البعض أصابته دهشة من أنباء تورط مسئول حكومى فى مصر فى رشوة من شركة مرسيدس، لكى يسهل شراء منتجاتها من السيارات الفارهة، لكن الدهشة لا محل لها، لكونها أمراً متوقعاً فى ظل حالة الفساد المتفشية، التى يصعب الفصل فيها بين الرشوة والإكرامية والعمولة، وقد كنت أتصور أن علاقة المصريين بالمرسيدس تختلف عن كثير من الشعوب، لكن يبدو أن ارتباط مرسيدس بالنفوذ أمر يتسع فى أنحاء أخرى من العالم.
كان المصرى المتوسط عندما يسمع لفظ سيارة فارهة تقفز صورة المرسيدس، مع وجود أنواع أخرى بعضها يتجاوز سعر المرسيدس وربما فخامتها، لكن بقيت المرسيدس تحمل بجانب شكلها معنى النفوذ، والسلطة والقوة، والكثير من الغموض والالتباس فى النظر إلى راكبها.
منذ السبعينات كانت السيارة المرسيدس ترتبط بالثراء وحملت ألقابا تجمع بين الشك والسلطة، فقد أطلق عليها المصريون أسماء متوحشة وغامضة التمساحة والخنزيرة، ثم تطور الاسم فى الثمانينات ليصبح البودرة والعيون، فى أفلام السبعينات والثمانينات كانت قفزة الفقير إلى عالم التهريب أو البيزنس ترتبط بركوب المرسيدس، وفى رائعته "الراية البيضا" خلد أسامة أنور عكاشة صرخة المعلمة فضة المعداوى الشهيرة بصدى الصوت "ولا ياحمو التمساحة ياالااا"، كانت فضة بنفوذها "التمساحاوى" المستحدث، فى مواجهة السفير مفيد أبو الغار والفيلا التى كان يملكها، كان أسامة يتنبأ بزحف الفوضى وإزاحة الأصالة، هدم الفيلات لإقامة أبراج الأسمنت، باستخدام كل الأساليب الملتوية، كانت التمساحة رمز النفوذ والقوة.
اليوم تبقى التمساحة رمزاً لهذا النفوذ نفوذ شركة دايملر مرسيدس، التى كشفت التحقيقات الأمريكية أن شركة "ديملر مرسيدس بنز" قدمت رشوتين لمسئول مصرى كبير بين عامى ١٩٩٨ و٢٠٠٤ الأولى بمبلغ ١.١ مليون مارك ألمانى، والثانية ٣٢٢ ألف يورو - لتسهيل شراء الحكومة سيارات ومعدات من الشركة، قدمت الذى يسعى كثيرون للانفراد بنشر اسمه كسبق مع أن الأمر أعمق من أن يعلن اسم موظف او وزير كبير بالقطع يعيش الآن أياما صعبة، لأنه يتوقع ان يرى اسمه بين لحظة وأخرى مع صورته فى صدر الصفحات الأولى للصحف، وهو الذى كان يختفى خلف نفوذ المرسيدس السوداء، وفى انتظار أن تعلن أمريكا وسلطاتها اسم المسئول أو الوزير، وما خفى قد يكون أعظم.
هناك طرف آخر ساهم فى الرشوة وتوسط بين الشركة والمسئول إياه، الذى حصل على الأموال عن طريق شركة "كونسالتنج إيجيبت" أو "مصر للاستشارات"، التى كانت ستاراً عمل فيه المسئول ليحصل على الرشوة بهدف تنشيط مشتريات مرسيدس وسياراتها فى مصر، شركة "ديملر مرسيدس بنز" أقرت بدفع رشاوى بلغت عشرات الملايين من الدولارات لموظفين عندنا، ، لكن ليس لنا أن نغضب فالشركة قدمت رشاوى لمسئولين من ٢٢ دولة شملت مصر والعراق وتركيا وكرواتيا والصين وروسيا واليونان وإندونيسيا وساحل العاج ولاتفيا ونيجيريا وفيتنام وأوزبكستان وتركمانستان وتايلاند والجبل الأسود وصربيا، لنكتشف أن مرسيدس لها نفوذ هى الأخرى فى تلك الدول، وربما كانوا يطلقون عليها أسماء دلع مثل الخنزيرة والتمساحة.
قضية مرسيدس بدت أنها مثلت مفاجأة للبعض، مع أنها أمر متوقع وأحيانا يبدو غير مجرم فى دول يصعب الفصل فيها بين العمولة والرشوة، وشركة الاستشارات الوسيطة مثالا للكثير من الشركات التى تعمل ستاراً لعمليات غسيل الأموال والرشاوى وأحيانا المخدرات والاستخبارات.
ومثل هذه القضايا تعيد إيقاظ تفاصيل كثيرة تدور حولها فكرة الرشوة وهناك صفقات كثيرة تردد أنها عقدت بالرشاوى، ولن نذهب بعيداً، ومجلس الشعب عندنا اعترف بأن العمولات والسمسرة فى عملية الخصخصة بلغت 33 مليار جنيه، وهو أمر مازال البرلمان يعتبره أمراً عادياً ولم يعتبره جريمة تستحق التوقف، فلماذا يصيبهم الاندهاش من رشوة وهم يرون المرتشين يتقافزون حولهم، أنه نفوذ المرسيدس وفضة المعداوى، التى يبدو أنها أصبحت أكثر قوة فى البرلمان والحكومة والنظام المعداوى كله.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة