براء الخطيب

وثائق "عنات كام" وكشف سياسة "بلا أسرى"

الجمعة، 16 أبريل 2010 09:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى الأيام الأخيرة انقلبت إسرائيل رأسا على عقب نتيجة لما قامت به الصحفية الإسرائيلية الاستقصائية (سوف نتحدث كثيرا بعد ذلك عن الصحافة الاستقصائية فى مقالات لاحقة) وهى الصحفية "عنات كام"، التى زودت الصحفى الاستقصائى مراسل صحيفة "هاآرتس" الذى يعيش فى لندن "أورى بلاو" بوثائق عسكرية حصلت عليها أثناء خدمتها كمجندة فى مكتب قائد "الجبهة الجنوبية من المنطقة الوسطى" للجيش الإسرائيلى لتثير، من الناحية الأمنية، قضية بالغة الحساسية بين ما هو أمنى وما هو إعلامى، أما من ناحية انتهاك القوانين الدولية وقوانين حقوق الإنسان وكل الأعراف الإنسانية فإن الوثائق التى سربتها "عنات" للصحفى "بلاو" ونشرتها صحيفة "هاآرتس" فإن هذه الوثائق تشكل "وسائل إدانة قانونية" جديدة تضاف لما سبقها من وسائل لضمان محاكمة الصهاينة متخذى ومنفذى هذه القرارات والمنافية لكل القوانين الدولية وقوانين حقوق الإنسان، فمن بين ما بينته الوثائق وجود "قرارات عسكرية إسرائيلية" مع سبق الإصرار والترصد بتنفيذ "عمليات اغتيال لفلسطينيين" تصنفهم الأجهزة الأمنية للاحتلال الإسرائيلى بأنهم "مطلوبون" وحتى لو أدى الأمر لقتل "مدنيين فلسطينيين" صادف تواجدهم فى ساعة الحدث لحظة تنفيذ عملية الاغتيال، مع أن الشعب الفلسطينى لا يحتاج لدلائل مادية على أن الاحتلال الصهيونى وساسته وجنرالاته العسكريين قد ارتكبوا، ومازالوا يرتكبون، مجازر ضد الشعب الفلسطينى، حيث إن هذه الجرائم ترتقى لكونها "جرائم حرب" و"جرائم إبادة جماعية" منذ مجزرة "دير ياسين" والتى قاد تنفيذها فى حينه "مناحيم بيجن" الذى أصبح فيما بعد أحد رؤوسا الوزراء فى دولة الاحتلال الصهيونى وتقاسم جائزة "نوبل" للسلام مع الرئيس "السادات"، فمنذ أسابيع قليلة أعدم جيش الاحتلال الصهيونى أربعة فلسطينيين بدم بارد فى قريتى "عورتا" و"بورين"، باعتراف التحقيق الذى أجراه جيش "الاحتلال الصهيونى" نفسه والذى كانت محصلته النهائية أن قتل الفلسطينيين فى "بورين" و"عورتا" أنه "كان بالإمكان منع القتل لو تصرف الجنود بطريقة مختلفة" تبعا لما جاء فى أوراق التحقيق بالنص، وفى نفس السياق مازالت جريمة القوات الخاصة الصهيونية فى مدينة "نابلس" متجذرة فى وجدان كل فلسطينى عندما اغتالت فى ديسمبر 2009 ثلاثة من قادة كتائب شهداء الأقصى وهم نيام فى بيوتهم وبين أطفالهم مع العلم أن قوات الاحتلال الإسرائيلى كان بإمكانها اعتقالهم دون أى مقاومة تذكر، ويمكن القول إنه لم يسبق لقضية أن أثارت هذا القدر الكبير من الاهتمام السياسى والقضائى والإعلامى فى الكيان الصهيونى لأنها تقع على مفترق طرق بالغ الأهمية بين "الأمن" و"الإعلام"، وربما لهذا السبب كانت تذكر فى وسائل الإعلام، وفى اليوم الذى نشرت فيه الوثائق أعلن "يوفال ديسكين" رئيس جهاز مخابرات "الشاباك" قائلا: "إن الوثائق العسكرية الخاصة بهذه القضية هى من النوع الذى يعتبر حلم كل دولة عدوة أن تضع يدها عليها، نحن كان سيسرنا الحصول على مثل هذه الوثائق للعدو"، وشدد رئيس "الشاباك" على أن "الهدف الأساسى لدينا هو إعادة الوثائق السرية الباقية كى لا تسقط فى أياد معادية"، ولكن صحيفة "هاآرتس" نفسها شددت بالمقابل على أن المسألة فى جوهرها "ليست أمنية" لأنه لا يعقل أن تمس هذه الصحيفة "أمن الدولة"، ورأت أن القضية فى جوهرها محاولة "المؤسسة الأمنية" إخفاء إخفاقاتها وانتهاكاتها، وأكدت على أن "القضية التى ينبغى التحقيق فيها، هى قضية بطلها ليس مراسل هآرتس بلاو، الذى قام بعمل ممتاز حين كشف للجمهور أمراض الجهاز، أو مصادره، بل أبطالها "أولئك القادة الكبار الذين قرروا أن يركلوا بقدم فظة تعليمات محكمة العدل العليا"، ويقول الكاتب الفلسطينى "محمد أبو علان" إن الأمر يتعلق بقرارات وبروتوكولات رسمية أقرت ووقعت بشكل رسمى فى اجتماعات لقيادات فى جيش الاحتلال الإسرائيلى وعلى أعلى المستويات، ومن قام بتسريبها مجندة حازت على تصنيف أمنى عالى وخدمت فى صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلى، مما يعنى أن إدانة "دولة الاحتلال الإسرائيلى" بشقيها "السياسى" و"العسكرى" يجب أن تكون قطعية لثبوت الدلائل بشكل قطعى أيضاً، وهذه القرارات والممارسات الإسرائيلية تشكل "خرقا واضحا وصريحا لكافة المواثيق والشرائع الدولية" التى تحرم عمليات القتل خارج القانون، وتنص على محاكمات عادله حتى للمحاربين وكل من حمل السلاح فى الحرب، والجدير بالذكر أن هذه السياسية الإسرائيلية ليست بجديدة بل استخدمت طوال سنوات الانتفاضة الفلسطينية الثانية بشكل خاص، وفى تقرير سابق أعدته المؤسسة الحقوقية الإسرائيلية "بتسيلم" أشارت لتبنى جيش الاحتلال الإسرائيلى فى العام 2004 لما يعرف بسياسية "بلا أسرى" والتى كان عمادها الأساسى "اغتيال فلسطينيين بإطلاق النار عليهم من قبل قوات الأمن الإسرائيلية خلال "عمليات الاعتقال"، ووفق المعطيات الإحصائية لـ"بتسيلم" ففى خلال العام 2004 فقط تم اغتيال (89) فلسطينيا انطلاقاً من سياسية "بلا أسرى"، وكان من بينهم (17) شخصا من المدنيين غير المصنفين كمطلوبين وفق تصنيفات جيش الاحتلال الإسرائيلى، بالإضافة لذلك (43) ممن تم اغتيالهم لم يحاولوا استخدام السلاح أو يقاوموا عملية اعتقالهم، مما يشير بوضوح أن عمليات الاغتيال هى الهدف وليس الاعتقال وإلا ما فقد (60) مواطنا فلسطينيا حقهم فى الحياة نتيجة الممارسات الإسرائيلية فى ذلك العام وحده، وقد سمحت المحكمة العليا الإسرائيلية فى "تل أبيب" بنشر تفاصيل بروتوكول محاكمة "عنات كام" فى العاشر من شهر فبراير الماضى وخلال التحقيق ذكرت "عنات" أنها لم تخضع لتحقيق أمنى شامل، وأضافت أن "المكتب الذى عملت فيه كان مخترقاً من حيث حماية المعلومات"، وأنها "لم تعلم أن تسريب المعلومات فيه تهديد على أمن الدولة... وأن التاريخ يصفح دائما عن الذى يكشف جرائم الحرب، بل إن قاضية المحكمة العليا الإسرائيلية "إيالا بروكاتشيا" كانت قد قررت تشديد ظروف اعتقال الصحفية "عنات كام" وقد استجابت بذلك قاضية المحكمة العليا جزئيا لطلب النيابة العامة من المحكمة اعتقال "عنات" حتى الانتهاء من الإجراءات القضائية المتخذة ضدها، وبموجب قرار القاضية "بروكاتشيا" ستخضع "عنات" للإقامة الجبرية على مدار الساعة وأنها ستلزم بالمثول أمام الشرطة مرة أسبوعيا، ويذكر أن قضية "عنات كام" والتى قامت بتسريب هذا العدد الهائل من الوثائق العسكرية السرية للصحافة قد شغلت وسائل الإعلام الإسرائيلية خلال الأسبوع الماضى، هذه الوثائق العسكرية التى سربتها المجندة الإسرائيلية "عنات كام" من مكتب قائد "المنطقة الوسطى" فى جيش الاحتلال الإسرائيلى، وعلى المؤسسة الفلسطينية الرسمية ومؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية والعربية والدولية ألا تطوى هذه الصفحة بسرعة وسهولة، بل يجب ملاحقة الموضوع بشتى السبل والوسائل لتشكل هذه الوثائق وسائل إدانة قانونية جديدة تضاف لما سبقها من وسائل لضمان محاكمة متخذى ومنفذى هذه القرارات والمنافية لكل القوانين الدولية وقوانين حقوق الإنسان.

* كاتب وروائى مصرى






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة