كيلو اللحم يمكن أن يصل إلى 200 جنيه.. هكذا نقلت الصحف تصريحات وزارية قادمة من الفضاء الخارجى .. ويبدو أن الهدف من هذه التصريحات هو أن يحمد المصريون ربنا وهم يشترون كيلو اللحم فى الوقت الحالى بأسعار تتراوح بين ستين وتسعين جنيها..
ولكى ندرك حجم المهزلة التى تمثلها هذه الأرقام يمكننا مقارنة سعر اللحم فى السوق المصرى وسعره فى أسواق أخرى تقل كثيرا عن مصر فى مستويات الإنتاج الزراعى وتزيد عنها كثيرا فى مستويات المعيشة.. فعلى سبيل المثال فى الإمارات وهى دولة تعتبر من أعلى مستويات المعيشة فى العالم العربى .. وسكانها يشكون أيضا من ارتفاع أسعار السلع الغذائية.. فكم يبلغ سعر كيلو اللحم فى السوق الإماراتى؟؟ .. ربما لن يصدق أحد أن السعر يتراوح بين 20 و45 جنيها مصريا فقط لاغير !! معظم اللحوم مستوردة من جميع أنحاء العالم .. من البرازيل واستراليا والهند وباكستان وغيرها .. بعضها يتم استيراده كمواشى حية تذبح محليا وبعضها يتم استيراده طازجا ومبردا عبر الطائرات .. بل إن كثير من محلات السوبر ماركت الكبرى فى دبى والشارقة وأبو ظبى تقوم باستيراد اللحوم المصرية الطازجة بالذات بالطائرة مرتين إسبوعيا .. وتباع فى الأسواق بسعر يتراوح بين 35 وأربعين جنيها مصرياً تقريباً .. أنا هنا أتحدث عن القطع الممتازة بدون دهن أو عظم وفى أسواق تتمتع برقابة صحية صارمة .. يعنى لا يوجد شبهة على الإطلاق فى وجود تلاعب أو غش من أى نوع .. فما هو السر الرهيب الذى يجعل اللحم المصرى يباع فى السوق المصرية بضعف سعره فى الاسواق المجاورة رغم تكاليف الشحن والتبريد والوسطاء ومكاسب التجار.
لا يوجد أى مبرر اقتصادى محترم يمكن أن يبرر ارتفاع سعر اللحوم فى مصر بهذا الشكل .. فقانون العرض والطلب الذى يصدعنا به منظرو لجنة السياسات يفترض أن الأسعار تستقر عند معدلات متقاربة فى الأسواق المختلفة حول العالم .. ولا يوجد أى مبرر اقتصادى محترم يمكن أن يفسر لماذا تباع اللحوم المصرية فى أسواق الخليج بنصف سعرها فى الأسواق المصرية.. ولماذا تستورد أسواقنا اللحوم المليئة بالديدان وبأعلى الأسعار ويستورد غيرنا اللحوم (من نفس المصدر) بأسعار أقل وبجودة أكثر .. كل قوانين الاقتصاد تقول أن الارتفاع المبالغ فيه وغير المبرر فى سعر سلعة ما غالبا ما يكون بسبب شئ واحد .. الفساد ..والفساد .. ثم الفساد.
فعندما يتحول الوزراء إلى تجار والتجار إلى وزراء .. وعندما يباع الغاز المصرى لإسرائيل بعشر الثمن .. وتوهب الأراضى المصرية بتأشيرة وزير..ويصبح كل شئ فى مصر قابلا للبيع لمن يدفع ثمنا أقل وعمولة أكبر ..يصبح من المنطقى أن تصبح هناك أزمة فى لحوم البهائم .. طالما أن "القطيع" ساكت ويرضى بهذا الوضع المقلوب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة