عمى وتاج رأسى ورأس الكثيريين.. سلام على روحك النقية.. أكتب إليك فى ذكراك، يقولون إنها ذكرى وفاتك.. رحيلك عن دنيانا يقولون ذلك مع أنك لم ترحل.. فمازالت أشعارك طازجة كأنها بالأمس.. ورسوماتك متوقدة كأنك كنت فارغا من عملها للتو.. حتى أحاديثك وضحكاتك الطفولية البريئة الصافية وقفشاتك الساخرة وفلسفتك العميقة فى شتى مناحى الحياة تجعلنى لا أكترث بما يقولوه بأنك رحلت وغبت.. كيف يكون الرحيل ونحن لا نردد إلا كلماتك. ففى عشق مصر ورغم أن فى كل يوم نقرأ من شاعر عن حبه لها لكنك الأشهر والأصدق فى هذا الحب ..فلقد قلت كل شئ فى بضع أبيات يراها القارئ أو السامع بسيطة حتى إذا بدأ يفكر فيما قلت اكتشف أنها أعذب وأعمق مايكنه إنسان لوطن أتذكر : على اسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء.. أنا مصر عندى أحب وأجمل الأشياء.. باحبها وهى مالكة الأرض شرق وغرب..وباحبها وهى مرمية جريحة حرب..باحبها بعنف وبرقة وعلى استحياء..وأكرهها وألعن أبوها بعشق زى الداء..وأسيبها وأطفش فى درب وتبقى هى ف درب..وتلتفت تلقينى جنبها فى الكرب..والنبض ينفض عروقى بألف نغمة وضرب.. ياااااااااه ياعمى ..بالتأكيد تعلم أن مصرتغيرت ليست مرمية جريحة حرب، بل مجروحة ..مصابة.. منهكة القوى أتعلم من من ؟ من بعض أبنائها القابضين على شتى المناصب القيادية بها.. فلقد جعلوها بلا هدف.. بلا قوة..أتذكر عندما قلت: الخلق صنفين وتالتهم ياحسره مافيش..صنف ابن شياطين ..فتوه يعيش بتهبيش..وصنف غلبان ياعينى ماشى جنب الحيط وهما دول اللى بيسموهم الحرافيش.. ذادت أعدادنا كحرافيش ..كد وتعب ومعاناة، والمقابل لاشئ يغنى أو يسمن ..فتات ..والثروة والموارد كلها فى يد فئة صغيرة متخمة هابشة لكل خيرات البلد..لقد باعوا كل الغال بدراهم معدودة..
عمى لا أود أن أثقل عليك، لكنى على يقين بأن اكتئابك المزمن، الذى لم يذهب أبدا جراء هزيمتنا القاسية فى 1967، كان نتاجا من استنتاجك بأنك أحد أسباب الهزيمة ..مرهف أنت مع أن الذنب ليس ذنبك ..كل ماهنالك أنك حلمت وصدقت الحلم فعبرت بالكلمات عن بلدك وعن حاكميها الذين كانوا يتكلمون بثقه مفرطة غير عابئين بقوة المتربص ومن معه ..فاصتحبك الاكتئاب إلى آخر يوم.. المدهش والمخز أن لا أحد يكتئب الآن من حاكمينا الذين انهكونا وأماتونا ونحن أحياء!..ليسوا فى مستوى إنسانيتك بالطبع فكيف نقارن السمو بالتفاهة ؟ تكتئب من أجل كلمات عبرت فيها عن حلم وهم لايكتئبون، بدأونا أحياء؟.. عمى الحبيب الجميل..أسمعك الآن وأنت تقول بصوتك : سهير ليالى..وياما لفيت وطفت..وفى ليله راجع قمت شفت..الخوف كأنه كلب سد الطريق.. وكنت عايز أقتله ..لكنى خفت..عجبى.. ونحن كذلك خائفين..الخوف أمامنا مجسد يملأ حياتنا، وبدلا من مواجهته نخاف..نهرب.. علنا نفلت.. لكنه يلاحقنا، ونفشل فى الهرب فكل الأمكنة محتلة به.. أستاذى.. نحن نفتقدك بشدة كى تبشرنا بالخلاص.
محمد فوزى طه يكتب: رسالة إلى الأروع.. الأجمل.. صلاح جاهين
السبت، 17 أبريل 2010 10:36 ص