اللحى والعباءات القصيرة والمنتقبات فى تزايد، وكذلك السفور والانحلال والفساد بكل أشكاله فى تزايد.
الطرفان يتزايدان.. الإفراط والتفريط، وبينهما وسط هو وحده الذى يقل وينهار، ذلك الوسط الذى بات على وشك الانقراض هو "الأخلاق".
الأخلاق جوهر الأديان ومقصدها، فيقول الصادق الأمين "ص"، (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، فإذا سألنا: ما هو هدف الرسالة المحمدية؟ تكون الإجابة - فى ضوء الحديث الشريف - إتمام مكارم الأخلاق.
ثم أن كلمة "أتمم" تفيد بالضرورة أن عملية تعليم مكارم الأخلاق وبناء صرحها العظيم كانت قائمة ومستمرة من قبل، وهى كانت مهمة عيسى وموسى والأنبياء والصالحين المصلحين جميعاً، وقد جاء المصطفى المختار لإتمام هذه المهمة واستكمال بناء ذلك الصرح العظيم.
ولهذا فقد وصفه ربه سبحانه وتعالى "وأنك لعلى خُلقٍ عظيم"، فلم يمتدحه بالعلم العظيم أو النسب العظيم أو القيادة العظيمة، وإنما أمتدحه بالخُلق العظيم.
ويقول صاحب الخُلق العظيم "ص" (أقربكم منى يوم القيامة، أحسنكم أخلاقاً بين الناس)، تأكيداً على أن حسن الخلق هو غاية الدين ومصقده.
إن الأخلاق أساس كل بناء يراد له البقاء والخلود، فإن يوماً تصدع هذا الأساس فحتماً البناء إلى انهيار.. ويقول أمير الشعراء فى بيته الشهير "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا".
إن الأخلاق الآن صارت تنسحب من ساحة حياتنا، تاركة تلك الفوضى البلهاء بصراعها المحتدم بين نقيضين.
الأول لم يأخذ سوى مظاهر بيئة النبى وأصحابه من زى وعادات وكذلك بعض قشور الدين وسطحياته، واضعاً المظاهر على القشور والسطحيات، مستمسكاً بهذا ظناً أنه الحق.
والثانى تائه فى بحر الشهوات، منغمس فى دنيا دنية بين انحلال وفساد، الأعمال الشريفة والأهداف النبيلة والحياة الصالحة، إنما هى أمور فى نظره تخلف ونكد وضيق.
وبين تصاعد هذين الباطلين وانتشارهما الآن، تضاءلت مساحة الوسط الحق.
نعم.. لقد زاد الإفراط وزاد التفريط وما قل فى حياتنا سوى الحق الذى تمثله الأخلاق الكريمة.
فهيا نضع على كل باب حارة ومدخل شارع لافتات تحث على الأخلاق، هيا نجعل بمدارسنا وجامعاتنا مادة إجبارية لتعليم الأخلاق، هيا نجعل لكل أسرة مربياً للأخلاق، هيا نستبدل فضائيات اللإفراط والتفريط بفضائيات للأخلاق، هيا نضع بجانب ضباط الشرطة وضباط المرور ضباطاً للأخلاق، هيا نتنفس أخلاق ونأكل أخلاقاً ونشرب أخلاقاً، وإما فهيا نقيم لأنفسنا مأتماً كبيراً.. فقد قال الشاعر "إذا أصيب القوم فى أخلاقهم.. فأقم عليهم مأتماً وعويلاً".. اللهم بلغت اللهم فاشهد.
