فى عالم الفن وبعض المهن، يستطيع أى واحد أن يورث ابنه مهنته.. ولكنه بالتأكيد سيفشل إذا لم يكن موهوبا.. فالممثل أو المغنى أو الطبيب يستطيع أن يستخدم علاقاته، أو أمواله أو حتى وسائل الغش والتزوير لكى يؤمن لابنه مكانا فى مجال تخصصه.. ولكن هيهات أن يغرس فيه الموهبة.. وهناك أمثلة كثيرة على ذلك، فابن إسماعيل ياسين فشل أن يكون ممثلا، ولا حتى مخرجا ذا قيمة.. وأولاد عادل إمام مثال آخر، وأولاد محمود ياسين وغيرهم، وكذلك فى الجامعات.. بل أكثر من ذلك.. فإن سهولة دخول الابن نفس مجال أبيه، و تقديم الفرصة له على طبق من ذهب، يعتبر عاملا سلبيا بالنسبة للابن، حتى لو كانت لديه الموهبة، وذلك لأنه يحرمه من فرصة المعاناة فى أن يحفر لنفسه مكانا، ويثبت ذاته، وهذه فى حد ذاتها تمنعه من أن تشحذ موهبته وتصقل وتنمى ليصعد كل يوم بعد يوم.
هذا الشىء ينطبق بحذافيره على البلاد أو المجالات التى تكون فيها هذه النظم محكمة القواعد والمقاييس، وكل شىء يقاس فيها بالمليم والتعريفة.. ولكن هذا الشىء ليس متيسر لدينا بالقدر الكافى.. فهناك نسبة خطأ تصنعها مجاملات المصالح أو يصنعها المجال نفسه أو المكان نفسه، لا يتطلب أن يكون الشخص ذا موهبة مكتملة حيث لا يشكل ذلك هدفا رئيسيا.. مثالا واضحا فى التليفزيون القومى.. لأنه جهاز لا يعيش المنافسة، ولا يعيش منها، فمن الممكن أن يضم أولاد كبار العاملين فيه، أو أولاد الوساطة والمحسوبية، حيث أنه جهاز بوقى.. وقد تقبل قنوات خاصة مبدأ الوساطة، عملا بمبدأ شيلنى واشيلك، وكل هذه التجاوزات تتم على أساس أن المتفرج تم تدنية ذوقه، وفى غياب الرؤية النقدية يقبل أنصاف الممثلين، والمطربين، والمذيعين، وأنصاف الأفلام، وأرباع المسلسلات وأخماس البرامج.. ولكن للحقيقة فإن أصحاب الوساطة الأبوية فاقدى الموهبة يظلوا عند المستوى الثالث أو الرابع، ولا يمكن أبدا وصولهم لأن يصبحوا نجوما أو أبطالا أصحاب الدور الأول .
هذا فى عالم الفن، أما عالم السياسة فى الدول الديمقراطية، فابن الرئيس الذى يريد تبوء منصب الرئاسة، فعليه أن يمر من فلاتر متعددة لا تعرف الوساطة، أو الفرض القسرى بناء على امتلاك أبيه عناصر القوة.. فمثلا جورج بوش الابن أصبح رئيسا، ووالده كان رئيسا.. ولكنه مر بنفس عملية التنافس للحصول على ترشيح الحزب، مثله مثل غيره، ولم يكن لوالده تأثير على ذلك، حتى لو كان مازال فى السلطة، لأن الرئيس هناك عبارة عن " أكبر موظف عام " له سلطات محددة، وليست مطلقة، ولا يمكنه معاقبة أحد لأغراض شخصية، وأن أمريكا نفسها دولة قانون ودولة مؤسسات، يلعب فيها الرئيس دورا وليس كل الأدوار.. وفى الانتخابات الرئاسية نجح الابن على الحركرك .
وهناك مثالا آخر، وهو أيزينهاور الذى كان قائدا لقوات الحلفاء فى الحرب العالمية الثانية، فعندما أراد الحزب الجمهورى ترشيحه للرئاسة بعد الحرب كنوع من إبقاء القائد المنتصر فى الحرب ليبدأ ماسمى بالحرب الباردة، ولم يكن عضوا فى الحزب.. لم يأت به من الجيش إلى الحكم مباشرة.. ولكن أولا ألحق بعدة مؤسسات لترقية معارفه، منها رئيس جامعة كولومبيا، ثم مر بنفس الخطوات واستطاع أن يفوز بترشيح الحزب من خلال منافسة حقيقية.. ثم يفوز بالرئاسة من أجل هدف قومى .
الحرية نور يضيء العقل، وليس مجرد حالة يعمل ويقول فيها الإنسان مايريد .
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة