
تأملت ما يحدث فى الشارع السياسى فى مصر فى الفترة الأخيرة وما يشهده مجتمعنا من حراك- مازال محدودا- يقوده مجموعة من الشباب المتحمس الراغب فى التغيير بعد أن قرر أن ينشط بنفسه بعيدا عن قيود الأحزاب والتى ضعفت بطارياتها وخسرت رموزها ثقة هؤلاء الشباب فأخذوا يشكلون العديد من الحركات السياسية والتى تحمل أسماء يبدو أنها بسيطة لكنها تحمل بين طياتها معان وأهداف معقدة - أشفق على هؤلاء الشباب منها - .. والحقيقة أن الحركات الاحتجاجية الجديدة ظاهرة إيجابية موجودة فى كل أنحاء العالم تضم العديد من الشباب الذين يضيقون بتعنت الأحزاب وجمودها فهم يتحركون ويخططون دون أدنى مشكلة ودون أى رقابة من أحد ويشعرون بذاتهم فى ما يقومون به من عمل لا يخلو من الخطورة والإثارة.. لكن لعل هذا التحرر الفكرى لديهم قد يجعلهم يذهبون إلى ما لا يذهب إليه الناس لأننى اعتقد انه إذا حدث تلامس حقيقى بين هؤلاء والجماهير ستتغير الكثير من شعارات تلك الحركات، ويدرك شبابها إن التغيير أكبر بكثير من قضية حماسية تدار عبر مجموعة من الأصدقاء مهما اتسع مجالها.
ويرجع سبب انتشار تلك الحركات لما شاهدته مصر من حراك سياسى منذ عام 2004 قادته حركات سياسية جديدة سرعان ما تراجعت إلى أن عاد البرادعى بدعواه الجديدة للإصلاح ليتحرك قطاع واسع من هؤلاء ويبدوا تأيدهم ودعمهم له، وتأسست بسرعة حركة جديدة فى أعقاب لقاء استمر عدة ساعات بين البرادعى وبعض قيادات العمل السياسى فى مصر.. قرروا على إثرها تأسيس الجمعية المصرية للتغيير فى مشهد غريب تتأسس فيه حركة من أجل «التغيير» تضم ألواناً مختلفة من أطياف العمل السياسى بعضهم التقى لأول مرة كما أن أغلبهم شاهد البرادعى أيضا لأول مرة، ومع ذلك أسسوا فى أقل من ثلاث ساعات حركة مهمتها تغيير مصر!!
وأزعم أنها حاولت الاستفادة من باقى الحركات الشبابية وتوظيفها لأهداف لا تخلو من طموحات شخصية لدى البعض ويُدعم هاجسى هذا أننى أجد رئيس حزب تحت التأسيس وزعيم حزب آخرـ أعلنا رغبتهم فى خوض الانتخابات الرئاسية القادمةـ يتصارعان عن من مهم أقرب لهؤلاء الشباب وداعما لهم.. "أليست هذا بمتاجرة بهؤلاء الشباب - الذين أثق فى أنهم لا يدركون تلك الأبعاد-.. إنهم يؤكدون دائما رغبتهم فى التغيير من أجل الإصلاح وليس من أجل شخص بعينه لكنهم وعلى الرغم من ذلك حُسبوا على أكثر من منافس فى انتخابات على مقعد واحد!!
وهذا فى حد ذاته يشكك فى حيادية تلك الحركات ويعكس ما تعانيه من تخبط أو سوء تنسيق فعلى لا يجنبهم الوقوع تحت ظلال الشبهات السياسية.
ورغم اختلافى معهم، أجد نفسى متعاطفا مع هؤلاء الشباب عندما أسمع العديد من الاتهامات التى تنهال عليهم بالعمالة والخيانة وتبنى أهداف مشكوك فى سلامة نواياها مثلها مثل الدعاية السياسية التى نادى بها "جوبلز" وزير الدعاية فى عهد هتلر .. لكن الفرق بسيط؛ حيث أن هتلر كان قائد فى دولة نازية قوية منظمة لكن هؤلاء الشباب ضحية لضعف الأحزاب ولأفكارهم ولرغبتهم فى القيام بدور فعال فى هذا المجتمع لكن قادتهم هذه الرغبة إلى العديد من التحركات غير المحسوبة جيدا والتى جعلت تحركاتهم تبدوا وكأنها تشكل ملامح للعشوائية السياسية حيث إن التنظيم أصبح يعنى بالنسبة لهم مجرد التنسيق فى الاجتماعات أو عبر الفيس بوك أو ما غير ذلك .. دون النظر إلى ما هو أعمق من ذلك بكثير وهو التوحد حول فكر سياسى ومبادئ محددة وأسلوب أخلاقى فى التعبير والنقاش حتى لا يسيئوا لأنفسهم أو لمن يقتنع بهم.
هؤلاء الشباب عليهم إدراك عدة حقائق حتى لا ينجرفوا كثيرا وراء أفكار خيالية وأهداف وهمية أولها أن الحركات والتيارات السياسية ليست عبارة عن فكرة تنطلق فى ذهن إنسان ويسعى لتعميمها ونشرها فلا يستطيع أى إنسان أن يملى إرادته على الجماهير وإنما الجماهير هى التى تملى إرادتها على الجميع فالفعل السياسى يجب أن يكون منظما ومدركا لحقيقة الواقع الجماهيرى ويجب أن يتم تقديمه للجماهير بحذر شديد ويقيس مدى تفاعلهم معه باستمرار.. وثانيها "أصبحت تلك الحركات فى نشأتها كالموجات المتكررة فكل يوم نسمع عن حركة تتبنى أهداف متكررة وتدعو لعمل وقفات احتجاجية يتسبب كثرة تكرارها فى إفشالها فتبدوا وكأنها موجة أوشكت على الانتهاء".. ورابع تلك الحقائق" إن الابتعاد عن الشبهات السياسية فى أى نشاط سياسى أمر حتمى لمن يتفهم التاريخ جيدا فما أحوج هؤلاء لهذا خاصة وأنهم قررا أن يعملوا بدون أى غطاء شرعى سياسى فعليهم أن يدركوا أبعاد نظرية المؤامرة والتى يفكر بها البعض عندما ينظر إليهم بعين الشك فى أن أحدا فى الداخل أو الخارج وراء تحركاتهم وتوجهاتهم وإنهم أصحاب أجندة خارجية أو ينفذون توجهات أجندات داخلية لأشخاص بعينهم".. رغم أنى أستبعد ذلك وأثق فى انتماء هؤلاء الشباب ووطنيته فلا أستبعد أن هناك من يحاول توظيفهم هنا أو هناك ، فعلى هؤلاء نفى ذلك قطعيا وإثبات أن وطنيتنا مصرية لا يتفهمها إلا المصريون وأن يعيدوا ترتيب أوراقهم من جديد حتى لا تصبح حركاتهم مجرد حركات لا تحقق أى تقدم.
* صحفى بوكالة أنباء الشرق الأوسط