* ما حقيقة الأزمات النووية فى العراق، وكوريا الشمالية وسوريا، ودول أخرى؟
* عبد القدير خان ليس وحده.. وهناك شبكات سرية دولية للتجارة النووية.
نصل إلى تحقيق الحلم بعالم خال من الأسلحة النووية، والتى تستطيع تدمير العالم عشرات المرات، فيجب أن نتعامل بكفاءة، وحيادية وعدالة، مع الأزمات النووية العالمية.
فالدول الكبرى، وبعض منظمات الأمم المتحدة ومنظمات أخرى (مثل أزمة العراق، وكوريا الشمالية، وإيران وسوريا وغيرهم) قد أساءت التعامل مع عدد من هذه الأزمات، إما بتضخيمها، أو بتخليقها أو بتأييد دول نووية فى منطقة ما، مما يخل بالتوازن العادل فى هذه الدول، كل ذلك لأسباب أغلبها سياسية، أو لتنفيذ سياسة معينة لأسباب اقتصادية، أو أمنية، وعدد من هذه الأزمات تعتمد على تقارير مخابراتية خاطئة، أو مفبركة من الأصل، وبالنسبة لبعض المنظمات الدولية فهى تتخذ مواقفها الخاطئة من هذه الأزمات، إما بسبب النفوذ السياسى والمادى لبعض الدول الكبرى المؤسسة، أو بسبب النقص فى قدراتها الفنية.
القصور فى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية (npt) بدأ دخول هذه المعاهدة حيز التنفيذ فى 43 دولة فى عام 1970، وكان هدفها منع العديد من دول العالم من تملك الأسلحة النووية، وكذا خفض ثم تدمير ما وجد من أسلحة نووية لدى الدول الكبرى، فى هذا الوقت مع نشر الاستخدامات السلمية للطاقة النووية.
ولكن شاب هذه المعاهدة القصور فى عدد من النقاط الهامة، بتمييزها فى تصنيف دول العالم إلى ثلاث فئات:
الأغلبية العظمى، وعددها 185 دولة، وهى التى وافقت وصدقت على المعاهدة، كدول لا تملك أسلحة نووية.
الدول الخمس الكبرى، والتى تملك أسلحة نووية ووقعت أيضاً على المعاهدة ولكن كدول تملك السلاح النووى، وهى الولايات المتحدة، وروسيا، والمملكة المتحدة، وفرنسا والصين.
دول لم توقع هذه المعاهدة، ولم تلتزم بعدم تملكها أسلحة نووية، واستطاعت بالفعل تملك أسلحة نووية وهى أربعة دول: الهند، وباكستان، وإسرائيل، وكوريا الشمالية.
وهنا يظهر القصور وعدم الحيادية، سواء من بعض الدول الكبرى (خاصة الدول الغربية)، وكذا المنظمات الدولية، وخاصة مجلس الأمن، والوكالة الدولية للطاقة الذرية.
فهناك الهند، التى كوفئت- رغم تفجيرها لعدد من القنابل الذرية فى عامى 1974 و1998 باتفاقية ضخمة للتعاون النووى مع الولايات المتحدة عام 2008، وأيضاً تم التغاضى عن تفجير باكستان لأولى قنابلها، الذرية عام 1998، باعتباره خلق توازن نووى إقليمى مع الهند.
أما فى حالة إسرائيل وهى الدولة الوحيدة المسلحة نووياً فى منطقة الشرق الأوسط، فإنها تلقى دعما مستمرا من الغرب، فى حين عوقبت دولتان فى المنطقة حاولتا القيام ببرنامج سرى لعمل قنابل ذرية (العراق وليبيا) بسبب مخالفتهم للمعاهدة.
هذه التفرقة فى معاملة دول العالم وفى استخدام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كأداة لمعاقبة المخالفين دون النظر لأسباب ذلك هو قطعاً قصور فى معالجة هذه الأزمات.
القصور فى إدارة أزمة كوريا الشمالية:
قد يكون القصور فى إدارة أزمتى كوريا الشمالية النوويتين فى عامى 1993 و2002، هو السبب فى تملكها الآن لأسلحة نووية، فتقارير المخابرات (خاصة الأمريكية) عن تملك كوريا الشمالية لقنبلة نووية، أو أثنين عام 1993 متجاهلين لعديد من الحقائق الفنية التى تؤكد خطأ هذه المعلومات، كما أن تبنى الوكالة وتصديقها لهذه المعلومات الخاطئة أدى لأزمة، خاصة بين الوكالة وبين كوريا الشمالية، مما تسبب فى انسحاب الأخيرة من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، ثم تعليقه حتى عام 2002، حين أرسلت أمريكا سفيراً لها لكوريا الشمالية والذى ادعى أنهم اعترفوا بتملكهم برنامجا لتخصيب اليورانيوم سريا، وأن لديهم قنابل ذرية- هذا الادعاء الذى نفته كوريا الشمالية، وكشفت عنه فى أجهزة الإعلام بأنه ترجمة خاطئة لتصريحات المسئولين الكوريين، وأنهم فقط أشاروا إلى حقهم فى التملك، ولكن بسبب هذا الموقف الخاطئ أوقفت كوريا الشمالية التعامل نهائياً مع الوكالة، وطردت المفتشين وانسحبت نهائياً من المعاهدة، وتمكنت من تفجير قنبلتين ذريتين عامى 2006 و2009.
أزمة العراق النووية فى عام 2003
فى عام 1998 أرسلت الوكالة تقريرها النهائى لمجلس الأمن متضمنا إقرارها بنهاية كل الأنشطة العراقية السابقة، والمتعلقة ببرنامجها لتملك أسلحة نووية، ومع الأسف فإن هذا التقرير قد تبدل وتعطل بين الوكالة ومجلس الأمن دون أية مناقشة، حتى بدأت أمريكا فى اتهام العراق بإعادة نشاطه لإحياء برنامجه النووى العسكرى، بناء على عدد من المعلومات المخابراتية والتى ثبت كذبها لاحقاً، وبالرغم أن الوكالة وكذا منظمة الأمم المتحدة للأسلحة الكيماوية، والبيولوجية والصواريخ لن يؤيدوا ادعاءات المخابرات الأمريكية، إلا أنهم لم يستبعدوها، وطلبوا مدة أخرى للتحقيق.
ومع الأسف استغلت الولايات المتحدة عدم نفى هذه المنظمات لإعادة العراق لبرامجه العسكرية كأحد أسباب الحرب ضد العراق عام 2003 وتدمير البنية التحتية لدولة هامة، ومقتل عشرات وربما مئات الآلاف من العراقيين.
وهذا الموقف غير الحاسم من الوكالة ومنظمة الأمم المتحدة قد حرك ضمير مسئولى هذه المنظمة بسبب موقفهم اللين، وغير الحاسم والذى ساهم فى هذه الحرب.
أزمة إيران النووية
وهى أزمة مخلقة، لأننا حتى الآن لا نملك دليلا ماديا حقيقيا عن وجود مخالفات هامة فى إيران، أو سعى إيران لتملك أسلحة نووية، ومنذ عام 2003 يتهم الغرب إيران بأن لديها برنامجا نوويا عسكريا غير معلن، وفى عام 2007 اعترف بعض قادة المخابرات الأمريكية بخطئهم، وأن إيران ومنذ عام 2003 أوقفت أى برامج نووية عسكرية، واقتفت الوكالة نفس الخط وحتى 2007 لم توجد اتهامات صريحة وقوية لإيران، ولكن موقف الغرب والوكالة تغيرا، وبدأت المخابرات الغربية فى مسلسل جديد من الاتهامات الغير مثبتة عن محاولات إيران النووية العسكرية- ومع الأسف فإن الوكالة وبدون تأكيد مستقل استندت فى تقاريرها المفروض فيها الحيادية إلى تقارير المخابرات الغربية دون إثبات، وهو الموقف الذى يتكرر حتى الآن حيث حولت الوكالة الملف الإيرانى مرتين لمجلس الأمن عام 2006 وعام 2009 لفرض عقوبات على إيران، ومعالجة هذه الأزمة وبأسلوب المخابرات والعقوبات والتهديد أحياناً بغارات عسكرية (إسرائيلية) قد يؤدى بكارثة جديدة فى منطقة الشرق الأوسط.
أزمة سوريا النووية:
وهى أيضاً أزمة مخلقة تماماً لأسباب سياسية، وتعتمد بصورة أساسية على تقارير فنية خاطئة للمخابرات الأمريكية، ففى أبريل 2008 ادعت أمريكا أن مبنى سوريا فى الصحراء، والذى ضرب بالقنابل الإسرائيلية فى سبتمبر 2007 كان مفاعلا لإنتاج بلوتونيم لتصنيع قنابل ذرية، وهو مفاعل مماثل لمفاعل كوريا الشمالية، وكان على وشك التشغيل، ولن توضح أمريكا ولا إسرائيل وهم يعلمون – كما ذكروا – بأمر هذا المفاعل منذ عام 2001 لماذا لم يبلغوا الوكالة بهذا طوال هذه السنوات، وبصورة خاصة بعد ضرب المبنى وإزالته بالكامل، وبناء مبنى جديد مكانه، وهى فترة تزيد عن 7 أشهر تتقدم أمريكا بهذه الشكوى، ومع الأسف فإن الوكالة قد قبلت التحقيق فى هذه الشكوى، وبأسلوب إعلامى كبير، وتضمنت تقارير الدورية (كل 3 أشهر) معلومات فنية خاطئة، منسوخة من تقرير المخابرات الأمريكية- وبالرغم من اعتراضات القلة من المتخصصين الفنيين لهذه التقارير، فإن الوكالة استمرت فى أسلوبها المنحاز، وهو أمر ربما يساء استخدامه فى المستقبل القريب، بتحويل الملف السورى لمجلس الأمن لفرض عقوبات أسوة بإيران.
القصور فى التعامل مع الشبكات السرية للتجارة النووية:
هذا القصور الناتج عن عدم قدرة الدول المتقدمة التأكد من تنفيذ قوانينها للإنتاج والتصدير للمواد والمعدات النووية، وهو أيضاً القصور فى إمكانيات الوكالة والهيئات الأخرى فى كشف هذه الشبكات.
كما أن توجيه الأنظار واللوم لشبكة سرية واحدة (برئاسة الباكستانى عبد القدير خان)، وإهمال أن هناك مشاركة أساسية من عديد من الأفراد، والشركات فى الدول الغربية فى هذه الشبكات هو الأمر الأكثر خطورة.
الخلاصة
إدارة الأزمات النووية العالمية يجب أن تتم بأسلوب هادئ، دون تسليط إعلامى كبير، وبعدالة وحيادية دون تأثيرات سياسية، خاصة من جانب الدول الكبرى والمنظمات الدولية، هذا الأسلوب هو المفتاح الحقيقى لهذه الأزمات سلمياً (وليس كما حدث مثلاً فى العراق).
النقاط الفنية لابد من دراستها بعناية، بواسطة خبراء فنيين محايدين، خاصة فى المنظمات الدولية كالوكالة، بعيداً عن أى ضغط سياسى، أو تأثير بالمعلومات المخابراتية (مثل أزمتى كوريا الشمالية وسوريا).
يجب عدم التسرع فى تحويل ملفات الدول أولات الأزمات النووية من الوكالة إلى مجلس الأمن لفرض عقوبات لا تؤدى واقعياً لأية حلول (مثل ملفى إيران وكوريا الشمالية).
يجب إعادة النظر فى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية ومحاولة تفادى التفرقة فى التعامل بسببها بين الدول، خاصة رفض خروج أية دولة عن توقيع المعاهدة (كإسرائيل والهند وباكستان وكوريا الشمالية) وكذا خفض ثم إزالة جميع الأسلحة النووية من الدول الخمس الكبرى، ربما بتفادى القصور فى هذه الأزمات، لم تكن هناك حرب ضد العراق، ولم تتملك كوريا الشمالية لقنابل ذرية، ولربما حصلنا على تعاون أفضل مع إيران وسوريا، ولربما سحبنا ادعاء إسرائيل بحقها فى تملك أسلحة نووية، ولربما وصلنا فى المستقبل إلى عالم خال من الأسلحة النووية.
د. يسرى أبو شادى يكتب بمناسبة انعقاد قمة الأمن النووى بواشنطن: الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد على تقارير مخابراتية مفبركة عن الأزمات النووية
الإثنين، 12 أبريل 2010 11:37 ص
د. يسرى أبو شادى كبير مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقاَ
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة