بعدما تكررت أحداث غرق الشباب المصرى فى مياه البحر المتوسط من الهاربين من سوء الحال وضيق العيش وقلة المال بعدما تاجر بهم المتاجرون وجمعوا بنزيف دمائهم الثروات بعدما عاش هؤلاء الشباب الحلم والأمل فى مستقبل زاهر زاخر ضاعت أحلامهم واتضح أنها أوهام أطاحت بهم أنفسهم وتركتهم بمياه البحر طعاما سائغا لأسماكه، وتركوا من ورائهم الأهل أو الذرية بلا مال بعدما أخذه تجار الموت وبلا عائل بعدما ودعوهم ثم عادوا إليهم ولكن بأكفان بيضاء أو بأشلاء مزقها البحر أو بجثث شوهتها المياه المالحة ولم يتركوا لذويهم إلا الحسرة على المال الذى ضاع والحلم الذى أصبح سرابا والندم الأبدى لأنهم هم الذين أوردوا أبناءهم ذلك المورد واقتادوهم إلى مصير الهلاك بأيديهم، طمعا فى المال أو البيت المسلح بالحديد والأسمنت الذى طالما جمعوا له القرش على القرش والجنيه على الجنيه من قوت عيالهم وبحرمان أنفسهم ليس من كل ما لذ وطاب ولكن من أشد الضروريات حتى يبنوا حيطان تداريهم أمام خلق الله ولكن هيهات لما يحلمون، فالحديد والأسمنت اليوم هما عدوا الفقير كلما اقترب منهما هربا من بين يديه وأصبحا حلما صعب المنال وأملا لن يتحقق ولذا آثر المساكين أن يضحوا بأبنائهم حتى يعيشوا مستورين فلا بقى أبناؤهم ولا سُتروا.. فعلى من نلقى اللوم؟.. على الأب الذى نسى أبوته وآثر أن يعيش ما بقى من حياته بهدمة جديدة ولقمة نظيفة؟ أم الأم التى غابت عن الوعى وتركت قطعة منها تغادر عبر الأمواج وهى تعلم أن البحر غدار فألقت بقطعة لحمها بعدما ربتها ورعتها حتى بعدما كبرت ألقتها فى البحر دون ان تعلمه العوم؟ أم الزوجة التى نسيت حرارة الأنس وفرحة اللقاء وقسوة البعد وألم الفراق ولم تتذكر إلا أملها فى بيت ميسور وأولاد تتربى على رغد العيش ويسر الحال ولكن من يدفع الفاتورة؟
أم نلوم الحديد والأسمنت واللحمة والسمك والخضار والفاكهة والملابس التى تهرب جميعها عندما تشم رائحة الفقير؟ أم نلوم بائعيها ومورديها ومصنعيها؟ أم نلوم الجشع والطمع وطغيان المادة وزيف الإعلام والبعد عن الدين وحب الدنيا؟
وبالطبع لن نقدر أو نستطيع أن نلوم مسئولا أو صاحب سلطة أو ذا قرار، فهم جميعا برآء من دم شبابنا، فالمخطئ هم الشباب وذووهم الذين لايقرءون إعلانات الحكومة عن فرص العمل والتيسيرات المقدمة للشباب فى السكن والزواج ورحم الله الفاروق الذى قال "لو عثرت بغلة بالعراق لحاسبنى الله عليها" ونحن والحمد لله ليس عندنا بغال، ولكن الشباب هو الذى تعثر ثم سقط فى البحر بلا رجعة!!!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة