لا تزال الصحف الفرنسية تولى اهتماما واضحا لاحتمال مشاركة محمد البرادعى فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، وكان آخرها صحيفة "ليبراسيون" التى نشرت تحقيقا لمراسلتها فى مصر تتتبع فيه مسيرته منذ عودته إلى القاهرة والتى حقق خلالها خطوات ملحوظة فى زمن قصير أكدت تصاعد أسهم شعبيته التى عكستها مؤخرا ترحيل المصريين من الكويت، كما خلصت الصحيفة.
تقول الصحيفة إنه بعد أسابيع قليلة من عودته إلى وطنه، بدأ البراعى صاحب جائزة نوبل للسلام مسيرة تحوله. فبعد أن كان هذا الدبلوماسى يشعر بالأمس بعدم الارتياح عند وجود حشود من الناس حوله، ها هو يبدأ الآن فى الاستمتاع بوجوده وسطهم. "إنه يتغير، ويتعلم ويدرك أن شيئا ما من الممكن أن يحدث"، كما يلاحظ المحيطون به، فى إشارة إلى تلك المسافة الكبيرة التى قطعها فى زمن قصير منذ عودته إلى مصر.
إذ لم يكن البرادعى فى حاجة سوى إلى فترة زمنية قصيرة، بعد انتهاء مهام عمله كرئيس للوكالة الدولية للطاقة الذرية، حتى يحدث انقلابا فى مصر، منددا بالديمقراطية الزائفة والفساد وغياب الحريات، وكلها عوامل مسئولة، وفقا له، عن الركود الذى تعيشه مصر والدول العربية الأخرى. وقد فوجىء النظام المصرى بضراوة هذه المعارض غير المتوقع الذى أثار الاضطراب بصراحته ولغة العقل التى يتحدث بها، فأطلق عبر الصحف الرسمية حملة قوية ضد هذا الرجل، الذى تم اعتباره فى يوم من الأيام بطلا قوميا لمعارضته إدارة الرئيس جورج بوش حول وجود أسلحة دمار شامل فى العراق.
إلا أن عنف هجوم هذه الحملة، والذى سلط الضوء على قلق الحكومة المصرية، قد كان له نتيجة عكسية، كما تقول "ليبراسيون"، لاسيما وأنها أضرت بالنظام بدلا من الإضرار بمحمد البرادعى، حيث لم تتوقف أسهم شعبيته منذ ذلك الحين عن الصعود، بعد أن كانت فى البداية مجرد شعبية نسبية.
ثم بدأ من بعدها البرادعى يستقبل فى منزله أطياف المعارضة المختلفة والمجتمع المدنى والنشطاء فى مجال حقوق الإنسان وقلة من الصحفيين الأجانب المختارين بعناية، حيث يحرص بشدة على ألا يتم اعتباره "بيدق فى يد الغرب"، كما يسعى منتقدوه لتصويره بهذا الشكل. كما يلتقى البرادعى بالليبراليين والماركسيين وجماعة الإخوان المسلمين، الذى يعترف بحقهم فى تأسيس حزب. وهناك أيضا مسيحيون ونشطاء علمانيون وأعضاء سابقون من حركة "كفاية. ويلتقى أيضا بجميع أولئك الذين يرغبون فى العمل داخل الجبهة الوطنية من أجل التغيير، الذى أسسها لتوه.
وفى هذا السياق تلفت الصحيفة النظر إلى الاستياء الذى تشعر به المعارضة المؤسسية أمام هذا الرجل مصدر الازعاج، والذى سلطت الشعبية التى يتمع بها الضوء على عجز هذه المعارضة وتدابير أمورها مع النظام، حيث تزعم الصحافة المستقلة فى مصر، كما تضيف الصحيفة، أن بعض الأحزاب، مثل حزب الوفد، قد أبرمت اتفاقا مع السلطة لتأمين مقاعد لها خلال الانتخابات التشريعية مقابل انضمامها للجبهة المضادة للبرادعى.
ثم جاءت زيارته للمنصورة، حيث تحدث البرادعى بأسلوب اتسم بالبساطة، فهو ليس خطيبا شعبيا.. يبتسم قليلا ويتكلم بطريقة مباشرة، حتى أن صحفى فلسطينى قد قال: "هذا أمر غريب..قد يكون البرادعى أول زعيم عربى لا يتكلم بلغة القلب، بل بلغة العقل". وألقت الصحيفة الضوء على غياب رجال الشرطة بالملابس الرسمية، ووجود رجال من أمن الدولة بملابس مدنية يقومون بتصوير الحشد المجتمع، متسائلة هل لا يمكن المساس البرادعى؟
ثم جاء عيد القيامة، وتوجه البرادعى إلى الكاتدرائية القبطية وكان إلى جانب سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية على الرغم من أن كاميرات التلفزيون كانت تتحاشاه. أما جمال مبارك، والذى كان من المنتظر حضوره، فلم يأت.
وتلاحظ الصحيفة أن حل لغز البرادعى بات الشغل الشاغل للسياسيين والدبلوماسيين والباحثين ووسائل الإعلام، وأن جميعهم اكتشفوا أنهم غير قادرين على تقييم دوافعه وطموحاته وكذلك فرص نجاحه، خاصة وأنه قد كرر مرارا أنه لن يترشح للرئاسة فى عام 2011، إلا فى حالة تغيير الدستور، بما فيها تعديلات 2007، التى صممت خصيصا لفتح الطريق أمام جمال مبارك للوصول إلى الرئاسة. إلا أن البرادعى رفض بذكاء الدخول فى أى هجمات مضادة. فقد صرح لصحيفة "الجارديان" مؤخرا: "أعتقد أن كل شخص يفعل ما يراه فى صالح البلد. أنا لا أريد إعادة فتح ملفات الماضى، فلدينا الكثير لنقوم به من أجل المستقبل".
واهتمت الصحيفة كذلك بنقل شهادات بعض الأشخاص فى المنصورة، مثل رامى شوقى البالغ من العمر نحو ثلاثين عاما ويعمل مهندسا، والذى يقول: "أنا لا أريد بالضرورة أن يكون (البرادعى) رئيسنا المقبل، أنا حتى لست متأكدا إذا كان هو نفسه يرغب فى ذلك، ولكنه بإمكانه أن يجمع أولئك الذين يريدون تحريك الأمور لإجراء انتخابات حرة، وعندها يمكننا فى النهاية أن نملك الحق فى اختيار من يحكمنا، إنه حق من الحقوق الأساسية التى لم نعرفها من قبل".
ويقوم هذا الشاب، كما تقول الصحيفة، بتوزيع الالتماس الخاص بتعديل الدستور والذى وقع عليه بالفعل 30 ألف شخصا، فضلا عن 250 ألفا آخرين يتابعون "بطلهم الجديد" على الفيس بوك. وحتى إذا كان البعض يعتقد أن هذا العدد ضئيل فى بلد يضم أكثر من 80 مليون نسمة، إلا أن مثل هذا الوضع أمر لم يسبق له مثيل فى مصر، التى تعمل بقانون الطوارئ منذ ثلاثين عاما، وتحظر التجمعات وتمارس قيودا على إنشاء الأحزاب السياسية، بحسب ما تشير الصحيفة.
أما مى، وهى فتاة منقبة، فتريد إقناع البرادعى بالذهاب إلى المحلة الكبرى، رائدة صناعة الغزل والنسيج فى مصر، كما تذهب الصحيفة، ورمز غضب ملايين العمال الذين يضاعفون منذ سنوات إضراباتهم للحصول على أبسط تعديل لأجورهم.
فى حين أن هبة، وهى تعمل مترجمة، ترى أن البرادعى "لم يعد يعيش فى مصر منذ ثلاثين عاما، وهو لا يعرف هذا البلد. أنا أرغب فى التغيير، ولكننى لست ساذجة، فأنا لا أعتقد فى ذلك".
وتخلص الصحيفة إلى أنه على الرغم من أن مصر لا تعرف أى اتجاه تختار فيما يخص البرادعى، إلا أن ترحيل واحد وعشرين مصريا من الكويت هذا الأسبوع لعقدهم اجتماعا لتدعيم المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية يعكس التصاعد القوى لأسهم البرادعى، والتى باتت دعوته لتحقيق الديمقراطية تلقى صدى متزايد.
للمزيد من الاطلاع اقرأ عرض الصحافة العالمية على الأيقونة الخاصة به
