لا أعرف السبب وراء عدم الانسجام بين المهندسين المصريين وجهات الأمن فى المحروسة؟، المهندسون يبذلون ما فى طاقتهم لراحة المواطن المصرى الغلبان، اللى زيى وزيك، والجهات إياها تقطع الطريق عليهم!.
مثلا: صمم المهندسون نفقا بديعا تحت شارع التحرير، يمر منه المشاة آمنين بين جامعة الدول العربية ومبنى ووزارة الخارجية القديم، تدخل إليه من حديقة وتخرج منه إلى حديقة، وتشعر أنك بنى آدم، وأن هناك من يهمه أمرك، تصميم جميل، تكلف الملايين، وكنا فى (حياة سابقة) نمرُّ منه متمهلين وآمنين، أسرا وعشاقا وموظفين، بل واستخدم مرة كمعرض لبيع منتجات الشباب، لكنه أغلق فجأة ببوابات حديدية، وفسرت الشائعات الأمر بـ "تعليمات أمنية" فصار مبولة للمتسللين من المحصورين!.
فى الإسكندرية أيضا كانت عدة أنفاق تسهل على الناس المرور تحت تقاطع شارعين فى محطة الرمل، تكلفت ما تكلفت، وتمتع بها من تمتع فى (حياة سابقة) ثم صارت إلى ما صارت، عندما جاء هادم اللذات، ومطارد الجماعات، ليجعلهم يتقافزون فى هلع بين أبواق وفرامل السيارات!!.
فى باريس تركب المترو وتنزل فى محطة اللوفر، وما إن تخرج حتى تجد المتحف الأشهر أمامك بكامل بهائه، وفى القاهرة أيضا (ومحدش أحسن من حد) محطة للأوبرا، صممها المهندسون البارعون، لتخرج منها مباشرة إلى المسرح الصغير والكبير، وباقى المؤسسات الثقافية، وقد تمتعنا بذلك فى (حياة سابقة)، ثم أغلق المنفذ إلى الأوبرا فجأة دونما سبب سوى ما تقدمه الشائعات من تفسير!، لتسير أيها الراغب فى الثقافة، المحب للآداب والفنون، على قدميك لنصف ساعة مثلا، أو تأخذ تاكسى إذا ما كنت مسنا أو مريضا تتوكأ على عصاك لتلحق بالعرض أو تشارك فى الفعاليات!
أكاد أصدق أن (الراكب) هو من يهتم به المرور، وينشغل بالتخطيط له، وأن (الماشى) مجرد زائدة دودية لا نفع منها ولا ضرر، كنت أتصور أنهم فى تخطيط الشوارع وتصميم الكبارى يدرسون حركة الناس ويضعونها فى اعتبارهم، لكنهم لا يفعلون، ويظل الناس يخططون لأنفسهم فتجد شخصا فى الميكروباص يقول : "الفتحة" معاك يا أسطى، والفتحة إما نقرة فى جدار، أو أسياخ منتزعة من سور حديدى، المهم أنها تعفى الراكب الذى عانى فى انتظار الميكروباص، ثم عانى فى الحصول على مقعد فيه، من المشى نصف ساعة أخرى، تحت الشمس فى الصيف وتحت المطر فى الشتاء، للوصول إلى المكان نفسه من الجهة الأخرى!
هكذا نصبح أمام من يخططون على الورق فى المكاتب، ومن يخططون فى الشارع، بالتفاهم مع سائقى الميكروباص! فى كل مرة أسمع زعقة الراكب المسكين، أو الراكبة الغلبانة، : سلم التحرير لو سمحت، أو عند الملف يا عسل، أبتسم وأتذكر قصة يوسف إدريس عن "الفتحة" هذه، وأردد مع فيروز، ما قالته فى مسرحية لها : الناس هى اللى بتعمل المحطة!!