بالرغم من انخفاض تكلفة الأسمنت الحقيقية، وتوفر الخامات اللازمة لهذه الصناعة الحيوية فى جميع أنحاء الوطن، إلا أننا نجد مصر تعيش أزمة غير مسبوقة فى أسواق الأسمنت، وذلك بسبب قلة المطروح، وارتفاع الأسعار.
ففى الوقت الذى يؤكد كل خبراء صناعة الأسمنت أن التكلفة الحقيقية للطن لا تتجاوز 120 جنيها، نجد أن الطن بالأسواق وصل إلى 600 جنيه، ولا يجد الخبراء سببا لفارق الأسعار بين التكلفة وسعر البيع، ويعود هذا الارتفاع "الهستيرى" لسيطرت اللوبى الأجنبى على سوق الأسمنت، بعد أن تخلص من الشركات الوطنية العاملة فى هذا المجال.
ففى منتصف التسعينات تعرضت الشركات الوطنية لمخطط أجنبى استهدف توجيه ضربات قاضية لمصانع الأسمنت الوطنية، حيث قام اللوبى الأجنبى بإغراق الأسواق المصرية بمنتجه، وخفض سعر الطن فى هذا الوقت إلى 100 جنيه، مما أدى إلى تكبد الشركات المصرية لخسائر كبير، وفجرت الأزمة المتأججة بين شركات الأسمنت الأجنبية العاملة بمصر من جهة، وبين نظيراتها والحكومة المصرية من جهة أخرى، جدلا ساخنا فى الأوساط السياسية والاقتصادية، ووصف عدد من رؤساء الشركات المصرية سلوك الأولى بأنه يمثل خطرا على الاقتصاد القومى، فيما لم يبد الطرف الأجنبى رغبة فى التراجع عن تهديداته "بضرب" أسعار الأسمنت فى مصر.
وأمام سياسة ضرب الأسعار من قبل اللوبى الأجنبى اضطرت الشركات المصرية للتسليم ورفع الراية البيضاء، وذلك من خلال بيع أكثر من 12 شركة مصرية للشركات الأجنبية، مثل مصنع أسمنت قنا وأسمنت بنى سويف والقومية للأسمنت وغيرهم.
ويرى البعض أن سلوك المستثمرين الأجانب فى هذا القطاع لم يكن مفاجأة، وقد بدأ منذ دخولهم البلاد فى عام 1999 كمشترين رئيسيين لشركات الأسمنت الوطنية، مشيرين إلى سعيهم لتفكيك اتحادات المساهمين والعمال فور تملكهم القدر الأكبر من الأسهم، وعدم سدادهم لمستحقات العاملين، وتحالفهم لتحقيق مصالحهم المشتركة، ملمحين إلى تحالف شركتى "لافارج" الفرنسية "وتيتان" اليونانية فى مواجهة العاملين والمستثمرين، بعد أن استطاعت الأولى أن تستحوذ على 73.6% من أسهم شركة "بنى سويف"، فى صفقة قيمتها 589 مليون جنيه مصرى (نحو 135 مليون دولار أمريكى) فى أول الأمر ثم الاستيلاء عليها بالكامل.
ثم قام اللوبى الأجنبى بعد أن استولى على الشركات الوطنية بعد خصصتها، وموافقة الحكومة على بيعها، ولم يخلُ الأمر من عمولات بالملايين لمن سهل هذه الصفقات، بتعطيش السوق، وشهدت مصر على مدار الأعوام الخمسة الماضية تقطيرا فى الإنتاج، ثم تم طرح الكميات التى يحتاجها السوق المصرى، لكن بالسعر الذى يريدوه هؤلاء المحتكرون حتى وصل الآن الطن إلى 600 جنيه حاليا.
وقد وجدنا أن وزارة الصناعة حاولت التصدى لهذا الاحتكار، وتم بالفعل تحويل عدد كبير من هذه الشركات للنائب العام الذى حولهم للمحاكمة، ولكن سرعان ما تراجعت الوزارة عن مواجهتها لوبى الأسمنت الأجنبى، وأطلقت له العنان من جديد حتى وصل الطن الآن إلى 600 جنيه.
وعلينا جميعا أن نتصدى لهذا اللوبى الذى يتلاعب بأسواقنا، ويحتكر منتجاتنا من خلال مقاطعته، كما علينا الضغط لفتح باب الاستيراد لوجود منافسين له بالسوق المصرى، خاصة أن حكومتنا المصونة تركتنا لقمة سائغة بين فكيه.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة