د.عادل السيد

العنصرية على الطريقة الألمانية

السبت، 17 أبريل 2010 07:06 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حادث اغتيال المصرية مروة الشربينى داخل ساحة القضاء الألمانى فى مدينة درسدن لم يكن حادثًا عرضيًا وتبريرات السيد السفير الألمانى فى القاهرة لعائلة الفقيدة وللمجتمع المصرى بسياسية وللإعلام تعتبر ضرورة دبلوماسية لابد منها ليمر الحادث دون مزيد من المشاكل، ولكن فلندع مشهد الإغتيال القبيح يمر علينا من جديد لنحكم عما إذا كان الحادث فعلاً عرضيًا أم لا؟ فقاتل السيدة المصرية الشابة، الشربينى، دخل ساحة المحكمة مسلحًا وهذا ما لم ممكنًا بأى حال من الأحوال، بأن يدخل شخص مدعى عليه إلى ساحة القضاء "الألمانية" وفى سترته سكينًا بلغ نصله كذا وكذا من السنتيمترات، وأن هذا الشخص يصل ودون رقابة إلى المصرية - المدعية عليه – ليطعنها عدة مرات قاتلاً لها، والمصيبة هنا أن يطلق رجل الشرطة "الألمانى" الرصاص على زوجها – الداكن البشرة- والذى حاول أن يحمى زوجته الشابة من طعنات القاتل – الفاتح البشرة- ليقوم رجل الشرطة "الألمانى" بإطلاق الرصاص لا على القاتل بل على الغريب، فرجل الشرطة لم يتوقع أن يقوم شخص فاتح البشرة بالعنف حيث إن هذا العنف الدموى مسجل اجتماعيًا ليكون شرقيًا وعربيًا - وليس بالضرورة "إسلاميًا"، وهذا ما لم يريد الإخوة أقباط المهجر المسيسين فهمه، رغم سهولته، فهم بتقديرى لم يستوعبوا الدرس القائل بأن أول ضحايا ملحقات حادث الحادى عشر من سبتمبر كان هنديًا يعتمر غطاء الرأس الخاص بطائفة السيخ، وأن الضحية الثانية كان قبطيًا مصريًا من أهالى مدينة (نيو جرسى) الأمريكية، ولم يكن بالضرورة مسلمًا.

مر ذلك على ذهنى كشريط لأفكار وأنا أقف مع ابنتى فى صف طويل أمام شباك مراجعة جوازات السفر بمطار ميونيخ صباح 26 مارس، وكان على يميننا ويسارنا صفوف أكثر طولاً، ولكن صفنا كان هو الوحيد الذى لا يتحرك سنتيمترًا واحدًا إلى الأمام ولمدة دعتنى لأن أنظر لأرى ما ومن سبب التعطيل، فقد فكرت أن شباك الكشف الأمنى ليس مشغولاً بأحد من رجال الشرطة، ولكنه كان مشغولاً بالفعل، وهنا رأيت أن الذى يتعامل مع الشباك هو نفس الهندى الضحية، ضحية حادث برجى نيويورك، بلباسه المميز وعمامته المشهورة ولباقته البالغة الأدب لدرجة الإيحاء بالخنوع والخضوع والذلة والمذلة، وكلها درجات يعمل الشرقى على تلقينها لكثير من الغربيين كدرس من دروس اللباقة والتعامل معه، هنا تقول لى ابنتى بأنه لا فرصة لنا للوصول اليوم ولا غدًا إلى القاهرة، فصديقنا الهندى سيقضى اليوم كله أمام هذا الشباك العنصري، فلنغيره، وهذا ما كان. ومع الحركة إلى نهاية الصف الموازى أصبح الاختلاف محسوسًا ملحوظًا وبسرعة، فالكشف على جواز "الأبيض"- ابن البلد - لا يستغرق ثوان معدودة، ومع وقوف الموظف الشرطى بعض الشئ أمام جوازينا، إلا أنه تكرم وسمح لنا بالعبور بعدما يقرب من الدقيقة أو أضعاف مضعفة للكشف العادى على "جواز أبيض"، لنترحم على الهندى بنظرة منا إليه، لينظر إلينا من تحت نظارته نظرة لا يعرفها إلا من جرب هذا الموقف - ولا معين.

أما عن الحادثة الثانية وفى نفس مطار ميونيخ، فكانت عند عودتنا إلى ميونيخ مرة أخرى بتاريخ 11 أبريل، وهى التى بدأت تفاصيلها فى مطار القاهرة، وفى مطار القاهرة لا أعرف ما الذى دعانى لأن أسال موظف السوق الحرة الشاب عما هو بالمسموح بأخذه للسفر إلى أوربا، ليرد هذا بأن المسموح به هو عدد 400 سيجارة، لآخذها كما قال لى، أفليس هو الموظف المسئول؟ من جهة أخرى أرى من المسافرين الألمان من يأخذ عددًا ضخمًا من باكوات دخان الشيشة، وأخر يأخذ عددًا مضاعفًا من صناديق السجائر الرخيص، وهو ما ليس لنا حاجة إليه. وعند الوصول إلى مطار ميونيخ يخرج نفس الألمان معنا فى طريق طويل يؤدى إلى نفس الشباك العنصري، ليتم سؤالنا: من أين أتينا؟ لنقول: من القاهرة، لنمر فى الطريق إلى الخارج وأمامنا المحملون بكارتين السجائر وباكوات دخان الشيشة لا يفرق بيننا شيئًا إلا المظهر الخارجي، الشرقى العربى فقط. هنا تقف موظفة شرطية ألمانية، لا تلقى بالاً للقادمين الألمان "البيض"، وما يحملوه من متاع محظورات بالطبع من القاهرة، لتقول لى ابنتي: احذر هناك من يتتبعنا، لأقول لها: أننا فى مطار لا فى ساحة معركة، لتشير لنا نفس الموظفة قبل الوصول إلى الساحة الخارجية بثلاثة أقدام بالدخول إلى غرفة للكشف على المتاع المحظور، ولتسألنا كما الزميل: من أين أتينا، وماذا أحضرنا معنا؟ لأقول لها: ليس لدينا ما هو بالمحظور، وأن عليها الكشف بنفسها على متاعنا المرافق. لتقوم فتخرج لكل منا كارتونة سجائر زائدة عما هو بالمفروض إدخاله إلى أوربا، كما قالت، لأروى لها، ما دار بينى وبين موظف السوق الحرة بمطار القاهرة، لتقول لي: ليس لنا علاقة به، فنحن مستقلين عنه ومنه، لأنظر خلفى لأرى كل من بصالة الكشف الجمركى من الأجانب فقط، ولا أثر لأبيض واحد ممن تظاهر بما حمله معه من القاهرة، ولأفهم الرسالة، وهذا ما قلته لها: أنكم تكيلون فى الحق بمكيالين، فهذا حقك ولاشك، ولكن التفرقة فى المعاملة بين الأبيض والشرقى واضحة للعيان، لتقول لي: هذا يعتبر قذفًا فى حقي، لأرد عليها، معى الدليل على قولى وأن هذا ليس بقذف بقدر ما هو إثبات لحالة يراها المرء دون حاجة لكثير من الذكاء والخبث، ولأشير لها إلى صالة الجمارك المكتظة بالأجانب، والأجانب فقط، لتقول لى ابنتى أمام الموظفة معقبه : إنها ليست صالة للجمارك، بل بيت لاجئين من الشرق وبلاد العرب، وهذا ما دعانى أضحك وأكمل مسيرتى معها بعد دفع غرامة سجلتها العنصرية كضريبة على كوننا من الشرق وبلاد العرب – لا تظهر معها الهوية الدينية قدر العنصر.

وأخيرًا أوجه بهذا رسالة إلى السيد السفير الالمانى فى القاهرة، بأنكم تتعاملون حاضرًا "وتحت ضغوط خارجية كثيرة" مع ماضيكم البغيض، بغرض التخلص مما شابه من عنصرية عالقة به، وقد تخلصتم بالفعل من الكثير، بأن ألقيتم ما تخلصتم منه فى سلة واحد من أهم أجهزتكم، وهو جهاز الأمن، ليصبح هذا الجهاز بالنسبة لى ولكثيرين غيرى، جهازًا يختزل كل ماضيكم الكريه فى صفوفه المفترض لها أن تقدم الأمن والآمان، فبرجاء النظر تحت أقدامكم لا على رؤوسنا، فهى شرقية.

* استاذ علوم سياسية بجامعة ونسبروك بالنمسا.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة