طرحت فى مقالى السابق "خلافات السنة والشيعة .. إلى أين؟" رؤية رأيتها عن أسباب الخلاف وكذلك أسس القبول بين المسلمين من السنة والشيعة، وقد تكرم الكثير من القراء بالتعليق على المقال أجبت بعضهم فى المقال السابق .
ولكى تتضح بعض النقاط التى ما زالت محل نقاش هادئ وهادف، فقد رأيت أن أستكمل الإجابة على التعليقات مع ضم الجزء الأول لها ليكتمل توضيح باقى النقاط.
بداية أود أن أشكر الأخ الفاضل / محمد صبحى حفناوى فاقتراحك يا سيدى للموقع بمنع التراشق بين الجبهتين هو ما رجوته من المقال وأدعوا الله أن يوفقنى إليه، فالخلاف بين السنة والشيعة وما يترتب عليه من إقتتال لم يكن أبدا حول أسس الدين أو النصوص القرآنية، وإنما حول ما ذكره هذا أو ذاك من التابعين اللاحقين من تفسيرات وتأويلات وتخريجات لأسباب كانت دائما سياسية ودنيوية ولم يكن من بينها إبتغاء وجه الله، فشكرا مرة أخرى .
بالنسبة للأخ الفاضل صاحب التعليق رقم 2 فأقول إنه فى الإسلام لا يجوز قصر الاحتكام إلى القرآن فقط، ولكن يجب أن يشمل ذلك أيضا الصحيح من السنة، وأقول الصحيح فقط الذى لا يتعارض مع كتاب الله، والذى لا يقصد منه توظيفه لكى ينتصر طرف على الآخر، وبالمناسبة ففى لقاء لى مع المفكر الإسلامى الواعى الدكتور / محمد سليم العوا، باعتباره نائب رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين الذى يرأسه العالم الجليل الدكتور يوسف القرضاوى طلبت منه أن يكون من ضمن المهام ذات الأولوية على قائمة المجلس موضوع تنقية السنة والأحاديث النبوية مما لحق بها من أحاديث مكذوبة ومدّعاة تتناقض بصورة فجة وقبيحة مع ما ورد فى كتاب الله وهو الأصل من آيات ةاضحة وصريحة، مما جعل هذه الأحاديث الموضوعة سببا للخلاف بين المسلمين، بالإضافة إلى أنها أصبحت مدخلا لبعض غير المسلمين الكارهين للإسلام للطعن فى الدين والنيل منه والدين منها براء، ناهيك عن الشك الذى يراود بعض المسلمين فى دينهم نتيجة عدم عقلانية هذه الأحاديث مثل إرضاع الكبير وبول الرسول، والإتحاد العالمى لعلماء المسلمين بما يضمه من علماء أفاضل من شتى المذاهب قادر على تنفيذ هذا المشروع، وسوف يكون هذا العمل تصحيحا تاريخيا لمعطيات الإسلام يفوق فى جدواه على المسلمين إجتهاد الأئمة كلهم مجتمعين، حتى ولو إستغرق إعداد وتنفيذ هذا المشروع عشر سنوات، أطال الله فى عمر علمائنا حتى يبرئوا الإسلام مما لحق به، وسوف يكون هذا العمل ثقيلا فى ميزان حسناتهم إن شاء الله .
بالنسبة للإخوة الأفاضل أصحاب التعليقات رقم 3، 4، أنا لم أدعى أبدا أن مقالى المتواضع سيكون قول الفصل فى الموضوع فالخلافات عميقة ومتوارثة كما ذكرت، ولكنها ايضا غبية وعفنة، ويكفينى أن يثير ما ورد بالمقال التفكير السوى والقبول والتمعن ولو لدى عشرة قراء فقط، أما بالنسبة لنبش الماضى فعلى العكس مقالى ينادى بعدم نبش أسباب الخلاف مهما كانت صوره، وهو ما وقعت فيه أنت حين إقترحت قراءة كتاب الدولة الفاطمية للدكتور محمد الصلابى، وطبعا هذا الكتاب سيثبت وجهة نظرك فى إنحراف الطرف الآخر عن صحيح الدين وسيترتب عليه إقتراح مقابل من معتنقى الطرف الآخر يوصى فيه بقراءة عشر كتب تثبت صحة معتقده وخطأ معتقدك، وهكذا إلى مالا نهاية .
إن جميع الآيات التى وردت بالمقال تبين بوضوح عظم الجرم الذى يرتكبه كل من يسعى إلى شق صف المسلمين وإشاعة الفرقة بينهم حتى ولو بكلمة، وحتى لو أتى بملء الأرض من براهين وأحاديث موروثة أو موضوعة، لا ترقى إلى صدق ووضوح ما ورد فى كتاب الله .
إن الغالبية العظمى من السنة والشيعة يبتغون فى سعيهم وجه الله، لا يقلل من ذلك سعى الفئة الضالة هنا وهناك، فلنتعامل مع بعضنا البعض على هذا الأساس
" ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه، ما عليك من حسابهم من شيئ، وما من حسابك عليهم من شيئ، فتطردهم فتكون من الظالمين " ( الشعراء 113 – 115 )
مع تقديرى وإحترامى للإخوة المعلقين
السيد محمود عبدالحافظ - صاحب التعليق رقم 5
أشكرك لتجردك الدينى والعقيدى، فقد أدركت بطريقة سهلة وبسيطة أن ما يجمع بين السنة والشيعة أكثر مما يفرق بينهم، ولم تسعى إلى سكب الزيت على النار أو إيقاظ الفتنة
السيد صاحب رأى - صاحب التعليق رقم 6
إذا كان مهدى الشيعة غير مهدى السنة كما تقول، فمن هو مهدى الله، وإذا إعتقد الشيعة أن مهديهم غائب وإعتقد السنة أن مهديهم سيولد فى آخر الزمان، هل تظن أن الله سيرسل مهديين أحدهما للسنة والآخر للشيعة حتى يرضى كل منهما، ألا ترى معى أن الله سيرسل مهدى واحد فقط، وأن سبب الإختلاف هو الغوص فى الغيبيات التى إفترضها المفرطون فى كل جانب وسار من تبعهم على إثرهم دون تفكير أو تمحيص، وماذا يعنينى إذا كان المهدى غائب وسوف يبعث أو يولد فى آخر الزمان فسوف يتبعه المؤمنين به أيا كان شكل خروجه .
أنا لا أدعوا أى من الفريقين إلى تبنى تفسير معين، ولكنى أقول للجميع " تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلاّ الله ولا نشرك به شيئا، وألاّ يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله " ورغم أن هذه الآيات نزلت أصلا فى أهل الكتاب أليس من الأولى والأقرب عقلا أن نطبقها بيننا نحن أبناء الإسلام الواحد
السيد أبو عبدالله الصعيدى - صاحب التعليق رقم 7 ( يقول أن الإختلاف بين السنة والشيعة هو فى الأصول وليس فى الفروع )
الدين لم يضيع لأننا لا نستمد ديننا من روايات بعض السابقين قصيرى النظر الذين أسسوا للخلاف بين المسلمين، وإنما نستمده فقط من كتاب الله الذى تعهد بحفظه والسنة الصحيحة التى تتفق معه فقد قال تعالى " إن الله إشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، يقاتلون فى سبيل الله فيَقتلون ويُقتلون " فى سبيل الله وليس فى سبيل السنة أو الشيعة أو النظام السياسى، وهذا يؤكد ما سبق أن ذكرته فى نهاية المقال من أن من يفجر مسجدا أو حسينية من السنة أو الشيعة، لا أشك لحظة أن مصيره إلى النار لقتله النفس التى حرم الله إلا بالحق، مهما كانت هذه النفس ومهما كان دينها، فما بالك إذا كانت نفس مسلم يؤاخيه فى العقيدة .
إن الطعن فى الصحابة - رغم أنه قبيح وغير لائق - ليس طعنا فى أصول الدين ولا يضره فى شيئ، وإنما هو طعن فى أناس تولوا مناصب سياسية فى وقت ما، وها أنت تقول قال إبن حنبل أو القاضى أبويعلى أو أبو زرعة الرازى ولم تقل أن الله تعالى قد قال، وهذا يثبت صحة ما ذهبت إليه من أن الخلاف ليس ناشئا من الأصول من كتاب وسنة صحيحة، وإنما من رؤى وفهم مختلف لا يبرأ من الهوى من التابعين من هنا أو هناك .
وإذا كنت تعيب عليهم التقية، أليست التقية من من الأمور التى أباحها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين إعتذر إليه أأأأأ باكيا من أنه قد ذكر الرسول بالسوء عندما إشتد تعذيب الكفار له فهون عليه الرسول قائلا ( إن عادوا عُد ) .
إذا كان الساكت من وجهة نظرك عن حق الصحابة شيطان أخرس فما قولك فى الساكت عن إشعال الفتنة والإقتتال بما تسببه من ضياع المسلمين كلهم ؟ أليس أعمى وأصم وأخرس .
أما عن قولك بإنتشار التشيع فى العالم الإسلامى، فأنا أرى انه ليس تشيعا فقهيا قدر ما هو إعجاب بإنفراد حزب الله الشيعى فى لبنان وحماس السنية فى غزة بالصمود فى وجه العدوان الإسرائيلى، هذا بالإضافة إلى تأييد إيران القوى لهذه القوى، وهو ما تفتقر إليه معظم الأنظمة العربية والإسلامية.
السيد صاحب التعليق رقم 8 ( يقول أن الدين الشيعى – هكذا سماه – دين آخر لا يمت للإسلام بصلة)
أنا لا أستقى إسلامى - ولا يجب أن أفعل – مما كتبه الكافى وبحار الانوار والمفيد والطبرسى والخمينى وسماع مناظراتهم مع الشيخ العرعور والشيخ الخميس والعريفى والدوسرى والمطيرى، إلى آخر من ذكرتهم، فهؤلاء جميعا لن يغنوا عنى عند الحساب من الله شيئا، حيث سنأتيه جميعا فرادى كما خلقنا أول مرة، وأنا لا يهمنى كثيرا إذا كانوا حسنى النية وذهبوا جميعا إلى الجنة، أو كان بعضهم غافلا وذهب إلى الجحيم، إن ما يقلقنى هو وقوفى وحيدا أمام الله يسألنى إن كنت قد قرأت قوله تعالى "إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم فى شىء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون" أو قوله تعالى " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا "
السيد صاحب التعليق رقم 9 (شيعى متزوج من سنية)
أحييك أخى فى الإسلام الشيعى المتزوج من السنية، وأدعوا لكما بالسعادة فى الدنيا والآخرة، فقد تجنبتما مزالق الشيطان
السيد أبو عبدالله الصعيدى - صاحب التعليق رقم 10 ( ينصح بقراءة كتاب أصول الشيعة للدكتور راغب السرجانى )
أشكرك على نسخة كتاب الدكتور راغب السرجانى ( أصول الشيعة ) الذى أتابع أحاديثه الرصينة على القنوات الفضائية، وهو فى سرده لوحدة الفكر الإسلامى فى هذا التعليق تحدث فى 1387 كلمة، لم يظهر الإنقسام السنى الشيعى إلا فى آخر 300 كلمة منها نتيجة الصراع على الحكم وتجييش الحكام لعلماء الدين التابعين لهم لإستخراج وإستحلاب الأحداث والتفسيرات التى تثبت أنهم على صواب وأن من عداهم كافرون، وأنا متابع لأعمال الرجل قدر الإمكان وقد أزعم أنى معجب بجديته فى دراسة المواضيع وعفته فى طرحها، ولكن لا شك أن إعجابى الأكبر وولائى الأقوى لعدم التفرقة بين المسلمين أو تكفيرهم .
السيد محمد المصرى - صاحب التعليق رقم 11 ( ينصح بترك الحديث فى الدين لأصحاب الفن )
أنا لا أعرف حقيقة هويتك أو إنتماءك، هل أنت سنى متعصب أو شيعى متعصب لا يقبل إختلاف الآخرين معه ؟ أم أنك لا هذا ولا ذاك وإنما ذو إنتماء مخالف يفضل أن تظل نار التفرقة مشتعلة ولا أدرى ما الذى يضيرك أذا حاول البعض أن يطفئها، عموما عملنا بنصيحتك الغالية وتركنا هذه المواضيع لمن تدعوهم أصحاب الفن لمدة أربعة عشر قرنا فما زادونا إلاّ خبالا وتفريقا .
السيد رزق المحلاوى - صاحب التعليق رقم 12 ( يقول أن الشيعة لا يؤمنون بالقرآن الموجود بين أيدى المسلمين – هكذا يقول )
تقول ان الخلاف بين السنة والشيعة ليس خلافا فرعيا كالخلاف العلمى أو الإجتهادى الذى يقع بين المذاهب السنية المعروفة، وكم وددت لو أن هذا كان صحيحا، ولكن للأسف هو غير صحيح فلو سردت عليك الخلافات الموجودة بين المذاهب السنية بعضها البعض أو الشيعية بعضها البعض لأدركت مدى التمزق الذى يعانيه المسلمون نتيجة الفتاوى الباطلة والأساطير المنقولة، وكمثال على ذلك فقد قرأت منذ سنوات عديدة كتاب إسمه ( ما لا يجوز الخلاف فيه بين المسلمين ) الصادر عن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وقد أورد الكتاب أمثلة كثيرة على الخلاف بين المذاهب حيث حرم أحد المذاهب السنية تزويج نسائه من أتباع مذهب سنى آخر .. لماذا ؟ لأنك إن سألت رجلا من المذهب الثانى هل أنت مؤمن ؟ فيقول لك أنا مؤمن إن شاء الله، وهذه الإجابة تدل على أنه غير واثق من إيمانه، إذا فهو كافر فى نظر أصحاب المذهب الأول ولا يجوز تزويجه من نسائهم، إلى هذا الحد وصل الغباء والتلاعب فى دين الله وتدميره الذى يقوم به الناقلون والمفسرون والمتنطعون بإسم الدين، أو أهل الفن كما يقول صحب التعليق السابق رقم 11، وأنا هنا لا يعنينى ما قاله محمد بن يعقوب الكلينى فى أصول الكافى ترديدا لما قاله إبى عبدالله .
أما قولك أن الشيعة لا يؤمنون بالقرآن الموجود بين أيدى المسلمين فهذا قول غير صحيح فمنذ سنوات عديدة دأبت قناة المنار على إحياء ليالى رمضان بقراءة القرآن بواسطة قراء مصريين، يعقب ذلك مسابقات فى حفظ القرآن وتلاوته من أطفال صغار لا يتجاوزون العاشرة من عمرهم يجلس الطفل منهم فى مواجهة خمسة من الشيوخ الكبار معظمهم من المصريين خريجى الأزهر، ويبدأ الطفل بالإعلان عما سيتلوه من القرآن الذى يحفظه ثم يتلوا ما أعلن عنه، وإذا أخطأ - ونادرا ما حدث – يصحح له الشيوخ الكبار ما أخطأ فيه، يلى ذلك الجزء المعجز فى المسابقة حيث يقوم المشايخ على التوالى فاتحين مصاحفهم بذكر كلمات قليلة من إحدى سور القرآن لاتتعدى الثلاث كلمات فيحدد الطفل غيبا دون النظر فى المصحف إسم السورة ورقم الآية ومكانها فى الصفحة اليمنى أو اليسرى من القرآن ثم يتلوا الآيات السابقة لها واللاحقة عليها، وإذا تكررت نفس الكلمات فى أكثر من سورة فعليه ذكرها كلها، إنه شيئ معجز لعل الكثيرين قد شاهدوه مثلى، ثم تأتى بعد ذلك لتقول لى أنهم لا يؤمنون بالقرآن الموجود بين أيدى المسلمين، ما هذا الذى تقول ؟
السيد إبراهيم منصور- صاحب التعليق رقم 13 ( يتابع مقالات الكاتب فى جميع المواقع، ويقول أن فيه حاجة غلط فى اليوم السابع )
لا أدرى إن كنت تقصد بذلك الثناء أو الذم، على العموم يستويان عندى .. وإن كنت أفضل أن أقرأ وجهة نظرك حتى يمكننى التعليق
الأخت صاحبة التعليق رقم 15
أشكرك على ما تفضلت به، وأنا أعلم عن مساهمتك فى رابطة المعلقين التى أنشئت على الموقع حديثا، ولعلك تساهمين والإخوة فى الرابطة بالتعاون مع الأخ الفاضل صاحب التعليق رقم 1 فى تنقية التعليقات وربما المقالات مما لا يليق بالموقع ولا بالإسلام .
أخيرا شكرى لكل من تفضل بالتعليق، فهذا التفاعل الإيجابى الهادف مع المقالات يثرى النقاش ويعظم الفائدة لكل من الكاتب والقراء، ولكم جميعا خالص إحترامى وتقديرى .
* لواء أركان حرب متقاعد - خبير إستراتيجى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة