يعود بعض كتابنا الذين يمارسون فن الكتابة والنقد فى الوسط الثقافى إلى شدة السرعة، وسرعة الحكم عن طريق العاطفة – وأعنى بها السرعة فى الحكم على النصوص الإبداعية والأعمال الأدبية كالشعر، والرواية، والقصة، والمسرحية – فهذا التسرع، أو هذه السرعة من أجل طبخ مقالة أو سلق ما يسمى بدراسة، قد تؤدى بالكاتب إلى قتل حقيقة ساطعة أو دهس عبقرية مبدعة.. وعدم التروى فى استبصار الأعمال، دفع الكثير من كتابنا إلى ركوب عربات السقوط والوقوع فى قلق الموازنة المتأتى فى السرعة فى الحكم المباشر وغير المباشر، ولكون الأعمال الإبداعية –الأدبية- ذات قوة وتأثير وهى ليست مجردة، إنما هى قوة متحركة فى المجتمع، فلنا أن نراقبها ونترصد آثارها ونسمع أصداءها، لكى نستجلى نفع تأثيرها أو عدمه.. ومن اليسير جدا أن يطلق الناقد حكما على عمل إبداعى بدون تحليل ودراسة مثلا –إن فلانا ليس شاعرا، وفلانا أشعر أو أفكر، وذاك ليس قاصا وذلك قاص ماهر والآخر أمهر – ولكن الأمر العسير هو اكتشاف مبررات الحكم وأسانيده وتدعيم هذا النفى، وإلا أصبح الحكم عملية تقتل الناقد والمنقود بحكم القوانين الأدبية فى الكتابة والبحث والدراسة ومناهج النقد الأدبى والعكس صحيح أيضا، عندما يقول النقد: إن فلانا مبدع وفلانا موهوب.. وجب عليه – أى النقد – قيام الشواهد النصية إذا كان الإبداع صفة فيه لإثبات الرأى وترسيخ الدليل بالحجة والبينة، لا وفق المقاييس التى تعتمد التقرير الانطباعى والمنطق المزاجى.. والافتراضات التى تحمل النصوص فوق ما تحتمل من التفاسير والاحتمالات، صحيح أن الكتابة النقدية لا تخلو من فائدة تجتنى وأبسط فوائدها طرح قضية للحوار، وبسطها للاكتشاف، والرأى الذى يبديه أى ناقد لا يمثل المنقود إلا بقدر ما يبدى من نماذج أعماله أما مسئولية الرأى فهو على صاحبه. لهذا يشترط صحة المعارف ووضوح الاستدلال والخبرة ليكون الرأى مشروعا لأن الحكم أصعب الأمور، فعندما نحكم لشىء أو عليه لابد أن تكون براهيننا مقنعة ولابد أن يكون حسن القصد وسيلتنا وغايتنا ليصبح الحكم مقبولا أو قريبا من القبول. وأخيرا نقول إن العبقرية الكتابية هى ليست كيل المدح أو وزن الذم.. وإنما هى استجلاء الحقائق والبرهنة عليها.. واكتشاف الأسباب والتدليل على منشئها نفسيا وزمنيا ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى الموضوعية لكى ننتفع بكتابة الآخرين وننفع بما نكتب.
