واستدرك مكملا أنها فى الوقت نفسه هذه الدولة المصرية لا تمنع ذاتها عن استخدام الدين فى العمل السياسى، وتستولى على المؤسسات الدينية الإسلامية التقليدية كالأوقاف والأزهر وتدمجها فى بنيتها وتستخدم نفوذ تلك المؤسسات المعنوى فى دعم شرعيتها المهتزة وسياساتها الخاطئة.
جاء ذلك مساء أمس فى مناقشة رسالة الدكتوراة، دور الدين فى النظام الدستورى المصرى على ضوء الاتجاهات العامة للأنظمة المعاصرة، والتى حازت تقدير امتياز مع توصية بتوزيعها فى الجامعات المصرية والعربية بلجنة مشكلة من الدكتور يحيى الجمل، الأستاذ بكلية الحقوق جامعة القاهرة، مشرفا ورئيسا، وعضوية كل من المستشار طارق البشرى نائب رئيس مجلس الدولة السابق، والدكتور يسرى العطار، الأستاذ بكلية الحقوق جامعة القاهرة.
ووصف الباحث الأزمة التى تعانيها مصر بأنها أزمة سياسية، مؤكدا أنه لا يوجد خلاف على الإسلام وإنما هو خلاف على الدولة والسلطة، تستغله كل الأطراف، حيث تستخدمه جماعات الإسلام السياسى، كسلاح فى صراعها ضد سلطة النخبة الحاكمة المستبدة.
وأشار إلى أن الدولة، رغم أنها تعلن فى دستورها أن الإسلام دين الدولة وشريعته، المصدر الرئيسى للتشريع إلا أنها تحظر فى ذات الوقت بالنص الدستورى مباشرة أى نشاط سياسى أو قيام أحزاب سياسية على أى مرجعية دينية.
وقال عبد الحفيظ" الدولة تمتنع ضمن تقييدها للحياة السياسية بوجه عام، عن الترخيص لأحزاب ذات مرجعية دينية تعلن التزامها بالدولة المدنية والمساواة بين المواطنين والديمقراطية وتداول الحكم، مثل حزب الوسط".
وأكد أن الدولة من خلال أسلوبها هذا تسعى إلى احتكار الدين وتنافس الاتجاهات السياسية الإسلامية، التى تسعى إلى السلطة تحت راية الدين، فى الإبقاء على الوعى السياسى المتدنى للجماهير، مشددا على أن هذا الموقف غير منطقى وغير عادل، ولا يمكن اعتباره حلا لإشكالية العلاقة بين الدين والدولة.
وأوضح الباحث أنه يرى أن الحل الالتزام بخط التاريخ فى الفصل بين الدين والدولة مؤيدا حظر استغلال الدين فى العمل السياسى، ودون أن يحتكر فريق من المواطنين النطق باسم السماء، مؤكدا أن من يرفعون الرايات الدينية فى ساحة العمل الحزبى والسياسى هم طلاب سلطة يسيئون إلى الدين والشعب، وأن الدولة تفتقد إلى وسائل المواجهة الصحيحة لهم.
وشدد"عبد الحفيظ" على أن سياسات الدولة تسببت فى وضعنا بين الخيار الصعب بالاستمرار تحت سطوة الدولة من جهة، أو الخوف من سيطرة التيار الدينى والعودة بمصر، إما إلى العصور الوسطى، أو أن تكون شبيهة بالنظام الإيرانى.
وأكد أن المخرج من أزمة المجتمع المصرى تكمن فى ترسيخ آليات الديمقراطية الصحيحة، وتحويلها لأداة لإدارة المجتمع وحل مشكلاته، بدلا من استخدامه أداة لقهره وفقره وتخلفه، مع ضرورة وجود وعى جماهيرى يدافع عن الديمقراطية ويرى أنها بكل عيوبها أفضل الطرق للحكم وإدارة السياسة، معتبرا أنها تسمح بترويض التيارات الدينية العاملة فى حقل السياسة.
وناقش المستشار طارق البشرى الرسالة، مؤكدا أن الدولة فى مصر تهيمن على الدين، ولا يهيمن عليها، وتنظر إليه نظرة "مصلحة" بحتة، فتستغله، فإذا كان فى مصلحتها، و"تقول لأ" إذا لم يكن فى مصلحتها.
وأشاد البشرى برسالة الباحث، مختلفا معه حول أن بعض المسلمين يتحدثون باسم السماء، وقال" لا توجد لدى السنة إطلاقا أى مؤسسة دينية بعد الرسول يزعم شخص فيها أو هيئة أنها تملك قرارا من السماء، وأنها مبعوث من عند الله، وأن من يقول بهذا فقد خرج واختل".
وفرق"البشرى" بين إيران ومصر بعد مقارنة الباحث بينهما، مؤكدا أن النموذج الإيرانى لا يمكن تطبيقه مطلقا فى مصر، لأن إيران لديها مؤسسة دينية تتكلم باسم الدين، فى حين أن "السنة" فكر قادر فى أى وقت على مناسبة العصر والزمان.
وأضاف"البشرى" أن العلمانية ليست المناقضة للدين، وقال: يوجد مشكل عشنا فيه لمدة 25 سنة الماضية للتفرقة بين الدين والعلمانية والناس تعاركت، وعندما أفقنا، معرفناش إحنا رايحين على فين، ووجدنا أننا نتكلم فى مسألة شكلية بحتة.
من جانبه اتهم الدكتور يحيى الجمل، الأستاذ بجامعة القاهرة، النخبة السياسية بأنها لا تعى إلا شيئا واحدا، وهو الاستئثار بكل شىء، وإقصاء الناس عن كل شىء، وباستخدام كل الوسائل، حتى لو كان الدين.
وأضاف أن سبب التضييق على الإخوان، بعد حصولهم على عدد كبير من مقاعد الانتخابات فى 2005، لأنهم وجدوا أنهم سيزاحمونهم فى المكان، فكان لسان حالهم" أنا أريد السلطة وهم ينازعوننى عليها، ونحن لا نقبل أن ينازعنا أحد عليها".
فيما رفض الدكتور يسرى العطار، أستاذ كلية الحقوق جامعة القاهرة، اعتبار أن المادة الثانية من الدستور تدخلا دينيا، وقال المادة الثانية استندت على مبادئ الشريعة التى هى جوهر مبادئ الدستور فى العالم بأكمله، مثل الحرية والعدالة والمساواة والتضامن، وهذا الأمر منطقى للغاية، ونص مناسب تماما.
وأيد "العطار" الباحث فى انتقاده للتعديل الدستورى عام 2007، واختلف معه فى ضرورة فصل الدين عن الدولة، مؤكدا أن الباحث دعا فى مقدمته وخاتمته بالفصل بين الدين والدولة، فى حين، طوال رسالته لا يفصل بينهما، وأن الرسالة دعوة للاعتدال والوسطية مع الإبقاء على هوية المجتمع، وهذا هو جوهر الدمج بين الدين والدولة.





