رأيت شباباً يتفجر بحب بلده إخلاصاً, لا تظهر عليه رهبة.. ورأيت صلابة الفتيات الثابتات كالصخر فى هتافهن من القلب للحرية والديمقراطية.. رأيت إصراراً على الاستمرار يحمل أملاً بلا حدود فى إحداث التغيير.. هذا الأمل وجب على المجتمع أن يتشارك فيه بإيمان أن التغيير قادم وأن يدعم هذا الحراك ويترك موضع المراقب.
رأيت على الجانب الآخر عنفاً صارماً يصل لدرجة الاستماتة لو تحققت بنفس المستوى فى إدارة عموم الدولة لكانت مصر الآن فى مصاف الدول الناهضة.. راودتنى أفكار شتى وأنا أشارك فى الهتاف للحرية.. ضباط يقودون الحصار.. ونتساءل ماذا ينتابهم وهم ينفذون الأوامر بسحق شباب مخلص قد يكون ابنه أو أخوه أو صديقه.. هؤلاء الضباط منهم بالضرورة الكثيرون الذين يدركون بحسهم الوطنى المخلص ضرورة التغيير، ولكنه الواجب الوظيفى.. رأيت جنوداً لا حول لهم ولا قوة ولا ناقة لهم ولا جمل فى كل ما يجرى أمامهم ويستعملون فقط كدرع بشرى للحصار ومنع الانتشار.. امتلأت أسى على هؤلاء الجنود المسلوبين الإرادة، اللذين يسخرون لقاء حد الكفاف اليومى.. رأيت أمامى وحوشاً بشرية شرسة تلبس ملابس مدنية تتوافد فى مجموعات على عجل وفى توقيت معين لإتمام أعمال القنص والضرب.. تساءلت لماذا تكونت فرقهم أصلاً؟.. الجميع يعرف ماهيتهم, الشعب والصحافة المحلية والعالمية أيضاً، كما أخبرتنى مراسلة إحدى أكبر الصحف الأمريكية, الجميع لا تخدعهم الملابس المدنية واللوم لا يخطئ وزارة الداخلية على كل اعتداءتهم وانتهاكاتهم العنيفة.
عندما يستفز المشهد من يحضرة منا نحن المطالبين بالحرية، فقد وجب علينا أن نوجه سخطنا فى الوجهة الأولى بذلك، وهى من أقر وطالب بإستراتيجية سحق الحركة المدنية السلمية المطالبة بالتغيير الديمقراطى, فأكبر الرؤوس فى جهاز الأمن معلقة، فما يخص مستقبلها وأكل عيشها على تحقيق الهدف ولا تهاون.. إن مسئولية سحق الأمل البرئ فى شباب مخلص تتعلق فى رقبة رؤوس النظام المحركة لكل الاتجاهات من وراء الستار وعند اللزوم تتنصل من أى مسئولية تحت دعوى عدم العلم والأدهى أن توجيهاتها الحاسمة هى فى أغلب الظن شفوية والجميع يفهم أن أكل العيش يستلزم الطاعة.
الشعب لن ينسى التعسف والقائمة السوداء تمتلئ بأعداء الشعب والمسئولية لن تسقط بالتقادم عن من يتسبب فى أن يضرب شاب مصرى وتكسر يد فتاة مصرية مسالمة لمجرد الهتاف للحرية والديمقراطية.
نحن المصريين نؤمن أنه عندما تحين اللحظة المناسبة، فإن الغالبية من ضباط الداخلية سيرفضون ضرب إخوانهم وأبناءهم لمجرد إعلائهم مطالب وطنية مخلصة هم أنفسهم يتمنون لو استطاعوا إعلائها لولا قيود الوظيفة.
الحق بين ومصر لا تتمتع بالديمقراطية التى تتيح لها الانطلاق على طريق النهضة، هذا إذا استثنينا حرية تفريغ الضغط بالصراخ وبالحركة التى لا تبارح مكانها، الحكم فى مصر أهدر لمدة ثلاثين عاماً مبدأ تداول السلطة واستعمل كل وسائل الخنق المتعمد، لأى فرصة لحدوث ذلك، الحق بين ومصر تحتاج لاجتهاد شبابها ولنشطائها السياسيين من أجل الخلاص، أن مصر فى أشد الحاجة لتضاعف الحراك السياسى الحالى ومساندة المجتمع له الجميع ومنا إخوتنا المخلصين من ضباط الأمن, الكل يؤمن بضرورة توسيع المطالبة بالإصلاح السياسى لفتح الباب على مصراعه لكل أنواع الإصلاح الجذرى لحياة المصريين المهينة.
إن الخط البيانى لحركة احتجاج المجتمع فى تصاعد واضح لكل ذى بصيرة والتغيير قادم والجميع يؤمن بجزم فى ذلك.. لقد انطلق القطار بعيداً عن محطة السيد جمال مبارك يوم ضاقت سبل الحياة بالمصريين مع ارتفاعات الأسعار المتتالية منذ عام 97 ومنذ أفاقت قوى المعارضة وبدأت مكافحة مشروع التوريث ويوم أصبح الدكتور البرادعى عنصراً أساسياً فى المعادلة السياسية القائمة، وبالمثل لقد تخطى هذا القطار محطة السيد الرئيس أيضا يوم أن شاء الله أن تجرى له تلك العملية الجراحية الكبرى فى هذا السن شفاة الله.. إن الإقدام على الفضل أحسن كثيراً من الاضطرار إليه، هل نصل لتجرد يتيح لمصر التحول الديمقراطى، الذى تستحقه للانطلاق على طريق النهضة؟
لكى الله ينصرك يا مصر.
أستاذ بطب القاهرة