مرّت أكثر من أربعة عشر شهرا على تولى الرّئيس الأمريكى باراك أوباما سدة الحكم، أكثر من عام كامل على عرش البيت الأبيض كان كافيا لتبيّن مدى توجه أوباما نحو تحقيق وعود التّغيير.
إلا أنّ التّغيير الموعود لم يتحقق بعد، إذ أنّها السّياسة الأمريكية ذاتها تجاه أهمّ القضايا فى الشّرق الأوسط والمناطق السّاخنة، لكنّها سياسة تتصف أساسا بالدّبلوماسية والخطابة على حساب القوة الخشنة التى لا طالما ميّزت الرّئيس السّابق جورج بوش؛ ليكشف أوباما مجددا عن مدى تجانس السّياسة الأمريكيّة -خاصّة الخارجيّة منها- التى لا تتأرجح أو تحيد عن أهدافها الإستراتيجيّة وإن تغيّرت الأساليب بمغادرة رئيس وحضور آخر.
لقد حملت زيارة أوباما الخاطفة إلى أفغانستان رسائل لم تختلف كثيرا عن تلك التى لا طالما وجهها بوش إلى العالم حول الملف الأفغانيى.
أعلن أوباما خلال هذه الزيارة مزيدا من تعزيز القوات الأمريكية فى أفغانستان، وحاول تبرير هذا القرار بما تشكله طالبان من خطر ليس فقط على الولايات المتحدة الأمريكية بل على العالم أجمع.
"إذا استعادت طالبان هذا البلد وباتت القاعدة قادرة على التّحرّك من دون حسيب فإنّ مزيدا من الأمريكيين سيكونون عرضة للموت كما أنّ الأفغان سيفقدون فرصتهم فى التّقدّم وسيكون العالم أجمع أقلّ أمنا بكثير." لا تختلف نظرة أوباما هذه كثيرا عمّا قدّمه الرئيس بوش من تضخيم لخطر الإسلاميين، وقد كان هذا التّضخيم أحد النّقاط التى انتقد من خلالها المفكّر الأمريكى فرانسيس فوكوياما المحافظين الجدد فى كتابه "أمريكا على مفترق الطّرق".
إنّ سياسة أوباما تجاه أفغانستان لم تخط ولو خطوة واحدة نحو إرساء السّلام.
أمّا الملف الإيرانى الذى كان ومازال أحد أدوات السّياسة الأمريكيّة لملأ الفراغ الإعلامى والتّهويل من شأن قنبلة نوويّة لم تصنع بعد، يحضر كذلك على أجندة أوباما، إذ يهدّد ويتوعّد بمزيد فرض عقوبات على إيران التى تشكّل "خطرا على الأمن العالمى".
وقد قال فى مقابلة مع قناة "سى بى إس" الأمريكية " كلّ الدّلائل تشير إلى أنّ الإيرانيين يحاولون تحسين القابليّة على تطوير أسلحة نوويّة". وهو موقف يضع إيران فى نفس "محور الشرّ" الذى يعتبر بوش أنّه يتربص بالأمريكيين، دون أن يقع أوباما فى نفس فخّ المسميّات باستغنائه عن عبارات "كالحرب على الإرهاب" أو دول "محور الشّر".
أمّا فيما يخصّ إسرائيل فإنّ أوباما قد قالها منذ البداية وقبل حتى أن يتولى الحكم فقد وعد بضمان تفوّق إسرائيل العسكرى النّوعى فى الشّرق الأوسط وقدرتها على الدّفاع عن نفسها ضدّ أية هجمات قد تتعرض لها من غزة إلى طهران، أمّا حاليا فتعتمد السّياسة الخارجيّة الأمريكيّة أسلوب المماطلة بالتّعاون مع إسرائيل التى مازالت ترفض وقف الاستيطان فى القدس.
يتمتع أوباما بخطابه وبلاغته تضمن له أسر القلوب حول العالم، أمّا لونه وأصوله المسلمة فإنّها تحشد له المستضعفين الذين ينشدون بصيص أمل، لكنّه لم ينجز على أرض الواقع فرقا كبيرا إلا على مستوى الدّاخل الأمريكيى.
لذا فإنّ باراك أوباما هو النّموذج الأمثل لاستعادة القوة النّاعمة التى برعت فيها الولايات المتحدة خاصة بعد الحرب العالمية الثّانيّة، ويبقى أوباما "بوشا" من نوع آخر يروى لنا فصلا جديدا من أسطورة التّغيير الأمريكيّة التى لا تتحقق.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة