك فى الكلام.. ما تطلع تعمل الكتاب بتاع النهاردة.. والحقيقة أن كتبه كانت من النوع الذى يمكن أن تطلق عليه الكتب الصحفية.. يعنى تحصل مأساة العبارة الغارقة فيؤلف كتابا ً فوريا ً عنها، أو يقبض على رجل أعمال شهير فيتحفنا بكتاب مثير عنه، أو تسقط طائرة ركاب فى ظروف غامضة، فيؤلف عنها كتابا ً وهكذا.. وهذا النوع من الكتب معروف فى أمريكا والغرب، ويحقق أرقام مبيعات كبيرة، مثله مثل نوعية كتب التجارب الشخصية والسير الذاتية للمشاهير وغير المشاهير.. ولا أحد يكره أن يتشجع الهواة ليؤلفوا كتبا ً.. لكن يجب أن يكون لديهم الحد الأدنى من الموهبة، وألا يصبح دافعهم الوحيد للتأليف والتوليف هو أن"يلطعوا" أسماءهم الكريمة على مجموعة من الأوراق بين غلافين ثم يسمونها كتابا ً.. وسوق الكتب عامرة هذه الأيام بتلك النوعية.. وكل من يملك ألف أو ألفين جنيه يدفعهم فرحانا ًلصاحب دار نشر، ويصدر له كتاب خلال أيام قليلة، وكلما التقيت صديقا ً الآن يسألنى عن صحتى ثم يعطينى نسخة من كتابه الجديد، وأذكر أن زميلا ً آخر لى قال مرة للزميل "المؤلفاتى" الذى حدثتكم عنه فى بداية المقال.. يا أخى أنا مش ملاحق عليك إهداءات.. إزاى انت ملاحق علينا كتابة.. فالموضوع أصبح أسهل من شكة الدبوس، وكل من أمسك ورقة وقلما ً يريد أن يصدر كتابا ً، وطبعا ً هذا ليس عيبا ً ومن حقه، لكن هذا الزحام الشديد فى الكتاب أصبح يشبه كثيرا ً زحمة أهل المغنى، وكما أصبح لدينا مطرب ومطربة لكل مواطن، لدينا الآن مؤلف كتب لكل قارئ، والنتيجة هى ضياع المواهب الحقيقية وأصحاب الأفكار الجادة والمحاولات الجدية، وسط هذا الزحام والتزاحم على إصدار الكتب.
والأغرب والأعجب أن حركة إنتاج النشر فى رواج مستمر، فى حين أن حركة القراءة فى تراجع دائم، وهو لغز من ألغازنا كمصريين ليس لدىَّ تفسير له سوى أننا أكثر شعوب الأرض حبا ً للتباهى والفشخرة، وإذا كنا زمان نشترى الكتب ونرصها فى المكتبة ولا نقرأها لمجرد أن نتباهى بأننا مثقفون ولدينا مكتبات ضخمة وأعداد هائلة من الكتب فى بيوتنا، فإننا نتباهى الآن بأننا من أصحاب الكتب ومن السادة المؤلفين.
وقل لى كم كتابا ً ألفت.. أقل لك كم دفعت لتحصل على لقب كاتب!.
* نائب رئيس تحرير مجلة أكتوبر