كتاب جديد عن: أمريكا والتدخل فى شئون الدول

الثلاثاء، 13 أبريل 2010 12:21 م
كتاب جديد عن: أمريكا والتدخل فى شئون الدول غلاف الكتاب
كتب د.خالد عزب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هل تنفرد الولايات المتحدة بقيادة العالم الآن؟ أم أن هناك من يحد هذا الطموح الأمريكى، سواء من روسيا أو الصين؟ وهل يمكن أن يمثل الهجوم الأمريكى على ميناء بيرل هاربر 1941 أو انهيار الاتحاد السوفيتى 1991 أو أحداث 11 سبتمبر 2001 إلى تغيراً فى موازين القوى الدولية؟ وفى السياسات الخارجية للدول، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية؟

أسئلة كثيرة ومتعددة قامت بالإجابة عليها الباحثة صفاء خليفة بمشروع ذاكرة مصر بمكتبة الإسكندرية من خلال دراستها للماجستير تحت عنوان "أمريكا والتدخل فى شئون الدول" حول طبيعة العلاقة بين المال والسياسة والهيمنة فى الولايات المتحدة الأمريكية وتأثير النظام السياسى الأمريكى على السياسة الخارجية الأمريكية وتم مناقشته خلال معرض الإسكندرية الدولى للكتاب.

حيث ألقت الدراسة الضوء على الولايات المتحدة وسلوكها التدخلى، وتحديدًا عقب انهيار حائط برلين، فى التاسع من نوفمبر 1989، ذلك الحائط الذى كان يمثل رمزًا لانقسام العالم إلى شطرين متصادمين أيديولوجيًا، وجسد الصراع الطويل والمرير بين القطبين الأمريكى والسوفيتى، وكان زواله يعنى بداية لحقبة جديدة قوامها هيمنة الولايات المتحدة فعليًا على تقرير مصير النسق، فمع بداية عقد التسعينيات من القرن الماضى أصبحت قضية "التدخل الإنسانى" أو "التدخل باسم الإنسانية" من أبرز القضايا المطروحة على قائمة الاهتمامات العالمية حيث شجعت لحظة الأحادية القطبية الولايات المتحدة وانفراد الولايات المتحدة بالنسق الدولى على أن تكون أكثر رغبة فى التدخل عمليًا فى أى مكان وزمان تختارهما وكان شعارها هو "التدخل لاعتبارات إنسانية أو لاستعادة الديمقراطية"، واعتبرت الولايات المتحدة أن أية اضطرابات داخلية تشكل انتهاكًا لحقوق الإنسان أو للديمقراطية من شأنها أن تهدد السلم والأمن الدوليين، وبالتالى ربطت الولايات المتحدة بين مسائل تعد –بحق – من صميم الاختصاص الداخلى للدول، وتهديد السلم والأمن الدوليين وتدخلت فى سياق هذا الربط بموجب أحكام الفصل السابع من الميثاق كنوع من إضفاء الشرعية على قراراتها بالتدخل، ويتعرض الكتاب لخمس حالات من التدخل الأمريكى ابتداء من بنما ومرورًا بالعراق، الصومال، البوسنة، هايتى، وانتهاءً بكوسوفا.

وتقول صفاء خليفة، إن أحداث سبتمبر 2001 جاءت لتمثل لحظة تاريخية فارقة تفصل بين مرحلتين، وأحدثت نقلة نوعية فى مجمل هذا السلوك التدخلى للولايات المتحدة، وقد تزامنت فترة ما بعد عام 2001 مع وجود إدارة بوش الابن فى الحكم، والتى كان لها عظيم الأثر على حدوث تحولات جوهرية فى مجمل توجهات السياسة الخارجية الأمريكية وأدواتها، خاصة فى ظل هيمنة المحافظين الجدد على مواقع صنع القرار فى الولايات المتحدة، وأصبح هدف "مكافحة الإرهاب ومعاقبة الدول التى ترعاه" هو المحور الرئيسى للسياسة الأمريكية، وبالتالى فقد اعتبرت إدارة بوش الابن نفسها فى مهمة إنقاذية بعد أن أصبح الإرهاب هو عدوها اللدود خلال تلك المرحلة، جاء ذلك على إثر ظهور مصطلحات جديدة فى قاموس السياسة الخارجية وإستراتيجية الأمن القومى الأمريكى خاصة مفهوم الحرب الاستباقية.

وفى ظل هذا السياق وجدت الولايات المتحدة ضالتها المنشودة فى تنظيم القاعدة، الذى أعلن مسئوليته عن هجمات سبتمبر وشنت حربها على أفغانستان - فى السابع من أكتوبر 2001 - بعد أقل من شهر من وقوع تلك الأحداث، ثم أصرت على غزو العراق فى أبريل 2003 على الرغم من الرفض العالمى للغزو.

ومن جانب آخر فلقد أثرت أحداث سبتمبر على قضية التحول الديمقراطى بشكل عام، حيث ربطت الحكومة الأمريكية بين القضاء على ظاهرة الإرهاب الدولى، وضرورة القيام بنوع من الإصلاح السياسى، وذلك فى العديد من دول الشرق الأوسط عامة والدول العربية على وجه الخصوص، وطرحت ما أطلق عليه "مشروعات الإصلاح السياسى"، كما قدمت العديد من مبادرات الإصلاح، وفى هذا السياق روجت الولايات المتحدة لتلك الفكرة قبيل وبعد غزوها للعراق وزعمت بأنها تسعى لإقامة نظام ديمقراطى فى العراق على أنقاض النظام السابق بقيادة صدام حسين يمكن أن يمثل نموذجا لباقى دول المنطقة.

وتؤكد صفاء خليفة أنها واجهت العديد من الصعوبات تتعلق بعدة جوانب من أبرزها، تناول رجال الدولة ورجال السياسة لمبدأ عدم التدخل، مما أدى إلى إقرار أو إنكار التدخل طبقًا لمقتضيات السياسة، وكان لذلك أثره الكبير فى الممارسة الدولية. وهكذا اختلفت الآراء وتضاربت الممارسات، الأمر الذى أضفى كثيرًا من الغموض حول هذا الموضوع وأدى لصعوبة اكتشاف قواعد قانونية مقبولة، أضف إلى ذلك أن الفقه الدولى لم يحدد نطاق مبدأ عدم التدخل فهل يتسم بالصفة المطلقة أم أنه هناك من الاعتبارات القانونية ما يسمح بورود استثناءات على قاعدة عدم التدخل؟، أن الدراسات فى هذا الصدد غالبًا ما ركزت على الإطار القانونى للمبدأ دون أن تعنى كثيرًا بواقع التعامل معه فى الممارسة العملية ويسرى هذا الأمر بطبيعة الحال على معالجة الباحثين لموقف السياسة الخارجية الأمريكية الفعلى من هذا المبدأ، الأمر الذى ترتب عليه ضرورة التعرض للمعالجة البحثية لكلا السياقين. كما شهدت تلك الفترة أنماطًا جديدة من التفاعلات الدولية فى ظل وجود لاعبين دوليين جدد حال المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، الأمر الذى حتم على الباحث الإطلاع على المراجع التى تعالج تلك الأنماط المستجدة من التفاعلات الدولية وتأثيرها على المبدأ موضوع الدراسة.

ومن جانبه يقول الدكتور عمرو الشوبكى الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، والذى قام بتقديم الكتاب أن الولايات المتحدة بدأت فى أعقاب اعتداءات 11 سبتمبر تنظر إلى مشكلات المنطقة العربية السياسية والاقتصادية باعتبارها السبب الرئيسى وراء "تفريخ" الإرهاب ومنظمات العنف الدينى التى اعتبرتها نتاج البيئة الداخلية العربية من سوء تعليم وغياب للديمقراطية وفساد مالى وإدارى.

ومنذ ذلك الوقت والإدارة الأمريكية الراحلة تضع نصب أعينها معادلة بسيطة وأحادية تتمثل فى أن مقاومة ما سمته "العنف الإسلامى" والعمليات الإرهابية يبدأ بتغيير البيئة المحلية التى أنتجته، وبالعمل على "تصنيع" نخبة جديدة تقود المنطقة العربية وتكون أكثر تواءمًا مع المنظومة العالمية الجديدة التى تقودها الولايات المتحدة.

وقد نظرت الولايات المتحدة الأمريكية إلى المنطقة العربية فى أعقاب اعتداءات 11 سبتمبر، باعتبارها منطقة "مصدرة للإرهاب" تستلزم التقويم والإصلاح، فأعلنت الحرب الدولية على الإرهاب وأسقطت نظام طالبان فى أفغانستان، ونظام صدام حسين فى العراق، وبدت الحملات العسكرية هى طريق الولايات المتحدة لتخويف دول المنطقة، والمبادرات السياسية طريق آخر لتعديل أوضاعها السياسية والاقتصادية.

وقد ربطت الولايات المتحدة حروبها العسكرية بمجموعة من الأهداف السياسية كان أبرزها العمل على "زرع الديمقراطية" فى الشرق الأوسط والعالم العربى، وأطلقت فى سبيل ذلك ما سمته بمبادرة الشرق الأوسط الكبير، ومنذ إطلاق هذه المبادرة، والشرق الأوسط يعانى من سيل المبادرات العالمية المنهمرة من كل جانب، وأصبحنا منذ ذلك الوقت أمام رؤى خارجية للإصلاح أثارت جدلاً كبيرًا داخل مصر والمنطقة العربية.

ورغم تعدد المبادرات الخارجية لإصلاح العالم العربى، إلا أن من المهم التمييز بين مبادرتين رئيسيتين عكستا طريقتين مختلفتين ولو نسبيًا فى تعامل الولايات المتحدة مع المنطقة، وهما أولاً مبادرة الشرق الأوسط الكبير وثانيًا مبادرة الشراكة من أجل المستقبل مع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وما تواكب معها من مبادرات لقمة الناتو.

وتبدو المفارقة فى أن المبادرة الأولى وصفت الأزمات العربية باعتبارها حكرًا على العالم العربى، ولكنها قدمت لها حلولاً من خارجها، ولم تبحث عن شركاء لها فى المنطقة العربية سواء من النخب الرسمية أو من نخب المجتمع المدنى لكى تواجه هذه المشكلات المتراكمة.

أما المبادرة الثانية التى تبنتها الدول الثمانية الكبرى فى شهر يونيو 2004، فاختلفت من حيث الشكل عن مبادرة الشرق الأوسط الكبير من كونها حرصت على التأكيد على أهمية الشراكة مع دول المنطقة بل نصت فى عنوانها على ما يفيد هذا المعنى، وحددت شركائها فى الحكومات ومنظمات المجتمع المدنى ورجال الأعمال، ولكنها فى المضمون أو فى الواقع العملى لم تقدم أى جديد ولم تتقبلها الحكومات ولا معظم منظمات المجتمع المدنى والقوى السياسية فى الداخل.

وعلى عكس ما يردده البعض فى العالم العربى بأن هذه المبادرات لم تقم بها الولايات المتحدة من قبل، إلا أنه من المؤكد كانت هناك مبادرات ومشاريع أمريكية أثناء الحرب الباردة تستهدف تقويض النظم الشيوعية القائمة فى ذلك الوقت وأنفقت الولايات المتحدة مليارات الدولارات من أجل إسقاط هذه النظم، أما صور التدخل الأمريكى الحالية (الناعمة) الموجهة إلى العالم العربى والإسلامى، فهى على خلاف الحالة الأولى لم تستهدف نظمًا معادية أيديولوجيًا لأمريكا، بل نظم حليفة للولايات المتحدة، وربما هذا هو الجديد فى الإستراتيجية الأمريكية التى انتقلت من تبنى مشاريع للتغيير ذات طابع سياسى وثقافى واستراتيجى شامل لا تعتمد فقط على معيار التحالف السياسى أو الخصومة الأيديولوجية، إنما هى تستهدف تغيير بيئة محلية كاملة اعتبرتها هى المسئولة عن تفريخ الإرهاب.

وبقى أن تعامل أمريكا مع بيئة محلية فى العالم العربى تضم حلفاء – معظم الأنظمة العربية – وخصومًا سياسيين (تيار إسلامى وقومى متشدد) وجانبًا من الليبراليين– وواقعًا اجتماعيًا وثقافيًا معقدًا، أدى فى النهاية إلى أن تصبح المبادرات الأمريكية تجاه دول المنطقة مختلفة بصورة كبيرة عن تلك التى استهدفت الطبقة السياسية فى الاتحاد السوفيتى وبلدان أوروبا الشرقية أثناء الحرب الباردة، وقد سهل وجود أنظمة "حليفة" للولايات المتحدة فى المنطقة العربية، من قدرتها على النفاذ إلى الداخل العربى عبر وسائل متعددة تعليمية وبحثية وسياسية وأيضًا عبر العمل الأهلى والمنظمات غير الحكومية وأخيرًا الإعلام.

ويمكن القول أن الصور السياسية للتدخل الأمريكى فى شئون الدول استهدف تغيير الواقع السياسى فى المنطقة العربية، وإقامة نظم أكثر كفاءة وتوافقًا مع الإستراتيجية الأمريكية الكونية، وتضمنت بعدين رئيسيين: الأول تأثر بدرجة كبيرة بالبعد الأمنى أى أن دوافع مبادرات الإصلاح وفق الرؤية الأمريكية كانت بالأساس دوافع أمنية لمواجهة تداعيات 11 سبتمبر، والثانى هو العمل على تصنيع نخبة جديدة للتعامل مع هذه الإستراتيجية كما حدث فى البداية فى العراق، أو تصنيع واقع جديد لتسهيل نفاذ هذه المبادرات وإحداث عملية التغيير.

وقد فشلت كل هذه الصور الناعمة من التدخل الأمريكى، لأن من الصعب قبول فكرة تصنيع نخبة جديدة لقيادة الإصلاح فى العالم العربى، فقد تساعد أمريكا وأوروبا البلدان العربية حكومات الديمقراطية عبر نخب سابقة التجهيز فهذا هو الفشل بعينه، ويضيف الشوبكى قائلاً لقد فشلت صور التدخل الأمريكى العسكرى والسياسى طوال العقد الماضى والحالى، وربما تكون هناك فرصة حقيقية لتصحيح الأخطاء السابقة فى عهد إدارة أوباما الحالية.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة